واشنطن تعود إلى شرق أوسط يحكمه نظام جديد

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: الجمعة 2 أبريل 2021 - 9:05 م بتوقيت القاهرة

نشر مركزInternational Institute for Strategic Studies مقالا للكاتب John Raine يعرض فيه الاستقطاب الموجود فى الشرق الأسط وما إذا ستقبل الولايات المتحدة النظام الجديد أم ستحاول تغييره.. نعرض منه ما يلى. 

تأكيدات الرئيس الأمريكى جو بايدن أن الولايات المتحدة عادت كلاعب أمنى عالمى جاء فى وقت مناسب للشرق الأوسط. فالحركات الراديكالية والصراعات والتدخلات الخارجية بالمنطقة تبين افتقاد المنطقة إلى بنية أمنية إقليمية فعالة. ومن المأمول أن تساعد الولايات المتحدة فى تشكيل منظمات أمنية متعددة الأطراف وأن تتبنى نشاطا فعالا لسد هذه الفجوة. إلا أن فى سنوات غياب الولايات المتحدة فى عهد ترامب، تغيرت ديناميكيات أمن الخليج.

شهدت دول الإقليم الحليفة للولايات المتحدة وأوروبا، فى السنوات الخمس الماضية، سلسلة من التطورات غيرت الطبيعة الدفاعية على مستوى الدول وعلى مستوى الإقليم. عملت دول الخليج على تنويع شراكاتها الدفاعية، وجذبت الاستثمارات والتكنولوجيا من موردين غير أمريكيين، وغيرت الإمارات والسعودية من موقفهما الدفاعى وأظهرا استعدادهما للتدخل فى نزاعات خارج أراضيهما. إلى جانب ذلك، حدث استقطاب جيوسياسى فى الشرق الأوسط بعد الحرب فى سوريا، قسم المنطقة بين كتلتين؛ الأولى برئاسة إيران وتركيا، والثانية برئاسة السعودية والإمارات ومصر.. جلب ذلك إلى المنطقة نظاما أمنيا قائما على تلك الكتل، وحقق شكلا من أشكال الاستقرار. 

قد يعد أهم تطور هو دخول إسرائيل كلاعب فى استراتيجية الدفاع والأمن الخليجى. وعلى خلاف اتفاقيات السلام مع مصر والأردن، فإن اتفاقيات إبراهام توفر شراكة ديناميكية خاصة مع الإمارات التى تمتلك اقتصادا ضخما.. بين الإمارات وإسرائيل صلات عميقة تتراوح بين تحقيق الأولويات الأمنية فى مواجهة إيران والتطرف، إلى الحاجة المشتركة فى تنويع إمداداتهما الدفاعية مع الإبقاء على الترابط الوثيق مع الولايات المتحدة. مصر والمملكة العربية السعودية والبحرين أقل توافقًا، لكنهم جزء من الكتلة الجيوسياسية، وحين تسمح سياساتهم، فسيستفيدون من الشراكات والتكامل مع إسرائيل. 

تشكل الكتلة التى تقودها الإمارات والسعودية تحالفًا مهيمنًا يتمتع بموارد جيدة يجمعهم مصالح وتهديدات مشتركة. لا يتحدث أعضاؤها عن الاستقلال الاستراتيجى عن الولايات المتحدة، لكنهم لم يعودوا يتطلعون إلى القيادة الأمريكية أو أجندتها الأمنية. لم يكن الإرث الإقليمى لسنوات أوباما، الذى أعاد إحياءه بايدن، مجرد عدم ثقة فى استعداد الولايات المتحدة لدعمهم، بل البحث عن بديل «أمريكى خفيف» يوفر صنع القرار والقيادة والقدرات الرئيسية.

هذا لا يعنى استبدال الولايات المتحدة بقوة كبرى أخرى من خارج المنطقة. روسيا حتى الآن لا تعد خيارا استراتيجيا، لأنها فى الوقت الحالى تنتمى إلى المعسكر المعارض الذى يضم إيران وتركيا وسوريا، والعلاقات الدفاعية مع الصين إذا قورنت مع مثيلتها بالولايات المتحدة فهى لا تذكر. عنى ذلك بالأحرى البحث عن بديل إقليمى يمكن الوثوق به ويتعرض لنفس التهديدات. 

السبب الثانى فى البحث عن بديل إقليمى هو فشل القوى الخارجية فى الاستجابة إلى التهديدين اللذين واجها المنطقة؛ الحركات الراديكالية والتوسع الإيرانى على خلاف القوة التى أظهرتها الإمارات والسعودية من اليمن إلى ليبيا والتى تماسكت بفعل هذين التهديدين. على سبيل المثال جاءت الاستجابة من خارج الإقليم للتهديد الإيرانى بإبرام الاتفاق النووى، ولكن الاتفاق لم يعالج تهديد امتلاك إيران للأسلحة النووية أو حتى توسع نفوذها فى الدول المجاورة. ولكن على الصعيد الآخر، دفع هذان التهديدان الفواعل الإقليميين للتعاون.

البحث عن خيار خفيف للولايات المتحدة ينبع أيضا من الحاجة إلى وجود استجابة سريعة. فالدروس التى استخلصتها الفواعل الإقليمية من الحرب فى سوريا وانتشار تنظيم داعش والنفوذ الإيرانى هو الحاجة إلى عمل حاسم ووقائى. فالقيود المفروضة على التدخل العسكرى الأمريكى، والتى ظهرت بوضوح فى الحرب فى سوريا وانسحابها من العراق، شكلت بالنسبة للكثيرين نهاية عقيدة أمريكية طويلة الأمد، وهى الاستعداد للتدخل على نطاق واسع لتعديل ميزان القوى لصالح الولايات المتحدة وحلفائها. من يمتلك القدرة والاستعداد والحرية فى التصرف إذا لزم الأمر هو من تذهب إليه الحاجة، حتى لو كانت إمكاناته صغيرة مقارنة بالولايات المتحدة. 

حاولت الإدارات الأمريكية المتعاقبة تحديد دور الولايات المتحدة كضامن للأمن، وضم المعتقد التقليدى مزيجا من بناء القدرات والحرب عن بعد، ولكن هذا النهج اعتبره البعض يمكن الخصوم من الإفلات من العقاب، مثلما الحال مع تمدد النفوذ الإيرانى فى العراق واليمن أو نفوذ حزب الله فى لبنان وسوريا، وبدلا من ضمان الأمن، أصبح هذا النهج يضعفه. 

حاولت تركيا وروسيا تقديم نفسهما كنموذج بديل، ولكنهم افتقدوا إلى الخبرة التى تمتلكها الولايات المتحدة فى خلق أحلاف مستدامة.. احتفظت الولايات المتحدة بمركزها كمورد دفاعى استراتيجى مفضل، تساعد على بناء القدرات والتدريب ونقل الخبرة. وحقيقة أن إسرائيل والإمارات والبحرين جميعهم يعملون بأنظمة السلاح الأمريكى تزيل الاعتراضات المحلية على المشتريات المستقبلية. 

لكن الخطر يكمن فى أن الإمدادات الأمريكية غير مضمونة إذا قرر الشركاء الخليجيون التصرف دون دعم الولايات المتحدة. رفض الرئيس بايدن دعم العمل العسكرى السعودى فى اليمن هو مصدر قلق حقيقى، وبالتالى الاتفاق على معايير محددة مع الولايات المتحدة سيكون أمرا ضروريا لدول الخليج، وربما تستطيع إسرائيل تقديم المشورة والنصيحة. 

وبالتالى، فإن ما ظهر فى الشرق الأوسط هو توازن استراتيجى متوتر ولكنه مستقر بين كتلتين ورؤيتين مختلفتين للشرق الأوسط. الأمر متروك لإدارة بايدن لتحديد ما إذا كانت ترغب فى المحاولة لإنشاء بنية أمنية مستقرة، سواء مع حلفائها فقط أو مع غيرهم. 

هناك استقطاب بالشرق الأوسط، تتمتع فيه كل كتلة بقدرات كبيرة. قد يؤدى هذا إلى نوع من الاستقرار الاستراتيجى، ولكن من دون مشاركة أمريكية نشطة فى تصميمها وإدارتها، فمن المرجح ألا يستمر أو يستقر أو أن يحقق مصالح الولايات المتحدة. 

تحرص إسرائيل على عدم التحدث عن معاهدات دفاعية مع شركائها الخليجيين الجدد. تحدث وزير الدفاع بينى غانتس بدلا من ذلك عن «الترتيبات الأمنية». إذا اختارت إدارة بايدن الحل الإقليمى، سيكون عليها أن تقبل نسخة جديدة ومعدلة من دورها كضامن للأمن مع فقدان بعضا من نفوذها. سيكون عليها قبول شكل البناء الجديد والذى لن يعمل على دعم القيم العالمية. 

إعداد: ابتهال أحمد عبدالغنى

النص الأصلي

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved