تتوالى الأيام والضيف واحد

داليا شمس
داليا شمس

آخر تحديث: السبت 2 أبريل 2011 - 10:15 ص بتوقيت القاهرة

 الوضع فى ليبيا قد يستمر أياما أو شهورا، يصعب فى ظلها التكهن بمدى استمرارية التليفزيون الرسمى فى تغطيته الحالية، فقناة «الجماهيرية» ــ نسبة للجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى ــ والتى تبث إرسالها عبر العرب سات والهوت بيرد منذ العام 1997، تستضيف يوميا خلال فترة المساء والسهرة الضيف نفسه منذ قرابة شهر. تتبدل الأيام، وأحيانا يختلف المذيعون خاصة مع بداية الأحداث، والضيف واحد... أما الآن فيقدم برنامج «عشم الوطن» مذيع واحد يتكرر هو الآخر موجها حديثه إلى «الدكتور»...

ربما يكون المشهد معتادا بالنسبة للشعب الليبى إلا أنه يشكل لغزا للمشاهد العربى الذى قد يدفعه حب الاستطلاع إلى معرفة المزيد عما يقوله الإعلام الرسمى حول مجريات الأحداث، وبالأحرى عن الرجل اللغز الذى يكاد يقيم فى الاستديو.. مسبحة « اليسر» الطويلة دوما فى يده، ورابطة عنقه تتغير من يوم لآخر، مما قد يتناقض مع فكرة أنه محتجز فى مقر قناة «الجماهيرية» كما تردد على ألسنة البعض.. وأحيانا كثيرة يأتى مدججا بالأوراق والمستندات التى تؤيد وجهة نظره عندما يبدأ فى مهاجمة أحد المعارضين أو المنشقين على القذافى من «الأفاقين والعملاء والدجالين والمأجورين...» ــ كما يصفهم. ينعت الجامعة العربية بالجامعة «اللا عربية» أو «العبرية» مدينا موقفها من بلاده، أما عمرو موسى حدث ولا حرج! فمنذ أيام قليلة نبهه إلى أن لعنة ليبيا والليبيين أشد بأسا من لعنة الفراعنة، معلقا بذلك على حادث السيارة الذى تعرض له الأمين العام مؤخرا. وتختتم غالبا الحلقة بعد منتصف الليل بآيات قرآنية وأدعية يتلوها «الدكتور» ــ المحلل السياسى ذو اللحية الخفيفة ــ لحماية البلد ونصرته وللتذكير على سبيل المثال لا الحصر بما «فعل ربك بأصحاب الفيل».

ولا يوفر «الدكتور» طريقة من طرق البروباجندا إلا واتبعها، فتارة يلجأ للترهيب عندما يتوجه للشعب قائلا إنهم ليسوا ببعيدين عن سيناريو « النفط مقابل الغذاء» العراقى، وتارة أخرى يعتمد نظرية المؤامرة والتشويه مشيرا إلى «حقد الإمارات على ليبيا وحقد أولاد زايد الذين وضعوا جثة أبيهم فى الثلاجة لمدة 48 ساعة حتى اقتسام السلطة»، ثم يصوب سهامه نحو قطر «الدولة الحمصة» أو ساركوزى ... إلى ما غير ذلك. وبالطبع يتم التشديد على فكرة «القلة المندسة» (التى عرفناها أيضا فى مصر أيام الثورة وما تلاها) لكى تمهد الطريق لتقبل دعاية النظام، فعادة يحب الناس الانضمام لفريق الأغلبية المنتصرة ويرفضون الأقلية التى سيتم سحقها، فإذا ما تلاحقت الشهادات ــ حتى المفبرك منها ــ عبر الهاتف فى اتجاه معين يسهل إقناع المشاهدين أو المستمعين بما سيلى من آراء. جميعها وسائل تقليدية لطالما استخدمت من الأنظمة المختلفة للتلاعب بوجدان الشعوب، وقد تمت دارستها باستفاضة فى ظروف تاريخية متعددة.
ومع تكرار المشاهدة تتكشف لنا شخصية الضيف الدائم «للجماهيرية»، فهو الدكتور يوسف شاكير، باحث ومحلل سياسى ومعارض سابق، والصفة الأخيرة مهمة لأنها ستمنحه حق انتقاد المعارضة فى الخارج والتعرض للجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا التى كان عضوا فيها خلال الثمانينيات أى قبل توبته وعودته لصفوف القائد. وبالرجوع إلى شبكة الإنترنت نجد أن لدى الدكتور شاكير العديد من المتابعين، فالبعض يرى أنه يبين «كذب الإعلام المعادى»، أما الأغلبية فتحاول بيان ماضيه واستعراض مراحل حياته وتحولاته المختلفة من أقصى اليمين لأقصى اليسار، منذ ميلاده فى مدينة بنغازى عام 1952 ودراسته للعلوم السياسية بالقاهرة فى أوائل السبعينيات ثم انتقاله للولايات المتحدة الأمريكية، وأخيرا ما تردد حول تقدم 4 من إخوته إلى المحكمة للتبرؤ منه (حسب ما أعلنت الإذاعة المحلية لبنغازى)، هذا إضافة إلى بعض مقاطع الفيديو التى تتناول أجزاء مختلفة من «مسلسل شاكير» على قناة «الجماهيرية»، وقد ركب عليها بعض مستخدمى النت أصواتا لضحكات الجمهور على غرار برنامج الكاميرا الخفية. الانترنت ملىء بالتفاصيل حول «الدكتور»، لكن لا مجال لذكرها هنا إذ لم يتم التحقق منها وإن تكررت لدى عدة مصادر، وهى مادة خصبة لفيلم من النوع التشويقى «بالتوابل الحريفة» يدلى بالكثير والكثير عن علاقة المثقف بالحكم فى ظل النظم السلطوية، يذكرنا بأمثلة ونماذج شبيهة فى مصر أو اليمن أو سوريا، كل على اختلاف طبيعته وفى ظروف يكثر فيها الحديث عن المتحولين فى كل مكان ومجال.

متحولون تضيق بهم الصدور أكثر من أى وقت مضى، يتناسون أنه فى عصر التويتر والفيس بوك والويكيليكس والجزيرة وأخواتها تصبح رواياتهم مضحكة حتى فى أحلك الظروف وحتى فى بلد مثل ليبيا حيث لا مجال لأى إعلام خاص، فقد ظهرت قناة تليفزيونية خاصة وحيدة باسم «الليبية» عام 2007 بناء على مبادرة من سيف الإسلام القذافى، ولكن سرعان ما منعت فى 2009 وانتقل فريقها آنذاك للمملكة المتحدة، وظل الإعلام حكرا على نظام القذافى الذى فرض على المشاهد قناة الضيف الواحد، «الدكتور» الذى تحول بمرور الوقت لفتى الشاشة الأول. فمع الثورة المصرية اشتهر «الراجل اللى ورا عمر سليمان»، ومع الثورة الليبية ذاع صيت «الدكتور اللى على قناة الجماهيرية»، مع كل الاحترام «للراجل اللى ورا عمر سليمان».

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved