مفترق طرق الشرق الأوسط؟

سمير العيطة
سمير العيطة

آخر تحديث: الأحد 2 مايو 2021 - 7:35 م بتوقيت القاهرة

ماذا لو تصالحت السعودية وإيران؟ طبع الصراع بين إيران والسعوديّة مجمل تطوّرات المنطقة المحيطة بهما منذ عام 1979. وتمثّلت العلامات المميّزة بدايةً فى حروبٍ مدمّرة بين العراق وإيران، ثمّ لتحرير الكويت ثمّ لاحتلال العراق تبعته الحروب الأهليّة التى لم تنتهِ واقعيّا فى العراق وسوريا واليمن، ودون نسيان فصول الحرب الأهليّة اللبنانيّة.
مقابل تلك الكوارث وغيرها مما حلّ بشعوب المنطقة من جرّائها، جاءت تصريحات وليّ العهد السعودى حول «تسوية القضايا العالقة بين البلدين»، وكذلك تسريبات وزير الخارجيّة الإيرانى حول الصراع بين الدبلوماسيّة والأنشطة العسكريّة الإيرانيّة، لتفتح، ما يبدو، أفقا.. وعلى الأقلّ أملا أنّ وقف الصراع المفتوح بين البلدين قد يجلب الاستقرار والازدهار للمنطقة. ويتعزّز هذا الأمل نوعا ما فى الاتصالات السريّة الجارية بين البلدين.. بالتحديد فى العراق «عقدة الوصل بينهما».
هناك الكثير من الموروثات التاريخيّة المشتركة الراسخة للبلدين التى يُمكن لدبلوماسيتهما استخدامهما لتلطيف أجواء الحوار. وليس الدين والحضارة الإسلاميّة فحسب بل أيضا، وأساسا، التاريخ النفطيّ الحديث، وبالتالى النموّ الاقتصادى للبلدين. فعندما وقّع الملك عبدالعزيز عقود استخراج النفط مع الولايات المتحدة، توصّل إلى شروطٍ أفضل من تلك التى كانت بريطانيا قد فرضتها على إيران. وعندما جرى ذلك، حاول الإيرانيّون تحسين شروطهم دون جدوى، ما أدّى إلى التأميم الذى أطلقه آنذاك رئيس وزرائها مصدّق قبل أن تُحاصَر إيران ويُغتال مصدّق نفسه. ما فتح باب تأميمات الشركات النفطيّة التى تلت فى كلّ المنطقة. وأتت حقبة تعاونَ فيها البلدان بشكلٍ كبير من خلال منظمة الدول المصدّرة للنفط. ولعلّ من أهمّ التطوّرات الأخيرة، الدبلوماسيّة والاقتصاديّة، والتى قد تؤسّس للتقارب بينهما، هناك انفتاح البلدين على روسيا والصين، وما كان مستحيلا تصوّره سابقا فى كلا البلدين الدائرين تاريخيّا بفلك الولايات المتحدة، إيجابا وسلبا.
لا خلافات حدوديّة بين البلدين، اللهمّ إلاّ قضيّة الجزر الثلاث الصغيرة (طمب الكبرى، وطمب الصغرى وأبو موسى) فى الخليج المتنازع عليها مع الإمارات. وكان الطرفان قد استخدما الخلاف المذهبيّ السنيّ ــ الشيعيّ، الذى لا معنى له بعد أربعة عشر قرنا، لحشد أنصارهما فى الصراع. إلاّ أنّ الشعب السعوديّ ليس سنيّا بالكامل والشعب الإيرانيّ ليس أيضا شيعيّا بالكامل، ولا يُمكِن تصوّر ترسيخ مبدأ المواطنة المتساوية إلاّ عبر مواجهة المتطرّفين فى كلا البلدين، وهذا ما بدا واضحا من خلال التصريحات والتسريبات.
***
من ناحيةٍ أخرى، لا بدّ من قراءة أى تقارب سعودى ــ إيرانيّ من خلال تطوّرات أوضاع القوى الصاعدة والنافذة الأخرى فى المنطقة، أى تركيا والكيان الإسرائيلى، بعد أن تمّ تحييد مصر حتّى عن قضايا أمنها القومى الخاصّ وإضعاف العراق وسوريا إلى أقصى حدّ. العلاقات بين تركيا وإيران وثيقة والمبادلات التجاريّة بينهما كبيرة وأساسيّة للبلدين، رغم أنّهما يتصارعان بالوكالة، وأحيانا بالمباشر، فى سوريا والعراق ولبنان. ومن المعروف أنّ هناك علاقات وثيقة أيضا بين تركيا وإسرائيل، حتّى فى ملفّ الصناعات العسكريّة، رغم المهاترات الدبلوماسيّة التى تحدث أحيانا بينهما لأغراضٍ دعائيّة فى الملفّ الفلسطينيّ.
هكذا تطوّر نفوذ تركيا وإسرائيل بشكلٍ كبير فى العقد الأخير، رغم الإشكاليّات الكبرى التى واجهت كلا منهما. وفى حين تخضع إيران لعقوبات وحصار أمريكى، ما زالت قادرة على إلحاق الضرر بالآخرين، كى يتمّ الأخذ بمصالحها. أمّا السعودية فلم يتطوّر نفوذها بالمقارنة. فهى لم تقدر، مهما بلغت الضغوطات الأمريكيّة، ولأسبابٍ مختلفة، أن تحذو حذو الإمارات فى الاستمرار بالعلاقات الاقتصاديّة مع إيران ثمّ الذهاب أبعد من تطبيع العلاقات الدبلوماسيّة مع إسرائيل إلى إرساء شراكات استراتيجيّة معها. هكذا أدّت ضغوطات إدارة ترامب الأمريكيّة إلى حشر السياسة السعودية فقط فى المواجهة مع إيران، وبالتالى إفقاد هذه القوّة الاقتصاديّة السعوديّة الكبيرة مرونة الحركة وإغراقها فى حرب اليمن وصراعٍ لا أفق له مع قطر، أضِف إلى ابتزازها ماليّا.
ومن الثابت أنّ عودة العمل بالتوافق الدولى حول الملفّ النوويّ الإيرانى ستغيّر ملامح المنطقة. وربّما هذا ما يُستشفّ من التسريبات الإيرانيّة والتصريحات السعوديّة. إذ لم يكن هناك من أفق لخروج الولايات المتحدة الأحاديّ من الاتفاقيّة سوى حربٍ تتشارك فيها إسرائيل والولايات المتحدة والسعوديّة ضدّ إيران. حربٌ يُمكن أن تؤدّى إلى فوضى أكبر من تلك التى نجمت عن حرب احتلال العراق. ويستغلّ الإيرانيّون الخطأ الأمريكى فى الانسحاب من معاهدة موقّعة باشتراط إلغاء جميع العقوبات فعليّا واستعادة النشاط الاقتصادى كاملةً والاعتراف بمصالحهم فى المنطقة مقابل أن يتغيّر نهجهم من استخدام القوّة «الغليظة» نحو دبلوماسيّة «القوّة الناعمة». علما أنّ هذا سيكون فائق الكلفة فى السياسة الداخليّة على صعيد المواجهة بين «الإصلاحيين» و«المتطرّفين».. ومن هنا أتت التسريبات.
على صعيدٍ آخر، لا تأخذ إدارة بايدن بالعودة للاتفاق مع إيران بحسابها إطار الشرق الأوسط وحده، بل أيضا صراع الولايات المتحدة مع الصين التى عزّزت نفوذها فى باكستان، بينما تسحب الولايات المتحدة جيشها من أفغانستان وتتفاوض مع طالبان.. بلاد السند وخراسان صلة الوصل بين الصين والهند وبين منبع الحضارة العربيّة الإسلاميّة.
***
لا يُمكن للسعوديّين فى هذا الأفق أن يبقوا «محشورين» فقط فى صراعٍ لا طائلة له مع الإيرانيين، فى حين يُمكن لهم أن يجدوا ثمانين أو تسعين فى المائة من مجالات التوافق مع هامشٍ لنقاط الخلاف، كما جاء فى تصريحات وليّ العهد السعوديّ، وبالتحديد حول العلاقة مع الولايات المتحدة. وسيكون التغيير بالتالى ذا تكلفة كبيرة على الصعيد الداخليّ والإقليميّ، ولناحية إيجاد حلفاء آخرين فى المنطقة يشاركون معها «دبلوماسيّة القوّة الناعمة» بدل «العصا الغليظة». والمرشّح الإقليميّ الرئيس لهذه الشراكة هو مصر التى تعانى اليوم من تهديدٍ وجوديّ فى جريان النيل، شريان الحياة بالنسبة لها، ومن الانفلات الأمنيّ فى سيناء على حدودهما المشتركة ومن غرق ليبيا فى صراعات النفوذ فيها وعليها، فى حين أُقحمت مصر فى صراعٍ دبلوماسيٍّ مع إيران بدل أن تكون وسيطا.
كما سيكون لتوافقٍ سعوديّ ــ إيرانيّ، وإن غير كامل، أثر كبير ليس فقط فى إنهاء حرب اليمن بل أيضا فى إعادة الاستقرار والمنعة للعراق وإعادة توحيد سوريا وإنهاء مأساتها وإخراج لبنان من عقم هيمنة أمراء الحرب وكذلك صون الأردنّ من أن يتحوّل إلى وطن بديل يُطرَد إليه فلسطينيّى وفلسطينيات الداخل، بل ربّما لعودة فلسطين كقضيّة مركزيّة فى المنطقة.
قد يبدو كلّ ما سبق خيالا غير واقعيّ. ففى الحقيقة، لا مصلحة لكثيرٍ من دول المنطقة، صاعدةً كانت أم أقلّ نفوذا، أن ينتهى الصراع السعوديّ ــ الإيرانى. ولا مصلحة فى ذلك لكثيرٍ من الدول الكبرى، خاصّة تلك التى تبيع سلاحا. المصلحة الفعليّة الوحيدة هى للسعوديين والإيرانيين.. كى تزدهر بلادهما ويتمّ نزع فتيل النزاعات القاتلة، المذهبيّة وغيرها. ثمّ لا أحد يريد الاستثمار فى بلدانٍ تخوض حروبا لا نهاية لها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved