ميناء أمريكي في غزة للمساعدات وغيرها
رخا أحمد حسن
آخر تحديث:
الثلاثاء 2 أبريل 2024 - 7:30 م
بتوقيت القاهرة
عرض الرئيس القبرصى أثناء حضوره مؤتمر باريس الدولى لتوفير الدعم الإنسانى لغزة فى 9 نوفمبر 2023 ملفا كاملا وزعه على الحاضرين فى المؤتمر، عن إقامة خط ملاحى بحرى بين لارنكا فى قبرص وشواطئ غزة، موضحا أن بالإمكان تنفيذه لضمان سرعة وكفاية المساعدات الإنسانية إلى الفلسطينيين فى قطاع غزة، ويتطلب التنفيذ شروطا معينة يلزم توفرها، أهمها الغطاء السياسى بموافقة كل من إسرائيل والفلسطينيين، وإقامة البنى الضرورية خاصة بناء مرفأ لرسو البواخر وإفراغ حمولتها، وترتيبات توزيع المساعدات الإنسانية فى قطاع غزة. وقد أيده رئيس وزراء اليونان مرحبا بالاقتراح، وأبدى الاستعداد لتوفير سفن يونانية لنقل المساعدات الإنسانية إلى غزة.
ورغم ترحيب عدة أطراف فى المؤتمر بالمقترح القبرصى، إلا أنه لم يلقَ أى اهتمام لبحثه وتنفيذه وقتئذ.
وأثناء إلقاء الرئيس الأمريكى بايدن خطاب الاتحاد أمام الكونجرس الأمريكى مساء 7 مارس 2024 قال إنه سيوجه الجيش الأمريكى بقيادة مهمة طارئة بإنشاء رصيف بحرى مؤقت فى البحر المتوسط قبالة ساحل قطاع غزة، لاستقبال سفن كبيرة محملة بالغذاء والماء والدواء والملاجئ (الخيام) المؤقتة، وأن هذا الرصيف البحرى المؤقت سيتيح زيادة كبيرة فى كميات المساعدات الإنسانية التى تصل إلى غزة كل يوم، وهذا لا يعنى نشر جنود أمريكيين على الأرض فى غزة.
وقد أوضح متحدث باسم البنتاجون الأمريكى أن إقامة رصيف بحرى عائم لتوصيل المساعدات إلى قطاع غزة قد يستغرق ما بين شهر إلى شهرين إلى أن يكون جاهزا للتشغيل الكامل، وأن عملية إنشائه تحتاج إلى نحو ألف جندى أمريكى. هذا وسيتم ربط الرصيف العائم بشاطئ غزة بكوبرى لتفريغ الشحنات تباعا.
وأثيرت عدة آراء لخبراء عسكريين غربيين وغيرهم حول الميناء الأمريكى المؤقت فى غزة، حيث يرى البعض أن القاعدة الأمريكية فى سردينيا بإيطاليا قادرة على عمل إنزال شحنات سفن المساعدات دون حاجة إلى هذا الميناء المؤقت. كما أن الأوضاع الإنسانية المأساوية فى قطاع غزة لا تحتمل الانتظار طوال مدة إنشاء الميناء المؤقت، وأنه كان الأحرى بالولايات المتحدة الأمريكية أن تضغط على إسرائيل لوقف القتال سواء بهدنة مؤقتة أو وقفا كاملا، والكف عن عرقلة دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة من كل المعابر البرية، وذلك بدلا من التكلفة العالية والوقت اللازم لإقامة ميناء بحرى مؤقت.
وقد أوضح البيت الأبيض الأمريكى أن إدارة بايدن ستواصل العمل لزيادة المساعدات الإنسانية عبر المعابر الحدودية فى رفح وكرم أبو سالم، وأنها طلبت من الحكومة الإسرائيلية تجهيز معبر برى جديد يؤدى مباشرة إلى شمال غزة يسمح بتدفق المساعدات مباشرة. ومن مزايا الميناء البحرى المؤقت توفير القدرة على استيعاب مئات الحمولات الإضافية من المساعدات من ميناء لارنكا القبرصى إلى قطاع غزة، كما أنه يتيح للمسئولين الإسرائيليين تفتيش وفحص المساعدات المتجهة إلى غزة، وأن واشنطن ستعجل بإقامة تحالف من الدول التى ستسهم فى توفير المساعدات والسفن لنقلها. واستجابة لذلك، صدر إعلان عن المفوضية الأوروبية، وألمانيا، واليونان، وإيطاليا، وهولندا، وقبرص، والإمارات العربية المتحدة، وقطر، أعربوا فيه عن عزمهم فتح ممر بحرى لتوصيل المساعدات الإنسانية بكميات كبيرة إلى قطاع غزة. كما أبدت الإمارات العربية استعدادها للمساهمة فى إقامة الرصيف الأمريكى العائم قبالة سواحل غزة.
وبالتوازى مع تنفيذ إقامة ميناء بحرى أمريكى مؤقت، تم بحث إقامة محطة لاستقبال المساعدات الموجهة إلى قطاع غزة فى ميناء لارنكا فى قبرص بتمويل من الإمارات العربية وبإشراف إسرائيلى، حيث زار أبو ظبى عدة مرات فى فترة قصيرة اللواء غسان عليان رئيس الإدارة المدنية فى الجيش الإسرائيلى ومنسق أعمال الحكومة الإسرائيلية فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، ويعد المسئول الأول عن إدخال المساعدات إلى قطاع غزة، ومعه اللواء آفى جيل، السكرتير العسكرى لرئيس وزراء إسرائيل، وذلك من أجل التنسيق مع الإمارات العربية بشأن محطة استقبال المساعدات فى قبرص، وهى مكملة وتخدم على الميناء الأمريكى المؤقت فى غزة حيث يبعد ميناء لارنكا نحو 380 كيلومترا عن شواطئ غزة وتستغرق رحلات السفن بينهما ما بين 10ــ15 ساعة وتكون تحت حراسة ومراقبة طوال الرحلة ضمانا لعدم تحميل مواد تحظرها إسرائيل.
• • •
ومن بين التساؤلات حول الميناء الأمريكى العائم المؤقت، لماذا لم تتجه الولايات المتحدة الأمريكية إلى بناء ميناء دائم يخدم قطاع غزة ليس فقط أثناء الأزمة الإنسانية الحالية وتبعاتها وإنما أيضا فى عملية إعادة الإعمار بعد وقف كامل للقتال، ويكون الميناء إسهاما عمليا ومصدقا لحديث واشنطن عن حل الدولتين والتفكير فى الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وقد كان إنشاء ميناء بحرى فى قطاع غزة أملا كبيرا لسكان القطاع لما سيكون له من تأثير اقتصادى كبير، ولكن حال دون ذلك الصراع الإسرائيلى الفلسطينى، والحصار الخانق الذى تفرضه إسرائيل على قطاع غزة منذ أن رحلت قواتها العسكرية منه عام 2005، ويحتاج القطاع الأكثر كثافة سكانية فى العالم إلى تنمية شاملة فى كل المجالات، ولا شك أن إقامة ميناء بحرى دائم يمثل رابطا تجاريا واقتصاديا بين قطاع غزة والعالم الخارجى، وهذا ما ترفضه إسرائيل مخالفة لكل القوانين الدولية.
وكان مفترضا وفقا لاتفاق أوسلو للسلام بين إسرائيل والفلسطينيين عام 1993، واتفاق شرم الشيخ لعام 1999، إقامة ميناء بحرى وميناء جوى فى قطاع غزة، وفى منتصف عام 2000 بدأت السلطة الفلسطينية فى بناء ميناء بحرى صغير وسط مدينة غزة بتمويل أوروبى، ولكن قصفته ودمرته إسرائيل أثناء انتفاضة الأقصى الفلسطينية أواخر عام 2000، أى بعد نحو ثلاثة أشهر من بدء بنائه. وقد استأنفت السلطة الفلسطينية بناء الميناء بعد انسحاب قوات إسرائيل من غزة عام 2005 وتوقيع اتفاقية المعابر البرية إلى غزة والتى تنص على عدم تدمير إسرائيل الميناء مرة أخرى. وقد توقف العمل فى الميناء عقب فوز حماس فى الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006، ونشوب الخلافات بينها وبين السلطة الفلسطينية، والتى أسفرت عن تفرد حماس بالسيطرة على قطاع غزة فى عام 2007 والذى أعقبه إحكام الحصار الإسرائيلى على قطاع غزة.
وقد طالبت حماس فى عام 2014 بإقامة الميناء البحرى ورفضت إسرائيل لإبقاء القطاع معتمدا على الموانئ البحرية الإسرائيلية إلى جانب تمسك إسرائيل بسيطرتها على الاعتبارات الأمنية. وسبق أن طرح رئيس الموساد الإسرائيلى الأسبق مائير داجان فكرة إقامة جزيرة صناعية قبالة سواحل غزة يقام فيها ميناء بحرى ومطار، كما تبنى نفس الفكرة بعد ذلك وزير النقل الإسرائيلى يسرائيل كاتس، وهو حاليا وزير الخارجية فى حكومة نتنياهو. إلا أن الفكرة ظلت معلقة إلى أن جاءت الآن فكرة الميناء الأمريكى العائم المؤقت، فلا هو جزيرة ولا هو ميناء دائم.
وقد أثيرت تساؤلات من عدة أطراف فلسطينية وغيرها عما إذا كان الهدف من إقامة هذا الميناء الأمريكى المؤقت هو إغلاق معبر رفح المصرى أمام الشاحنات التى تحمل المساعدات لقطاع غزة وقصره كما كان من قبل على دخول وخروج الأفراد إلى ومن قطاع غزة. ويرى البعض أن إقامة هذا الميناء المؤقت هو بمثابة تمهيد لعملية عسكرية لاجتياح رفح.
وقد عهدت واشطن إلى شركة أمنية أمريكية مقرها فى لندن بتولى تسليم المساعدات الإنسانية عبر الممر البحرى بين قبرص والميناء الأمريكى العائم المؤقت، والاضطلاع بدور مهم فى العمل على تأمين السفن والتنسيق مع الحكومة الإسرائيلية، والأمم المتحدة، وقطاعات من سكان غزة على الأرض. ومن أهم عوامل نجاح المشروع عملية التمويل سواء للمساعدات أو نقلها، أو التغلب على صعوبات غياب سلطة مركزية فى قطاع غزة ومدى إمكانية قبول إسرائيل أن تقوم الأمم المتحدة، خاصة الأونروا، بدور فعال فى توزيع المساعدات فى كل أنحاء قطاع غزة بما لديها من إمكانيات كبيرة للقيام بذلك، أم أن إسرائيل ستصر على أن يكون توزيع المساعدات عن طريق مجموعات فلسطينية تختارها قوات الاحتلال.
ولا شك أن الميناء البحرى الأمريكى المؤقت سيكون عند بدء تشغيله عاملا مهما فى توصيل كميات كبيرة من المساعدات الإنسانية التى يحتاجها سكان قطاع غزة لمواجهة الكارثة الإنسانية التى يعيشونها، ولكنه لن يغنى عن استمرار إدخال المساعدات عبر كل المعابر إلى قطاع غزة سواء على المدى القصير أو خلال مرحلة إعادة بناء ما لحق بالقطاع من دمار شامل متعمد وغير مسبوق، وهذا يتطلب مزيدا من الضغوط على إسرائيل.
• • •
ولكن ثمة أمورا تثير القلق، منها أن الميناء الأمريكى المؤقت يزيد من سيطرة إسرائيل على تنسيق وتوزيع المساعدات، كما أن هذا الميناء الأمريكى لا توجد مدة محددة لتشغيله وإذا ما استمر لما بعد وقف كامل للقتال فى قطاع غزة مع حالة الدمار والخراب التى أحدثتها قوات الاحتلال الإسرائيلى الغاشمة، فقد لا تجد أعدادا لا يستهان بها من سكان قطاع غزة مجالا للعمل والحياة الإنسانية، وهو ما قد يدفعهم للخروج من غزة عبر هذا الميناء الأمريكى المؤقت، كما أنه قد يستمر لأجل غير مسمى لمراقبة شواطئ قطاع غزة بالتعاون الكامل مع إسرائيل لتحقيق هدفها فى الحيلولة دون عودة المقاومة الفلسطينية فى القطاع إلى ما كانت عليه قبل «طوفان الأقصى» فى 7 أكتوبر 2023. هذا إلى جانب احتمالات الكشف عن الغاز الطبيعى واستخراجه من المنطقة الاقتصادية البحرية التابعة لقطاع غزة والأطماع الإسرائيلية فيها.