كسر التعنت الإثيوبى!

خالد سيد أحمد
خالد سيد أحمد

آخر تحديث: الجمعة 2 أبريل 2021 - 8:45 م بتوقيت القاهرة

استدعاء الخطاب السياسى المصرى الرسمى، لغة القوة والتهديد بالاحتكام إلى السلاح، للحفاظ على حقوقنا فى مياه النيل، يمثل تحولا مهما طال انتظاره شعبيا، لحماية حقوقنا فى مياه النيل، وكسر التصلب والصلف والتعنت الإثيوبى فى مفاوضات سد النهضة على مدى عشر سنوات.

كثيرون كانوا يأخذون على السلطة فى مصر، ذلك «الصبر العظيم» فى هذه المفاوضات العقيمة التى لم تتمكن من كبح أوهام أديس أبابا فى الاستفراد بمياه النيل، أو تغيير نهجها القائم على المراوغة والمماطلة والتسويف المتواصل بهدف كسب الوقت، حتى تنتهى من إكمال عملية البناء والملء لسد النهضة، وبالتالى يصعب على القاهرة والخرطوم التحرك عسكريا ضده، لأنه سيتحول إلى ما يطلق يطلق عليه البعض «قنبلة مائية»، ستصيب شظاياها العنيفة المدمرة ــ حال انفجارها ــ دولتى المصب بجروح لا تندمل.

المنتقدون لموقف السلطة انقسموا إلى فريقين.. الأول يقف على أرضية وطنية صلبة، ولديه قلق مشروع على مستقبل شريان الحياة التاريخى والأبدى للمصريين، والثانى من المزايدين الذين يعيشون بيننا جسدا، لكن روحهم وولاءهم لجماعات لا يهمها مصير هذا الوطن، وإنما المتاجرة بأزماته لكسب نقاط تافهة فى صراعها المستمر مع النظام القائم، وكأن العطش إذا ضرب هذه البلاد، سيفرق بين مؤيد ومعارض.. محب وكاره.

هذان الفريقان غاب عنهما للأسف حقيقة مهمة، وهى أن لكل أزمة مفاتيح تفاوض عديدة، يجب استخدامها واحدا تلو الآخر فى الوقت المناسب، وحال وصل الأمر إلى طريق مسدود، يصبح اللجوء إلى العمل العسكرى الخيار الأخير، لكسر جمود الأزمة والحفاظ على حقوق الشعوب ووجودها.

فى الماضى القريب، وعندما شعرت الدولة المصرية بأن أمنها القومى معرض للخطر الشديد من الجهة الغربية، وبعد استنفادها جميع الجهود الدبلوماسية، وضعت «خطوطها الحمراء»، فانفرجت الأزمة فى ليبيا على الفور، وابتعدت الأطراف الإقليمية عن التدخل، لإدراكها أن هناك مخاطر عالية لهذا النهج.

من على ضفاف قناة السويس، جددت مصر خطوطها الحمراء، ولكن هذه المرة فى الاتجاه الجنوبى حيث منابع النيل، إذ قال الرئيس السيسى بلغة واضحة وحاسمة: «محدش هيقدر ياخد نقطة مياه من مصر، وإلا سيكون هناك حالة من عدم الاستقرار فى المنطقة لا يتخيلها أحد، ولا أحد يتصور أنه بعيد عن قدرتنا».

ما الذى دفع مصر إلى استدعاء لغة القوة للمرة الأولى فى أزمة سد النهضة؟ هناك أسباب كثيرة، يأتى فى مقدمتها، الاستغلال الأمثل للحظة، حيث ارتفاع الروح المعنوية للشعب المصرى، بعدما تمكن أبناؤه من إقالة عثرة السفينة الجانحة فى قناة السويس، وإعادة تعويمها مرة أخرى فى واحدة من أهم عمليات الإنقاذ البحرى التى حدثت فى التاريخ.

أهمية اللحظة والحدث لا ينفصلان عن عبقرية المكان، الذى يمثل للمصريين رمزا للكبرياء والاستقلال الوطنى.. وللعالم الرئة التى يتنفس منها، والتى إذا أصابها مكروه أو عائق فإنه يتعرض للاختناق البطىء، وبالتالى فإن الرسالة التى وصلت للجميع، تتمثل فى أن مصر لن تسمح لأحد بتعريض وجودها للخطر، وأن بيدها أوراقا كثيرة تستطيع استخدامها لحماية حقوقها.

«نحن لسنا دعاة حرب، ولكن إذا فرضت علينا سنجعلها مثل صلاة العصر.. لا سنة بعدها ولا وتر».. هذا التعليق من بين ملايين التعليقات التى تردد صداها على صفحات التواصل الاجتماعى، ترحيبا بالتغير فى لغة الخطاب الرسمى تجاه إثيوبيا، وهو بالفعل ترجمة حقيقية لتصريحات الرئيس، الذى لا يزال يأمل فى حل الأزمة سلميا، لكن إذا واصلت أديس أبابا تعنتها، وأصرت على الذهاب إلى الملء الثانى للسد المقرر فى يوليو المقبل، حتى ولو لم تتوصل إلى اتفاق قانونى وملزم مع دولتى المصب، فإن التحرك عسكريا من جانب مصر سيكون دفاعا مشروعا عن النفس.. فمياه النيل «خط أحمر» لنا، ويخطئ كثيرا من يحاول تجاوزه تحت أى ظرف. 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved