ازدواجية المعايير وفنون إلهاء الجموع

عمرو حمزاوي
عمرو حمزاوي

آخر تحديث: الثلاثاء 2 يونيو 2015 - 9:10 ص بتوقيت القاهرة

أطالع المواقع الإلكترونية للصحف «القومية» وللصحف المملوكة لرأس المال الخاص، فيعيدنى تناولها للأفعال والإجراءات الرسمية كما تظهره العناوين الرئيسية إلى مصر ما قبل 2011 ــ أعمال تطوير للبنى التحتية، مشروعات اقتصادية، لقاءات حكومية مع العاملين فى القطاعين العام والخاص ومع المستثمرين، وعود رسمية بقرب تحسن الظروف المعيشية للناس، وفى الواجهة دوما صور «للمسئول الأول» وللوزراء وللمساعدين وهم يعلنون انتهاء أعمال التطوير وانطلاق المشروعات ويجزمون بإيجابية الحوار مع «أبناء مصر المخلصين» وبوحدة الصف الوطنى.

أبتعد عن العناوين الرئيسية وعن صور المسئولين وأدقق فى الأخبار المحلية الأخرى المنشورة وفى التحقيقات «السياسية» وفى مقالات الرأى وفى الحوارات، فيذكرنى التوجه الغالب باستمرار توظيف السلطوية الحاكمة لمقولات «المؤامرة» وللصناعة المتجددة للأعداء لغسل أدمغة الناس وتزييف وعيهم ولفرض إما هيستيريا تأييد الظلم والانتهاكات والعقاب الجماعى أو الصمت والتجاهل والعزوف عن الاهتمام بالشئون العامة، والهدف فى جميع الحالات هو تبرير قمع المعارضين(المتآمرين المزعومين) وهو تحميلهم هم مسئولية الأزمات المتنامية والظروف المعيشية المستعصية على التحسن بسبب فعلهم السلبى (مؤامراتهم المزعومة)، ومن ثم تبييض صفحة السلطوية الحاكمة والحاكم الفرد وإغماض الأعين عن التداعيات الكارثية مجتمعيا وتنمويا لغياب الشفافية والرقابة والمساءلة والمحاسبة وللمظالم ولانتهاكات الحقوق والحريات ــ وهنا تعيدنى مقولات «المؤامرة» وصناعة الأعداء إلى بعض مضامين الخطاب الرسمى فى خمسينيات وستينيات القرن العشرين وإلى التوجه الغالب فى بعض محطات العقود الممتدة من السبعينيات إلى 2011.

أواصل التنقيب فى مواقع الصحف «القومية» والصحف المملوكة لرأس المال الخاص، فتزج بى ازدواجية معايير التعامل مع المظالم وانتهاكات الحقوق والحريات التى لم تتوقف منذ صيف 2013 إلى خانات اليأس وفقدان الأمل فى أن يستفيق الناس ويرفضوا التبرير الفاسد للظلم وللاستبداد تماما كما يرفضون المبررات الفاسدة أخلاقيا وإنسانيا للإرهاب وللعنف، وتعمق من وضعية اليأس وفقدان الأمل ازدواجية معايير من يدعون مقاومتهم ومواجهتهم للسلطوية الحاكمة طلبا للديمقراطية وحقوق الإنسان وهم يتورطون فى تمجيد العنف وفى إلغاء الحق والحرية وفى تعميم مقولات الانتقام والثأر القادمين، والازدواجيتان تفرضان على الصحف المصرية وكذلك على مجمل وسائل الإعلام ومن ثم على المجال العام تعطيل الضمير والعقل ونفى كل قيمة أخلاقية وإنسانية فى سبيل تبرير الظلم هنا والعنف هناك وممارسة الاستعلاء على ضحايا الأول كما ضحايا الثانى.

ثم تكتمل دوائر تعطيل الضمير والعقل بتغييب المعلومات والحقائق عن الصحف القومية والصحف الخاصة ــ فلا نقاش فى تفاصيل الأفعال والإجراءات الحكومية، ولا فى مضامين السياسات العامة، ولا باتجاه توثيق المظالم والانتهاكات التى تتواتر الأنباء عن حدوثها من جرائم التعذيب إلى القتل فى أماكن الاحتجاز والتى لا تضطلع الجهات الرسمية إزاءها إلا بالنفى السريع وبالقليل من الإعلان عن تحقيقات قادمة، وبتوظيف أسراب طيور الظلام ومبررى السلطوية الحاكمة لسيطرتهم على المجال العام للترويج ﻷوهام ومعارك وصراعات وهمية هدفها إما حشد الناس مع الحاكم الفرد وضد معارضيه (المتآمرين المزعومين) أو إخافتهم من عواقب التعبير الحر عن الرأى أو إلهائهم وتهجيرهم بعيدا عن المجال العام ونقاشاته وعن الاهتمام المستقل بالشئون العامة.

غدا.. هامش جديد للديمقراطية فى مصر

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved