بابا مختلف لمرحلة مختلفة

إكرام لمعي
إكرام لمعي

آخر تحديث: الخميس 3 مايو 2012 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

عندما نتحدث عن مرحلة زمنية معينة فنحن نعنى بداية ونهاية تاريخية محددة لهذه المرحلة الزمنية وبين البداية والنهاية هناك ملامح واضحة للمرحلة تجعلها مختلفة عن المرحلة السابقة لها وبالطبع التالية ويطلق على ملامح هذه المرحلة مصطلح «طبيعة المرحلة»، ومع هذا المصطلح نجد مصطلحا آخر مواكبا له هو «رجل أو رجال المرحلة» وهناك مرحلة بدأت بموت ناصر ووصول السادات لسدة الحكم التى استمرت حتى 25 يناير 2011 بسقوط مبارك، هذه المرحلة كان لها رجالها، ومن أهم رجال هذه المرحلة الذين أدركوا ملامحها وأبعادها وتعاملوا معها بفهم وذكاء وقدرة ضخمة على استخدام السياسة بجوار الروحانية بقدرة ثقافية عالية وقبول اجتماعى كان البابا شنودة، ومع ثورة 25 يناير بدأت مرحلة جديدة مختلفة تماما، لذلك ليس من المنطقى أو المجدى أو الصالح أن نتطلع لشخص يقود الكنيسة باسلوب وطريقة وشخصية البابا شنودة، فالمرحلة التى بدأت هى مرحلة إرساء الديمقراطية وحقوق الإنسان فهى مرحلة يختلف فيها دور الكنيسة ودور قياداتها فمن هو البابا المختلف الذى تحتاجه مصر لهذه المرحلة المختلفة؟

 

 

أولا: تحتاج مصر لبابا يركز على الحوار أكثر من الطاعة

 

 

من التعبيرات التقليدية فى الكنيسة «ابن الطاعة تحل عليه البركة» وعلى هذا الأساس كان القادة الدينيون لا يهتمون كثيرا بالحوار بهدف إقناع الآخرين، بل كان الحوار معهم يعتبرونه نوعا من عدم الاحترام لآرائهم، ثم إن إلباس القداسة لرجل الدين يجعل معارضته معارضة لفكر الله ذاته، من هنا رفع قيمة الطاعة فى الكنيسة لتصبح أعلى القيم لذلك وقعت المحاكم الكنسية فى المرحلة السابقة وكان نجم المرحلة الأنبا بيشوى المسئول عن محاكمات الكهنة، وأيضا كانت مرحلة إعلان العقوبة علنا على من لا يطيع كما حدث فى أمر زيارة القدس.. إلخ، ولكن بعد 25 يناير وقبل رحيل البابا اختلف الحال، فقد خرج أبناء الكنيسة إلى الشارع وشاركوا فى الثورة وعندما طلب البابا منهم أن يتراجعوا فى ماسبيرو رفضوا مع كل الاحترام له، لقد وقف الشباب القبطى على أرض مصرية وطالبوا بمطالب مصرية وليست طائفية أو كنسية وخرجوا دون استئذان، وكان هذا غريبا على المرحلة السابقة، فكان الحوار مستحيلا، لذلك ما تحتاجه الكنيسة هو بابا قادر على الحوار، على كل المستويات، أى يتحاور مع الأساقفة والقساوسة والشباب والنساء والأطفال، قادر على الفهم والتفهم أى يحاول أن يتفهم مواقف الآخرين.

 

 

ثانيا: تحتاج مصر لبابا قادر على الإبداع أكثر من حفاظه على التراث

 

 

كان من أهم سمات الباباوات هو الحفاظ على التراث الكنسى، وكلما كان القريبون من البابا يتحدثون معه عن تغيير بعض التقاليد أو اللوائح أو خلافه كانت له كلمه مشهورة «أريد أن أسلم الكنيسة للذى يأتى بعدى كما هى دون تغيير»، بعد 25 يناير والإبداع الجماعى الذى تم فى ميدان التحرير وانصهار المسيحى مع المسلم الرجل مع المرأة، الغنى مع الفقير، الجاهل مع المتعلم، تحتاج مصر لبابا مبدع قادر على استيعاب هذا الإبداع، يتواكب معه ويكون أكثر إبداعا سواء فى داخل الكنيسة أو خارجها، إنه يحتاج إلى حلول إبداعية غير تقليدية مع شباب الكنيسة، مع مشكلة العلمانيين، حلول إبداعية للائحة عام 1938 للطلاق والزواج، تحتاج مصر إلى بابا يفكر خارج الصندوق

 

 

ثالثا: تحتاج مصر إلى بابا يركز على الوطن أكثر من تركيزه على الكنيسة

 

 

كان البابا شنودة رجلا وطنيا لا غبار عليه، له مواقفه الواضحة والمحددة، وكان يتخذ مواقفه من منطلقات كنسية بحتة فقد كان واضحا أمامه الحدود بين ما هو كنسى وما هو وطنى، وبين ما هو طائفى وما هو مذهبى، فالدائرة الأضيق الأرثوذكسية والأوسع المسيحية بكل طوائفها، والأكثر اتساعا مصر، وكان انطلاق البابا من الأضيق إلى الأوسع لكن ما نحتاجه فى المرحلة المقبلة هو الانطلاق من مصريتنا إلى مسيحيتنا إلى طائفتنا وهو ذات المطلوب من أرض الأزهر ومن الإسلاميين ومن أى طائفة على أرض مصر، إن ميدان التحرير هو المنطلق للمستقبل، ففى الميدان كنت لا تعرف المسيحى من المسلم الأرثوذكسى من الإنجيلى من الكاثوليكى، تحتاج مصر إلى بابا يستعصى على الاستقطاب سواء لحزب أو طائفة أو دين، إن تاريخ النضال الوطنى المشرف للمصريين المسيحيين ضد الظلم والفساد والديكتاتورية لم يكن منطلقا من دين أو كنيسة أو طائفة أو مذهب، بل المحافظة على الثوابت الوطنية محليا وإقليميا وعالميا لم تتأثر بانتماءات الشخص المتعددة سوى الانتماء لمصر، فكيف يتم ذلك؟

 

وهل يطلق البابا الجديد شرارة الاجتهاد اللاهوتى، لإبداع لاهوت مصرى عربى معاصر يواكب ثورة 25 يناير، ويؤصل فيه الوطنية المصرية، نحتاج بابا وطنيا أكثر منه سياسيا وأكثر منه كنسيا أو طائفيا.

 

 

رابعا: تحتاج مصر لبابا يركز على معايير أكثر من تركيزه على أشخاص

 

 

والمعنى هنا كيف يحول البابا الجديد الإدارة الكنسية من إدارة أشخاص إلى إدارة معايير (مؤسسة) فمن الواضح أن رجال البابا كانوا يحكمون الكنيسة، وبالتالى كان هناك إقصاء واضح لعظماء فى الكنيسة مثل متى المسكين والأنبا ميخائيل والدكتور جورج بباوى وغيرهم. والحقيقة عندما كنت تجلس مع البابا شنودة لا تشعر أن بداخله أية مرارة تجاه هؤلاء، بل إنه كان من السهولة بمكان أن يكون عدد المستبعدين أقل كثيرا من الذين خرجوا على الكنيسة لأسباب لاهوتية أو إدارية ولو كانت هناك معايير لضبط هذه الأمور أو للإدارة بالأهداف، وليس مجرد مجموعة من الأشخاص الذين لا نشك إطلاقا فى نزاهتهم لكنهم أرادوا بحسب فكرهم الحفاظ على الكنيسة من أى انشقاق أو خروج على العقيدة، إلا أن المواقف بدت فى النهاية مواقف شخصية من أشخاص بعينهم ضد أشخاص بعينهم، ولو كان هناك دستور وقوانين له إجراءات واضحة فى المحاكمة، ومعايير معلنة للجميع، لاستراح الجميع، وربما كنا وصلنا لنفس النتيجة، وهو خروج البعض، لكن فى هذه الحالة سيكون الكل مقتنعا بمن فيهم الذى خرج لماذا خرج؟ وكيف يخرج باحترام شديد، لذلك على البابا الجديد مسئولية ضخمة هى ألا يجعلنا ندور مع الأشخاص لكن مع المعايير التى لا تعرف الاشخاص، فيريح ويستريح.

 

 

خامسا: تحتاج مصر لبابا يركز على الحفاظ على جيل الثورة أكثر من تركيزه على راحة البال

 

 

علينا أن ندرك جميعا أنه إذا انكسر جيل الثورة فسوف تنكسر مصر لقرن قادم لذلك نحتاج لبابا مقتنع تماما بمبادئ الثورة، مشجعا جيل الثورة على أن يستكمل مسيرته، ليس المسيحيون منهم فقط بل الجيل ككل وعليه أن يفكر مع النخبة من المسيحيين مهما كانت انتماءاتهم الطائفية والمذهبية ومعهم النخبة من المسلمين الثائرين، كيف يعملون على صيانة الثورة والسير بها لتحقيق مطالبها.

 

لأجل كل ذلك أتمنى أن يكون الشخص الذى يصل إلى الكرسى البابوى هو الشخص القادر على أن يجعل الماضى مرآته والمستقبل مرجعيته، أى أن كل قرار يتخذه تكون مرجعيته هو المستقبل وليس الماضى.      

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved