في الطريق إلى مؤتمر

محمد زهران
محمد زهران

آخر تحديث: السبت 2 يونيو 2018 - 9:30 م بتوقيت القاهرة

أكتب هذا المقال من المطار وأنا في طريقي إلى لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا لحضور مؤتمر سنوي هو الأكبر في تخصصي وهو تصميم الحاسبات (computer architecture)، يترجم على أنه "معمار الحاسبات" ولكني لا أستسيغ هذه الترجمة لأنها ليست سهلة على الأسماع أو الأفهام ومن يسمعها يسأل: "يعني بتعمل إيه بالظبط صيانة ولا تجميع؟".. على العموم ليس ترجمة إسم تخصصي هو موضوع مقال اليوم بل الموضوع هو السفر للمؤتمر، لقد تكلمنا في مقال سابق عن المؤتمرات وأهميتها وما يجب علينا عمله (من وجهة نظري فقط) كي نحسن من مؤتمراتنا العلمية في مصر، مقال اليوم هو استكمال للمقال السابق وهو بمثابة جدول أعمال شخصي لما أريد عمله وما أحاوله في كل مؤتمر أسافر إليه... طبعاً عندما يقرأ البعض أول جملة من هذا المقال فسيقولون "يا بختك ياعم" أو "إللى إداك يدينا" أو "ما تاخدنا معاك" وهذا وإن بدا طريفاً إلا أنه يعكس وجهة نظر معينة عند الكثيرين بخصوص السفر للمؤتمرات وهي أنها نزهة للتخلص من ضغوط الحياة اليومية وهي وإن كانت كذلك في بعض الأحيان إلا أنها أعمق من ذلك بكثير، لماذا؟ وما الذي نستفيده أكثر من النزهة والتخلص من ضغوط الحياة اليومية؟

أول وأهم هدف من حضور مؤتمر علمي هو التعاون (ولا أقصد إسم محطة البنزين الشهيرة!)، عندما كنت مازلت طالب دكتوراه منذ ما يزيد عن الخمسة عشر عاماً تعلمت أن أهم أحداث المؤتمر هي ما تحدث خارج قاعات الندوات، أنت تستطيع بسهولة الحصول على الأبحاث التي ستقدَم في المؤتمر قبل حتى القدوم إلى المؤتمر ويمكنك التواصل مع مؤلفيها بدون حتى الذهاب للمؤتمر، إذا ليس حضور الندوات هو الأساس اللهم إلا إذا كانت محاضرة من عالم كبير يحكي تجربته أو أفكاره أو فلسفته أو حضور ندوة يلقيها طلبتك أو أصدقائك من باب المجاملة أو التشجيع أو إعطاء رأيك، الأساس هو مقابلة الباحثين الآخرين خارج القاعات وأثناء استراحات القهوة لتبادل الأفكار والخبرات وقد ينتهي الأمر بالبدء في التعاون في مشروع بحثي، أسمع من بعض الأصدقاء في مجالات بحثية أخرى (بضم الألف وليس فتحها!) أن الباحثين يخشون من تبادل الأفكار حتى لا تسرق من الباحثين الآخرين، هذا وإن كان يحدث في بعض المجالات إلا أني لا أعتقد أنه الأساس على الأقل لم أره في مجالي خاصة لو كان الباحثون يعملون في نقاط مختلفة فتعاونهم قد ينتج نقطة جديدة تحتاجهم معا لاستكمالها ولايستطيع أحدهم العمل بها وحده والعلم وصل من التعقيد أنه يحتاج إلى تعاون كبير في المشاكل العلمية الكبيرة.

إذا حضرت بعض الندوات وإن كانت في غير نقاط إهتمامك الحالي في التخصص فإنها فرصة للتعرف على أفكار جديدة، إذا نظرت في عناوين الأبحاث في هذا المؤتمر الذي أسافر لحضوره على مر السنين (هذا المؤتمر يعقد منذ أكثر من أربعون عاماً) ستجد أن موضوعات الأبحاث تواكب التوجه التكنولوجي المهم في وقته، مجرد قراءة هذه العناوين على مر السنين هو قراءة للتاريخ العلمي لهذا التخصص وتأثيره على التكنولوجيا، أنت قد تعمل في تخصص معين ولكنك حالياً منكب على بحث في نقطة صغيرة في هذا التخصص، لذلك من المفيد أن ترى ما يفعله الآخرون في نفس تخصصك في النقاط الأخرى فلعلك تجد نقطة إلتقاء تكون نواة لفكرة جديدة.

في المؤتمرات العلمية الكبرى تجد تواجداً كبيراً للشركات التكنولوجية، فمثلاً في تخصصي تجد تواجدا كبيرة لشركات مثل جوجل وإنتل وفيسبوك ومايكروسوفت والكثير من الشركات الأخرى، الحديث مع الشركات قد يقود إلى تعاون معهم يكون مفيداً للجانبين، هم يحتاجون إلى طلبتك وإلى تفرغك للبحث حتى يبحثوا أفكاراً جديدة (وقد تكون مجنونة في بعض الأحيان) لأنهم محكومون في شركاتهم بالسوق وليس عندهم التفرغ الكامل والحرية التي لديك، وأنت تحتاج إلى الإمكانيات التكنولوجية الكبرى عندهم التي هي حتماً أكثر بكثير من الجامعة مهما علا شأن الجامعة أو تصنيفها، إذا قالتحدث مع الشركات مهم أثناء هذه المؤتمرات.

من الأمور المثيرة لي شخصيا هي أن أرى كيف يعمل الجيل الجديد (بإعتبار أني قاربت أن أصبح من الجيل القديم!) فطريقة كلام الجيل الجديد وطريقة تقديمهم للأبحاث تعطي فكرة عن طريقة تفكيرهم وشخصياتهم وهذا يساعدني في التدريس وفي البحث العلمي مع هذا الجيل الذي أصبح أكثر حدة (في نقده للأبحاث الأخرى) وأكثر ثقة بالنفس من جيلي، أو هذا ما أراه.

أخيراً وآخراً يعتبر السفر للمؤتمرات في جزء منه نزهة وترفيه، يجب أن أعترف أنني أحب النزول في الفنادق وإن كنت لا أحب عملية السفر نفسها من ذهاب للمطارات والطوابير الطويلة.. إلخ

في مصر أجد تعاونا صحيا بين جامعة وشركة مثلا وهذا جميل ولكن ما أتمناه أن أجد التعاون بين الجامعات وليس فقط بين جامعة واحدة وشركة، كم أتمنى أن أري بحثاً عليه أسماء من جامعة القاهرة مثلاً وعين شمس وإسكندرية أو جامعة النيل وزويل والجامعة الأمريكية، لن أستطيع أن أصف كم الفائدة التي ستعم على الحياة العلمية عندنا إذا حدث ذلك.

والآن على أن أذهب لألحق بالطائرة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved