اختبار الثورة
أشرف سويلم
آخر تحديث:
السبت 2 مارس 2013 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
لماذا نفشل فى امتحان الثورة؟ إجابة الحكم هى أن المعارضة تطفئ عليه الأنوار ليرسب. إجابة المعارضة هى أن الحكم يقطع الطريق عليها حتى لا تصل للجنة الامتحان. إجابة غالبية الشعب هى أن الحكم والمعارضة نسيا أن قواعد الامتحان هى أن يرسب الفصل كله إذا رسب أى من طلابه. أما أنا فأرى أننا نرسب لأننا نصر على الإجابة عن الأسئلة الخاطئة. أسئلة لم تتضمنها ورقة الامتحان ولا يلتفت لها المصحح.
أسئلة امتحان الثورة كثيرة ومعقدة بقدر استفحال آفات الدولة وقسوة أمراض المجتمع، بيد أنها تدور جميعا فى فلك سؤال واحد هو كيفية إعادة بناء الدولة ومؤسساتها وإعادة صياغة قوانينها، ليس كهدف فى حد ذاته، ولكن كوسيلة لنقل المجتمع بأسره من وضع يُمنح أو يُمنع فيه الفرد من فرص النجاح والترقى الاقتصادى والاجتماعى بحسب قربه أو بعده من نخبة الحكم (فتتشكل حوافز المجتمع ــ أفراد وجماعات ــ وفقا لذلك)، إلى وضع تتاح فيه فرص النجاح والترقى للجميع وعلى قدم المساواة ليصبحا رهنا بالعلم أو الجهد أو الابتكار (فتصير تلك قيم المجتمع وحوافز أفراده).
•••
واليوم، وبعد عامين من الثورة، وفى معرض تصحيح الإجابات على أسئلتها، إذا بنا نكتشف أننا ألقينا بأسئلة الامتحان عرض الحائط، وأضعنا الوقت والجهد فى محاولة الإجابة عن أسئلة غيرها.
اخترنا على سبيل المثال أن نجيب على سؤال كيفية إعادة توزيع السلطة فى قمة الهرم السياسى بين سلطات تنفيذية وتشريعية وقضائية، وبين رئيس ورئيس وزراء، ويا ريتنا أفلحنا، فى حين أن سؤال الثورة الحقيقى كان عن توزيع السلطة بين قمة الهرم وقاعه، بين الحكم والشعب الذى هو مصدر السيادة، بما يحقق التوازن الدقيق بين اعتبارات توسيع المشاركة السياسية والرقابة الشعبية على السلطات المنتخبة وبين اعتبارات سرعة وكفاءة عملية اتخاذ القرار.
ركزنا على ضمان أن يصل لمقعد المسئولية من اختارته الأمة بإرادتها الحرة ، فى حين أن سؤال الثورة كان فى الواقع عن ضمان أن يعبر المسئول عن إرادة الأمة بعد وصوله إلى المقعد، وعن إبقاء عينيه معلقة بناخبيه، باعتبارهم من يراقبونه، ومن بمقدورهم عزله، ومن يقررون التجديد له أو انتخاب غيره.
اتفقنا على أن اسقاط النظام لا يجب أن يعنى إسقاط الدولة فى نفس اللحظة التى اتفقنا فيها على أنها دولة فاشلة، بدء بإخفاقها فى وقف نزيف دمائنا المتواصل على قضبان السكك الحديدية وفوق الطرق وتحت أنقاض البنايات حتى أصبح البقاء فى البيت مخاطرة، والخروج منه مجازفة، مرورا بانقطاع التيار الكهربائى وطوابير البنزين والسولار والبوتجاز، وانتهاء بغياب خدمات الصرف الصحى والنظافة، حتى بات إلحاق كلمة «العام» بأى شىء فى مصر مرادافا لغياب الخدمة أو تواضعها ــ على حد تعبير أستاذ الاقتصاد السياسى النابه سامر سليمان رحمه الله ــ سواء كان الحديث هنا عن مرفق عام، أو تعليم عام، أو مستشفى عام. احتدم جدلنا عن الفارق بين إسقاط النظام واسقاط الدولة، فنسينا أن سقوط دولة مبارك سابق لسقوط نظامه، وأن أحد أسباب سقوط مبارك ونظامه هو فشله فى إصلاح الدولة، لتبقى جزء من المشكلة بدلا من أن تكون جزءا من الحل.
اختزلنا سؤال الثورة عن العدالة الاجتماعية فى عدالة التوزيع، بالجدل حول الحدين الأدنى والأقصى للأجور، واستمرار الدعم أو ترشيده، فى حين أن سؤال الثورة الحقيقى يتعدى ذلك لعدالة الفرص فى تعليم جيد، ورعاية صحية متميزة، وفى قواعد سياسية واقتصادية تضمن أن يكون التنافس فى سوق العمل والانتاج وفى مضمار الصعود الاقتصادى والاجتماعى بناء على الجدارة والاستحقاق. سؤال الثورة الحقيقى لم يكن أبدا كيف نحفز عموم المصريين لاستبدال كارنيه عضوية الحزب الوطنى الديمقراطى بكارنيه عضوية حزب الحرية والعدالة، أو حزب النور، أو حزب المؤتمر، أو حزب الدستور، أو أى حزب آخر، بل بكارنيه عضوية مصر. سؤال الثورة لم يكن أبدا عن إدارة الفقر أو التعايش معه، بل عن القضاء عليه.
•••
إن مشكلتنا ــ حكما ومعارضة ــ هى أنها نشأنا على الحفظ والصم بينما امتحان الثورة يتطلب التفكر والإبداع. مشكلتنا أننا قرأنا إجابات غيرنا فنقلناها مشوشة ومشوهة بدلا من ان نضيف إليها ونجودها. مشكلتنا أننا تعاملنا مع الثورة ليس كوسيلة للفكاك من الماضى وتحطيم أغلاله، وانما كوسيلة لاستكمال طريق الماضى، ربما بعد تعبيده.
مشكلة النخبة المصرية يا سادة ليست فى تحاورها من عدمه، وليست فى طول الوقت المتاح لهذا الحوار أو قصره، وليست فى مدى النجاح أو الفشل فى التوصل إلى التوافق. المشكلة الحقيقية هى أن الحوار ــ حتى لو جرى واستغرق كل ما يحتاجه من وقت وأسفر فى النهاية عن التوافق ــ فإنه لا يجيب عن أسئلة امتحان الثورة، بل على غيرها لم تشملها ورقته.
مستشار المجلس المصرى للتنافسية