عقبات الأمن القومى العربى ومواجهتها

علي محمد فخرو
علي محمد فخرو

آخر تحديث: الخميس 2 أبريل 2015 - 11:25 ص بتوقيت القاهرة

قيس ابن عّمى عندنا، يا مرحبا يا مرحبا. قيسنا هذا هو الأمن القومى العربى، الذى غاب سنين طويلة وضاع فى الدّفاتر القديمة، لتخرجه أحداث اليوم الحالية المفجعة من تلك الدفاتر، بعد أن فشل فى تذكُّره وإخراجه ابتلاع نصف الضفة الغربية من قبل المستوطنين الصهاينة وتدمير ألوف المساكن فى غزّة على رءوس ساكنيها من قبل الآلة العسكرية الهمجية الصهيونية المجنونة. ومع ذلك فأن يصل قيس متأخرا أفضل من ألا يصل.

•••

ولكن، وبعيدا عن ثرثرة وحفلات الإعلام العربى الرسمى بشأن هذا الموضوع، دعنا نتفحص الأمر بلا انحيازات ولا أحكام مسبقة.

أولًا: إن أصل الإحساس الجاد بأهمية الأمن القومى العربى تمثل فى إقرار الجامعة العربية عام 1950 لما سمى «معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادى» والذى نص فى شقّه الأمنى على أن أى اعتداء يقع على أية دولة عربية يعتبر اعتداء على كل البلاد الموقعة على المعاهدة.

لكن تلك المعاهدة لم تفعّل قط: لا إبان العدوان الثلاثى على مصر عام 1956، ولا على العدوان الصهيونى على مصر وسوريا عام 1967، ولا إبّان حرب رمضان الشهيرة عام 1973، ولا بشأن الغزو العراقى للكويت عام 1990، ولا على الاعتداءات الصهيونية المتكررة على لبنان، ولا على استباحة العراق من قبل أمريكا، وحلفائها عام 2003، ولا على الحروب والاستباحات الصهيونية البربرية المتكررة على غزة والضفة الغربية. إن الأمثلة الأخرى كثيرة. وإنه تاريخ أسود لمشروع أمنى قومى ولد ميتا.

ثانيا: إن الأسباب التى حنطت تلك المعاهدة وأماتت ما عرف «بميثاق الضمان الجماعى» العربى كثيرة، من بين أهمّها: أولا المماحكات السياسية والأيديولوجية والقبلية والمذهبية التى عصفت بالعلاقات بين أنظمة الحكم العربية عبر الستين سنة الماضية، وثانيا إعطاء الأولوية للمصلحة الوطنية القطرية على المصلحة القومية المشتركة مع اعتبار مصلحة نظام الحكم، فى الخفاء وفى الواقع، على أنه مساو بالتمام والكمال للمصلحة الوطنية، وثالثا الصعود المستمر والمعقد، الظاهر والخفى، لظاهرة التبعية السياسية والاقتصادية والأمنية لقوى خارجية، وبالتالى فقدان الاستقلال فى اتخاذ القرار بل وفرض التناغم إن لم يكن التماثل، بين مصلحة الخارج ومصلحة الداخل.

فى قلب تلك الأسباب جميعا يكمن الغياب الشبه كامل لقوى مجتمع مدنى فاعلة ومعبٍّرة عن مصالح غالبية المواطنين. فسلطة الدولة العربية، إبّان مسيرة ما بعد الاستقلال الوطنى، قد ابتلعت فى جوفها مجتمعاتها وجعلتها عاجزة عن الممارسة السياسية الديموقراطية وبالتالى المساهمة فى اتخاذ القرارات الكبرى من مثل الانخراط بحيويّة فى مواضيع الأمن القومى العربى.

فاذا أضيف إلى ذلك عجز مؤسسة القمم العربية فى اتخاذ القرارات الضرورية بالنسبة للكثير من الموضوعات العربية المشتركة، وأضيف إلى ذلك التراجع المستمر فى قدرات جامعة الدول العربية وفاعليتها فى ميادين السياسة والاقتصاد والأمن، وفشل كل محاولات إصلاحها مرارا وتكرارا، مّما جعلها شكلا بلا مضمون وأحيانا أقحمها فى صراعات محلية وجعل منها أداة فى يد هذه الدولة أو تلك، فإن العجز المشترك يضاف إلى العجز الفردى ليصبح المشهد كارثيا.

ثالثا: هنا يحق لنا أن نطرح السؤال التالى: هل جرى تحسن فى أى من تلك الأوضاع والممارسات الخاطئة والمؤسسات العاجزة أم أنها ازدادت سوءا وعجزا؟ بل لقد دخلت أخطاء جديدة تمثلت فى الصعود المأساوى لقوى الجهاد التكفيرى الممارسة لأبشع أنواع البربرية وتمثلت فى انهيار العديد من الأقطار العربية الرئيسية المهدّدة بمزيد من التجزئة والصّراعات العبثية بين مكوّناتها، وما يجرى فى سورية وليبيا واليمن والعراق ماثل إمامنا.

إن الجواب بالطبع واضح أمامنا فى شكل دخول أمة العرب فى محنة كارثية لم تعرف مثلها طيلة تاريخها كله.

ليس الهدف هو بثّ اليأس من إمكانية النّجاح فى تكوين الأداة العسكرية المتواضعة، قوة التدخل العربية، فى طريق بناء الأمن القومى العربى. الهدف هو التنبيه إلى عدم الاستخفاف بالعقبات، وهى عقبات تاريخية مازالت متجذّرة فى الحاضر.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الخوف هو أن تعكس تلك العقبات نفسها عندما تبدأ اللّجان فى تعريف الأمن القومى وأهدافه وأشكال آلياته ومدى خضوعه أو تخطّيه لشعار السيادة الوطنية، شعار كل الأنظمة العربية المقدّس الذى ساهم فى إضعاف كل مؤسسة عربية مشتركة، من مثل الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجى وأجهزة الاتحاد المغاربى. وهذه النقطة الأخيرة ستحتاج أن تبحث بعمق كجزء لا يتجزأ من موضوع الأمن القومى، إذ سيكتشف بأن موضوع السيادة الوطنية المتزمتة المبالغ فى الحرص عليها هو وراء الفشل فى حقول كل أنواع الأمن القومى: الاقتصادى والغذائى والمائى والثقافى والسياسى.

•••

ما ستحتاج إليه الحياة العربية المضطربة البائسة الحالية هو فكر سياسى جديد يعدل طبيعة العلاقات ويغير الأولويات. فإذا كان القادة العرب الذين اجتمعوا فى شرم الشيخ جادين فى أمر الأمن القومى الشامل فليعقدوا الجلسات، وليستعينوا بأصحاب البصيرة والحكمة، للاتفاق على الأقل على وضع الخطوط العامة لذلك الفكر.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved