بناء التعددية العرقية فى الدبلوماسية الأمريكية

دوريات أجنبية
دوريات أجنبية

آخر تحديث: الثلاثاء 2 مارس 2021 - 7:25 م بتوقيت القاهرة

نشرت مجلة فورين بوليسى مقالا للكاتب كريستوفر ريتشاردسون، تناول فيه أسباب فشل المحاولات التى استمرت لعقود لتعزيز التنوع العرقى فى وزارة الخارجية الأمريكية، وكيف يمكن لوزير الخارجية الحالى أنتونى بلينكين تجنب أخطاء الماضى للنجاح فى هذه القضية... نعرض منه ما يلى:

فى القرن الماضى، وصلت الانتقادات بشأن العنصرية فى وزارة الخارجية الأمريكية إلى ذروتها، وهو ما دفع وزير الخارجية الأمريكية جورج شولتز فى عام 1986 إلى إصدار بيان يأسف فيه «لوجود عدد قليل من السود فى المناصب العليا». العديد من وزراء الخارجية قبل شولتز وبعده لاحظوا ذلك. ومع ذلك، وعلى مدى عقود، فشل السلك الدبلوماسى الأمريكى فى بناء التنوع العرقى فى الدبلوماسية الأمريكية.

وزارة الخارجية الأمريكية فى الوقت الراهن، من حيث التنوع العرقى، أسوأ حالا مما كانت عليه قبل 20 عاما تقريبا. ولطالما كتب الدبلوماسيون السود ــ فى الماضى والحاضر ــ عن تاريخ وزارة الخارجية الأمريكية الطويل من التمييز المنهجى بالإضافة إلى تجاربهم الشخصية مع لامبالاة المسئولين والجهل المتعمد والإساءة الصريحة. ووفقا لدراسة صادرة عن مكتب المساءلة الحكومية العام الماضى، فإن وزارة الخارجية تتخلف عن الوكالات الفيدرالية الأخرى فى توظيف مجموعات ممثلة تمثيلا غير مناسب، وخاصة فى المناصب العليا.

منذ مقتل جورج فلويد فى مايو 2020، كان هناك العديد من المقترحات لمعالجة قضايا التمييز العرقى. فمثلا أصدرت منظمة السفراء الأمريكيين المتقاعدين تقريرا يتضمن توصيات حول كيفية قيام الولايات المتحدة «بتسخير مهارات وقدرات سكانها المتنوعين بشكل أفضل». وكان لكل من المراكز الفكرية مثل FP 21 ومجلس العلاقات الخارجية مقترحاته الخاصة. كما عقد الكونجرس عدة جلسات استماع حول هذا الموضوع. ومثل جميع أسلافه تقريبا، تعهد بلينكين بالفعل ببناء وزارة خارجية «تليق بالدولة التى تمثلها». ولكن إذا أراد بلينكين وغيره من القادة المعنيين بمسألة العرق فى وزارة الخارجية النجاح فى المستقبل، فسوف يحتاجون إلى إلقاء نظرة فاحصة على سبب فشل الجهود السابقة.
***
خلال حقبتى ترومان وأيزنهاور فى الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضى، أطلق النائبان جاكوب جافيتيس وآدم كلايتون باول جونيور استفسارات حول افتقار وزارة الخارجية إلى التنوع العرقى. كما عقدت إدارة كينيدى فى أغسطس 1961 مؤتمرا لوزارة الخارجية حول تكافؤ فرص العمل. أدى المؤتمر، الذى ضم قادة أعمال وأكاديميين ودبلوماسيين أمريكيين رفيعى المستوى، إلى إنشاء برنامج الباحث العلمى صغير السن فى الشؤون الخارجية فى عام 1963، والذى كان يهدف إلى تجنيد طلاب أمريكيين من أصل أفريقى للدبلوماسية. وفى أواخر السبعينيات، أنشأ وزير الخارجية سايروس فانس فريق عمل للتعامل مع نقص الدبلوماسيين السود، ووعد قانون الخدمة الخارجية لعام 1980 بجعل الخدمة الخارجية «أكثر تمثيلا للشعب الأمريكى».

أما فى عهد الرئيس الأمريكى بيل كلينتون نجد أن محاولاته لتشجيع التنوع العرقى قوبلت بانتقادات من قبل العديد من الموظفين البيض. وقد قوبلت أيضا جهود التنوع التى بذلها الرئيس باراك أوباما بدعاوى قضائية تتهمه بالتمييز ضد البيض.

ومع ذلك، فإن هذه المبادرات، على الرغم من نواياها الطيبة، فشلت إلى حد كبير. فلقد لعبت تخفيضات الميزانية والرؤساء المعادين للإصلاح دورا فى الحد من نطاق إصلاح التعدد العرقى فى وزارة الخارجية. ومع ذلك، كانت البيروقراطية نفسها هى العقبة الأكثر تأثيرا. حتى عندما حاول الكونجرس والبيت الأبيض إحداث تغيير، أثبتت البيروقراطية أنها راسخة للغاية وملتزمة بالحفاظ على نخبويتها بأى ثمن. بعبارة أكثر تفصيلا للتدليل على مدى تأثير بيروقراطية وزارة الخارجية الأمريكية فى عرقلة الإصلاح العرقى، يوجد عشرات الآلاف من الموظفين الذين يغطون مختلف المكاتب والوكالات والبعثات الأمريكية المنتشرة فى جميع أنحاء العالم، يشكل هؤلاء الموظفون نظاما طبقيا، مثل هذا النظام مصمم لإبعاد الأفراد السود وليس لديه أبدا الحافز أو الدافع للسماح لهم أو لأى شخص آخر بالدخول. ناهيك عن أن فى السلك الدبلوماسى الأمريكى، بالنسبة للعديد من الدبلوماسيين البيض، السود وغيرهم يمثلون خطرا مباشرا على وظائفهم.

فى كتاب المؤرخ الدبلوماسى مايكل كرين «الدبلوماسية السوداء: الأمريكيون الأفارقة ووزارة الخارجية»، أشار إلى أن «الأيديولوجية البيروقراطية» جعلت من المستحيل على السود أن يصلوا للمناصب العليا. وردا على تحقيقات فى الكونجرس فى الخمسينيات من القرن الماضى، جادل المسئولون فى ذلك الوقت بأن «العدد الصغير نسبيا من السود فى السلك الدبلوماسى هو نتيجة لعدد قليل جدا من المتقدمين السود المؤهلين الذين يبحثون عن وظائف» وليس لسياسات وزارة الخارجية شأن بهذا الأمر.

رغم ذلك، قاومت البيروقراطية بنجاح بعض التغيير ولكن ليس كله. فخلال العامين اللذين قضاهما سفيرا للولايات المتحدة فى الهند فى أوائل الخمسينيات من القرن الماضى، دفع تشيستر بولز قيادة وزارة الخارجية لتعيين دبلوماسيين سود على الرغم من حقيقة أنه فى ذلك الوقت، تم تعيين الدبلوماسيين السود فى خمس دول فقط أطلق عليها اسم «الدائرة السوداء»، أى دول يعين بها دبلوماسيين سود فقط. فى نفس الحقبة، جادل إدوارد دادلى، الذى عمل سفيرا فى ليبيريا، وجورج ماكجى، مساعد وزير الخارجية، بشكل صريح وثابت ضد التأكيد على أن الدبلوماسيين السود لن يتم الترحيب بهم فى البلدان الأخرى. ولجهودهما فى أوائل الخمسينيات من القرن الماضى، قبلت وزارة الخارجية المزيد من الدبلوماسيين السود وعينتهم فى المزيد من البلدان رغم أنهم كانوا لا يزالون يواجهون التمييز فى الداخل والخارج.
***
يمكن لأنتونى بلينكين، وزير الخارجية الحالى، تجنب أخطاء السنوات السبعين الماضية بالتعلم منها. فالدبلوماسيون الأمريكيون يتناوبون باستمرار، ويتم التعامل مع التنوع العرقى فى كثير من الأحيان على أنه عنصر على جدول أعمال طويل لابد من العمل على تنفيذه. ولمعالجة هذه المشكلة، يجب أن يعمل بلينكين مع الكونجرس على تمويل كبير مسئولى التنوع العرقى. أيضا يجب أن يقدم هذا المسئول تقاريره مباشرة إلى بلينكين وأن يُمنح ميزانية تشغيلية مخصصة وموظفين يركزون على تحقيق التنوع العرقى. ستقلل مثل هذه الخطوة من قدرة الآخرين على منع التغيير حتى عندما يكون التغيير مهددا للامتيازات المتصورة للموظفين البيض.

يجب على بلينكين وفريقه أيضا إعطاء الأولوية للشفافية لأن بيروقراطية وزارة الخارجية التى تمنع التغيير، لها قدرة على الاختباء وبالتالى تزدهر فى السر. وتتمثل إحدى الطرق لتشكيل سلوك أفضل بين الدبلوماسيين البيض، الذين إما يسيئون أو يسمحون بإساءة معاملة الدبلوماسيين السود فى أن تقوم الإدارة بإلغاء جميع اتفاقيات عدم الإفصاح التى تم التوصل إليها مع ضحايا التمييز العرقى، بحيث يُسمح للضحايا بالتحدث إلى الجمهور حول ما واجهوه. كذلك يجب على وزارة الخارجية أن تنظر فى نشر جميع التقييمات التى امتدت على مدى الـ70 عاما ــ داخليا وخارجيا ــ حول التنوع والتمييز العرقى فى مكان متاح للجمهور. مثل هذه الشفافية ستجعل من الصعب على البيروقراطية تجنب التغيير.
***
فى عام 1948، قال تشارلز جونسون، الأستاذ فى جامعة بلاك فيسك التاريخية: «العرق، باختصار، هو أكثر من مجرد قضية محلية. لقد أصبح المقياس الذى يتم فيه وزن الديمقراطية». ومن ثم يجب أن يكون هذا مقياسا لوزارة الخارجية أيضا.

باختصار، لا يمكن النظر إلى المساواة العرقية بأى حال من الأحوال على أنها تهديد للوظائف، ولا يمكن اعتبارها قضية ثانوية يتم التعامل معها من خلال فريق عمل أو لجنة لأنها جزء كبير من نسيج السياسة الخارجية للولايات المتحدة. وما تظهره الإخفاقات والنجاحات الماضية هو أن أولئك الذين يعملون بوزارة الخارجية الأمريكية فقط ــ وليس الكونجرس أو الرئيس أو المؤسسات الأخرى ــ هم من باستطاعتهم إنقاذ وزارة الخارجية من التمييز العرقى لكن إذا قرروا القيام بذلك.

إعداد: ياسمين عبداللطيف زرد
النص الأصلى

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved