لماذا تتقطع أسئلتنا وتتكرر؟

يوسف الحسن
يوسف الحسن

آخر تحديث: الأربعاء 2 يونيو 2010 - 9:47 ص بتوقيت القاهرة

 فى «حوار الدوحة» الذى عقد قبل عدة أيام، تساءل مفكرون عرب، لماذا تكرر أسئلة الماضى، ونعيد إنتاج الأسئلة نفسها، والتى أثارها أجدادنا قبل قرن ونصف القرن؟

لماذا مازلنا نردد سؤال التقدم والتأخر؟ وهو السؤال الذى ردده العرب فى الحقبة الاستعمارية؟ لماذا تقدموا، ولماذا تخلفنا؟ ولماذا سؤال الاستبداد، ومازال مرفوعا. من أيام الكواكبى حتى الآن وكذلك أسئلة الحرية والأمية والمرأة والتعددية.
لماذا تضطرب الأحكام بين الأمس واليوم ويزداد الغش وتلبيس المفاهيم عند الحديث عن الأصالة والمعاصرة؟ ونظل نلف حولها طوال أكثر من قرن ونصف القرن؟.

ورغم وجود متغيرات ضخمة فى حياتنا، جرت خلال هذه العقود الطويلة الماضية إن على مستوى الحقول المعرفية أو على مستوى المنظومات الفكرية والمادية، فإن الأسئلة الأساسية التى أثيرت فى الماضى ظلت هى الأسئلة نفسها، ولم تأخذ حتى دلالات جديدة أو معان متجددة كليا أو جزئيا.

ماذا يعنى إذن، أن تظل مساءلتنا للواقع العربى تتكرر عبر الأحوال، قد تتقطع حينا، وقد تعلق لزمن قصير، وفى كل هذه الحالات ظلت الإجابات والتشخيصات سريعة، وأحيانا ملفقة وغالبا استرضائية.

فى السنوات الأخيرة، مثلا تحدثنا عن الإصلاح والتغيير، ثم انقطعت الأسئلة، وبدا للبعض أن سؤال الإصلاح، كان مجرد فخ لمصادرة تحولات عضوية حقيقية فى مجتمعاتنا، لكن فى واقع الحال كان صياغة هذا السؤال تحتمل الكثير من «التصنع» فكانت الأجوبة بلا مفعول، لأنها تحاشت تسمية الأشياء بأسمائها، وبالغت فى إحالة كل ما فى حياتنا من عفونة إلى مشجب المؤامرة فحرمنا من اكتشاف مواطن الخلل فى ذواتنا ومجتمعاتنا، مما يعنى أن سؤال الإصلاح، وأشواق التغيير والنهوض ستعاود الطرح على عقول ووجدان، أجيال قادمة، ومن خلال سياقات جديدة وشروط قيمة مختلفة.

هل هذه الإجابة، كافية لتفسير أحجية تقطع الأسئلة وتكرارها ما بين الأمس واليوم؟.. ربما، لكن بعض الأسئلة المكررة يبدو عليها وكأن المقصود بها هو الاكتفاء بطرحها، كأسئلة الجدوى من المقاومة مثلا، فهى طرحت فى العقد الثالث من القرن العشرين مثلما طرحت فى أواخر العقد الأول من القرن الحادى والعشرين. كذلك طرحت و تطرح أسئلة الدولة والمجتمع والدين وغيرها الكثير.

من ناحية أخرى يعيش العرب محاولات متكررة النهوض منذ ما يقارب القرن ونصف القرن.
ومازلنا نثير أسئلة النهوض، بدون أن نساءل النمط الثقافى السائد، ومن غير ذهنية مواتية وبدون سعى حقيقى عملى لتوفير إجماع قومى حول هذه المسألة وتجاهلنا أهمية توطين العلم الحديث ومجتمعاتنا وفى تعليمنا.

ومما لاشك فيه، فإن وعينا السياسى والمجتمعى غالبا ما كان يتجلى فى مشاريع «انبعاث» خارج السياق كله، وليس فى مشاريع تقدم مستدام، وظلت التعليلات على حالها والمساجلات المتشابهات مستمرة حول الأصالة والمعاصرة. وفى غياب إقامة «القراءة المتواصلة المتجددة للمحتوى المعرفى والمضمون الفكرى الذى يتغير.

وفى هذا الإطار نستحضر ما كتبه أرسطو فى رسائله حول المنطق فى القرن الرابع قبل الميلاد وبعد أكثر من عشرين قرنا، جاء (فرانسيس بيكون) ليدحض دعواه، وهكذا فعل ابن رشد بعد قرن كامل، ورد على كتاب الغزالى «تهافت الفلاسفة».

المهم أن الإشكاليات المعقدة، لا تقيد بزمان، بل إنها تظل مفتوحة عبر الحقب والمراحل، من خلال القراءة النقدية لما سبق، ومن أجل الاستكمال والتجاوز نحو الأفضل والأصلح للإنسان، لكن من المؤكد أن جذر التقدم لا يؤسس على تقطع الأسئلة الجوهرية، ولا على الإجابات المعلقة وتلك عديمة الفعالية والأثر والتى يتم استحضارها من الخارج أو من الماضى استرضاء أو تقليدا وإنما يكمن فى المبادرة الذاتية.. وبالقدرة على التكيف وباسترداد المنهج العقلى فى التفكير واستعادة الإيمان بالحرية وامتلاك الهمة وفض الاشتباك فى داخل مجتمعاتنا وتنقيته من النفاق والاستفزاز.

لقد استمرت أسئلة التعليم الابتدائى فى بريطانيا نحو ثلاثة قرون بدءا من منتصف القرن السادس عشر حتى استقرت ونهضت من خلال مبادرات أهلية فى القرى والبلديات فى حين نجحت ثورة المايجى الإصلاحية فى اليابان خلال عقد ونصف العقد فقط فى تحقيق تغيير ذاتى وإصلاحات جذرية فاق فى شموليته ما حققته الثورة الفرنسية فى آخر القرن الثامن عشر.

ما يستحقه شعبنا العربى وأجياله المقبلة وأكثر بإضعاف من هذا الاستحضار الرتيب لأسئلة قرن مضى وتأقلم رجال الحكم والفكر مع المكرر من أسئلة الحرية والتعليم والتقدم والحكم الرشيد والمرأة والديمقراطية...وإلخ.

قد يرى البعض أن حالة الإرهاق السياسى و«الزهايمر» الثقافى التى نعيشها بسبب تعاقب الكوارث وتنامى التخلف وهدر الممكنات هى التى أدت إلى هذه اللامبالاة فى طرح التساؤلات والاستجابة غير الفاعلة لها لكن المرجح أن الإجابة الفاعلة هى من نصيب من تكون البوصلة بين أصابعه ويملك وعيا تاريخيا وروحا وتأبه.

المهم أن تنامى سجلاتنا والراهن من عدد الملائكة أو الشياطين على رأس دبوس عربى وأن تحلق أسئلتنا الجوهرية عاليا خارج جاذبية فقه «إرضاع الكبار» وفقدان الرشد.

إن ما يمنع كيمياء النهضة من اكتمال التفاعل بين عناصرها هو تحالف الطغاة والغلاة والاحتلال مع حذف المستقبل فى فكرنا وإجهاض أية إجابات باتجاه.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved