سلامات

داليا شمس
داليا شمس

آخر تحديث: الأحد 2 يونيو 2013 - 9:28 ص بتوقيت القاهرة

بما أن البعض دفع مؤخرا بحرمة رقص الباليه فقد قررت أن أكتب عن الموسيقى العسكرية وفرقة حسب الله درءا للشبهات، فهما يعتمدان على الرجال بملابسهم الرسمية ذات الأزرار النحاسية. لكن هذا لا يكفى لإرضاء جميع الأطياف على ما يبدو، ففى بعض المواقع الدينية الخاصة بالفتوى والآراء هناك من يسأل عن حكم العمل بالموسيقى العسكرية، وتأتى الإجابة غالبا قاطعة: لا يجوز العمل فى الفرق الموسيقية العسكرية ولا غيرها، وورد كذلك فى موقع آخر أن القيام للعلم والتحية العسكرية والضرب بالرجل خلال المراسم الرسمية حرام، حتى لباس الشرطة محرم لمشابهته لباس الإفرنج!

 

بالتالى أصبحت فرقة مثل «حسب الله» لا تجوز شرعا لدى بعض الأشخاص، رغم أن الشاويش محمد على حسب الله كان قد أسسها عام 1860 بعد تقاعده عن العمل من «فرقة موسيقى سوراى الخديوى عباس» ذات الطابع العسكرى التى تحولت فيما بعد إلى «فرقة الموسيقى الملكية» ثم حاليا «الفرقة السيمفونية للموسيقا العسكرية» التابعة للقوات المسلحة. لم يشفع للفرقة إذ إنها أقدم فرق الشرق الأوسط ولا تحويلها لنمط العزف على آلات النفخ الغربية بطريقة مصرية خالصة، فالآلات التى يستخدموها هى فى الأصل لأوركسترا سيمفونى ومن الصعب أن تعزف عليها ألحانا عربية، لكنهم نجحوا فى تطويعها جيلا تلو الآخر.

 

●●●

 

استمتعت منذ نحو شهر ببراعة عازفين «حسب الله» بمناسبة صدور كتاب «التاريخ والموسيقى» عن دار العين بالتعاون مع مؤسسة الثقافة السويسرية، فلا يزال أحفاد «حسب الله» يعملون بشارع محمد على، ويبدأون دائما فقرتهم بعزف السلام الوطنى ببدلهم الحمراء أو الزرقاء، كما يعزفون السلامات التى توحى بتعظيم الشخصيات الحاضرة لمناسبة ما وأهمها سلام الخديوى الشهير أو «سلام مخصوص خديوى» وهو جزء من أوبرا عايدة لفيردى كان قد اتخذ سلاما وطنيا خاصا بمصر عام 1868، فى عهد الخديوى اسماعيل وهو من أصحاب مشاريع الاستقلال بمصر..

 

يذكر الدكتور أحمد الحناوى أحد المشاركين فى الكتاب الكلمات المصاحبة للسلام الخديوى «أفندينا دخل الميدان والعسكر ضربوا له سلام» وذلك فى معرض دراسته المقدمة عن فرقة «حسب الله» وكيف ذاع صيتها وقتها حتى إن كبسولات حذاء الشاويش حسب الله نفسه كانت تصنع من الذهب وأنه حصل على فرمان بالباشوية، إلا أن الحديث حول «السلامات» المختلفة يحملنا إلى ورقة بحثية أخرى ضمها الكتاب قام بتحقيقها الدكتور عماد حسين محمد، حول السلام الوطنى المصرى، ما يلفت انتباهنا لأهمية النظر لموضوع مثل الموسيقى الرسمية للدولة فى سياقها التاريخى، فالتفاصيل الصغيرة والحكايات تكون لها دلالات خاصة كما نرى بالنسبة للسلامات والمارشات المختلفة التى تعزفها حتى اليوم فرقة «حسب الله» أو الفرق العسكرية الرسمية.

 

●●●

مثلا اتخذت مصر لنفسها علما وسلاما وطنيا لأول مرة فى عهد إسماعيل، وهما من رموز الدولة.. ولم يفعل ذلك جده محمد على، رغم كونه مؤسس مصر الحديثة، هل لأن مشروعه كان توسعيا يهدف إلى وراثة آل عثمان على رأس الإمبراطورية؟ ومع قدوم الاحتلال البريطانى عام 1882 تم إلغاء السلام والعلم لأنهما من رموز الاستقلال عن الدولة العثمانية، وبريطانيا كانت راغبة فى إيصال رسالة مفادها أنها لم تفرض سيادتها على مصر بل ردتها للدولة صاحبة السيادة عليها.

 

أما بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى واشتعال ثورة 19، شرعت مصر فى وضع دستور جديد فتغير العلم وشكلت لجنة لاختيار نشيد وسلام وطنى عام 1923 أى تزامن ذلك مع كتابة الدستور، ووضع الأديب مصطفى صادق الرافعى كلمات نشيد «اسلمى يا مصر اننى الفدا» الذى لحنه صفر على، وأصبح هذا السلام يعرف أيضا بمارش سعد، لأنه جاء كما لو كان على لسان سعد زغلول باشا تعبيرا عن ارادة الأمة.

 

ثم مع صعود فاروق للعرش عام 1936، تم الرجوع لسلام فيردى القديم فى جميع المحافل الرسمية، كما أورد الكتاب، لكن الجيش المصرى احتفظ بنشيد «اسلمى يا مصر»، واستمر هذا التمايز بين السلام الملكى ونشيد الجيش حتى قيام ثورة 1952، فلم يعد الجيش المصرى حينها «يرى فى السلام الملكى المصحوب بكلمات تمجد الحاكم ما يناسبه، وهو مؤشر مهم، خاصة أن الدفعات من عام 1937 حتى 1939 تمثل الدفعات التى تحركت فيما بعد للقيام بثورة 1952». فى أوقات مختلفة من التاريخ لا يختار الحكام والجيش لعب النغمة نفسها أو ترديد النشيد ذاته، كما يختار البعض أيضا عدم الوقوف للعلم فى المحافل الرسمية أو رفع أعلام أخرى غير التى تمثل الدولة، وكلها مؤشرات مهمة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved