ثقوب فى «المنظومة الصحية»

محمد سعد عبدالحفيظ
محمد سعد عبدالحفيظ

آخر تحديث: السبت 2 مايو 2020 - 10:05 م بتوقيت القاهرة

لا ينكر أحدٌ التضحيات الكبيرة التى تقدمها الأطقم الطبية منذ أن حلت على دول العالم، ومنها مصر، كارثة تفشى وباء كورونا المستجد، فالأطباء ومساعدوهم من كوادر التمريض والفنيين يتصدرون الصفوف الأولى فى المعركة الدائرة مع ذلك الفيروس، يَصلون الليل بالنهار ويهجرون بيوتهم وأبناءهم حتى يتمكنوا من تقديم الرعاية الصحية للمصابين.
حتى كتابة هذه السطور، ووفقا لبيانات نقابة الأطباء، تخطت أرقام المصابين من أطباء مصر حاجز الـ 90، سقط منهم نحو 7 شهداء، آخرهم الدكتور هشام الساكت وكيل كلية طب قصر العينى، والدكتور ممدوح السيد مدير إسعاف سوهاج السابق، اللذان توفيا قبل يومين إثر إصابتهما بكورونا، يضاف إلى تلك الأعداد التى وثقتها نقابة الأطباء عدد غير معروف من صيادلة وممرضين وفنيين تعرضوا للإصابة.
تضحيات هؤلاء تاج على رءوس الجميع، لكن الأمر لا يخلو من ثقوب طالت بعض العاملين فى المنظومة الطبية، فما دونه زميلنا الصحفى محمود رياض على صفحته بموقع «فيسبوك» قبل وفاته متأثر بإصابته بفيروس كورونا بأيام، يكشف أن هناك قصورا فى التعامل مع حالات المشتبه بإصابتها بالفيروس.
كتب محمود ــ رحمه الله ــ فى 21 من إبريل الماضى أى قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة بـ 6 أيام: «الناس اللى بتسأل عن صحتى بعد إصابتى بفيروس كورونا.. تعب متواصل وحرارة مرتفعة نار 14 يوم.. خلال تلك الفترة تواصلت مع رقم «105» التابع لوزارة الصحة، كلام فارغ أنك مقصر فى صحتك.. فكان القرار الذهاب إلى مستشفى الحميات، ليتواصل العذاب والمرض، انتظر يوم لعمل مسح، يقولوا خلص.. 48 ساعة تظهر النتيجة مع أنه ربع ساعة فى العالم.. ثم نتيجة خطأ يتم عمل مسح جديد بعد 3 أيام.. وأنتظر النتيجة 48 ساعة، ولما طلعت إيجابية أنتظر الإسعاف 48 ساعة».
وأنهى محمود (41 عاما) تدوينته بـ: «دول سبعة أيام أليسوا كافيين لموت أى شخص، مثلما حدث مع الكثير، أنا منذ 14 يوما وأنا متعذب.. ولله الأمر من قبل ومن بعد، وإلى الآن مافيش خطوات جادة».
قبل أن يتم احتجاز رياض بـ«حميات إمبابة» السبت 18 إبريل، كان قد توجه إلى ذات المستشفى مرتين، وتم الكشف عليه وصرفه وطلب منه العودة إلى منزله بدعوى أنه ليس مصابا بكورونا وصرفت له بعض الأدوية، رغم أنه أخبر الطبيب الذى وقع الكشف عليه أن درجة حرارته تتخطى الـ 38 درجة، ويعانى من سعال جاف.
عاد صديقنا الراحل إلى منزله وخالط أولاده وزوجته، وعندما ساءت حالته توجه للمرة الثالثة إلى «حميات إمبابة» وتم أخذ مسحة منه صباح 18 إبريل، وأرسلت إلى معامل مديرية الصحة، بعدها بـ48 ساعة أخبروه أن العينة «لا سلبى ولا إيجابى.. وسنأخذ مسحة جديدة»، وسُحبت العينة الجديدة، وتكرر الموقف «نتيجة العينة لا سلبى ولا إيجابى» هكذا تم الرد عليه، عندها ثار محمود وأبلغ مسئولى المستشفى أنه سيضرب عن الطعام والدواء، فسحبت له عينة ثالثة وثبت إيجابيتها، لكن الحالة كانت ساءت للغاية ووضع محمود على جهاز التنفس الصناعى، وتم نقله إلى مستشفى العزل فى العجوزة، وظلت حالته فى التدهور إلى أن توفاه الله.
فى تلك الأثناء أُصيب أثنان من أولاد زميلنا الراحل بالعدوى نتيجة مخالطته لأسرته، ودخلا العزل مع زوجته التى علمت بخبر وفاة زوجها من صفحات زملائه بمواقع التواصل الاجتماعى، بعد أن دفنته أسرته بساعات.
وفاة محمود كشفت القصور الذى تعانى منه منظومتنا الطبية، وانعدام كفاءة بعض أعضاء تلك المنظومة، فبعض مستشفيات الحميات تعانى من نقص شديد فى الأَسرَّة وفى أجهزة التنفس الصناعى، وفقا لأحد أساتذة الطب المطلعين، الذى أكد أن هناك أيضا أزمة فى تحليل بعض عينات من تظهر عليهم الأعراض، «أجهزة التحاليل موجودة فى مديريات الصحة فقط، والمستشفيات معذورة فى عدم سحب عينات من كل حالة ترد إليهم، فهم محكومون بعدد معين من التحاليل، وقدرتنا لا تسمح بإجراء تحليل لكل من تظهر عليه الأعراض»، أضاف الطبيب.
أخيرا.. المنظومة الطبية فى بلادنا شأنها شأن باقى مؤسسات البلد، «جرى عليها وابور زلط» بتعبير الأستاذ محمد حسنين هيكل قبل وفاته بشهور، نتيجة التجريف والإهمال المتعمد الذى بدأ منذ نهاية سبعينيات القرن الماضى، وإذا أردنا رد الاعتبار لهذا البلد وإعداده لأى مواجهة قادمة فعلينا وضع العلم والتعليم والصحة على رأس أجندة أولوياتنا، فبدونهم ستظل مؤسسات الدولة على ما هى عليه مهما حاولنا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved