من القلق المجتمعى إلى الحوار الوطنى.. والعكس

محمد رءوف حامد
محمد رءوف حامد

آخر تحديث: السبت 2 يوليه 2022 - 7:50 م بتوقيت القاهرة

لحظة بزوغ الدعوة الرئاسية للحوار الوطنى كانت لحظة فارقة عند عموم الناس فيما يتعلق بإشكالية «الكلام فى السياسة». قبلها كان التحسب (الباب اللى يجيلك منه الريح سده واستريح). بعدها تسارعت التساؤلات والحوارات فى الظهور. بمعنى آخر أثبتت هذه اللحظة «عطش» عموم الناس إلى ممارسة السياسة، باعتبار أن لديهم ما يرونه، وما يقولونه، وما يتمنونه.

وهكذا، للحاجة إلى «الحوار الوطنى» صدقية عالية يحتاج الانتفاع بها إلى حسن الاستيعاب، خاصة من قيادة الدولة، ونشطاء الفكر والسياسة، وإدارة الحكومة. ذلك يدفع إلى الضرورات التالية:
1ــ الانتباه إلى «القلق المجتمعى» كقوة دفع للحوار الوطنى.
2ــ التركيز التقانى على الحوار كمعنى وكآلية.
3ــ التفاعل الإبداعى فى توليد الانعكاسات الإيجابية الممكنة للحوار على أوضاع القلق المجتمعى ومستقبليات الوطن.
• • •

أولاــ القلق المجتمعى كقوة دفع:
عادة، فى الأوضاع التى تخرج عن إطار السيطرة يبرز القلق كحالة مزاجية ناجمة عن الضغوط المصاحبة.
وفى حالة أن يتحول القلق إلى ظاهرة مجتمعية يتولد خليط من التداعيات السلبية. بعض السلبيات تنبع من محاولة الذات الخاصة (الفردية أو الفئوية) حماية نفسها، مما قد يفاقم من التطرف فى التوجهات والسلوكيات ويؤدى إلى تفتت مجتمعى. وفى المقابل، ينشط حس إيجابى، عند بعض النابهين، بضرورة المجابهة من أجل حماية المجتمع ككل.
الاتجاه إلى تغليب التوجه الإيجابى على التوجه السلبى يكون عادة قابعا فى اللا وعى العام من خلال الإدراكات الفطرية بتحسن فرص الاستقرار الفردى فى ظل الاستقرار المجتمعى. فى هذا الحس يكمن سر الاستجابة «العمومية» للدعوة المطروحة بمسمى الحوار الوطنى، كرد فعل على ظاهرة القلق المجتمعى، والتى تمكنت ــ إلى حد ما ــ من الجميع.
من هذا المنظور يكون نجاح الحوار رهنا بمساهمته فى معالجة أسباب القلق المجتمعى وتصحيح الخلفيات والسياقات التى أدت إليه.
وإذا كان الجوهر المسبب للقلق المجتمعى يتمثل فيما وصف بأنه «الأزمة الاقتصادية»، فإنه يجدر الانتباه إلى أن عملقة هذه الأزمة قد جرت من خلال أسباب لم تكن فقط مشاركة فى صناعة الأزمة، بل وأيضا مساهمة فى رفع مستوى «الحساسية المجتمعية» لمخاطرها. وغنى عن البيان أن هذه أسباب تأتى على غرار:

ــ قيادة الأعمال فى الحكومة وهيئاتها ــ فى أحيان عديدة ــ بواسطة عناصر غير ذات دراية بالسياسة كفكر و/أو كممارسة.
ــ تصاعد متسارع فى مديونيات الدولة، ثم الاتجاه إلى بيع (و/أو خصخصة) أصولها.
ــ تحجيم ملحوظ فى مجالات السياسة والإعلام.
ــ التفاقم فى إشكاليات حياتية يومية تمس عموم المواطنين والمواطنات (كالتدهورات فى التعليم والارتفاعات فى الأسعار).
ــ الإحساس بقدر من التعارض (و/أو الغرابة) بشأن النمط المتسيد فى النشاط التنموى (فيما يتعلق بالعقارات واقتلاع الأشجار وهدم المقابر... إلخ)، بالمقارنة باحتياجات الإنتاج والتعليم والصحة.
وبقدر ما يمثل «الحوار» الوسيلة الكبرى فى الارتقاء إلى إنجاز أحسن حلول ممكنة، إلا أن التأخر فى ممارسته يرفع من تكلفة التوصل إلى الحلول. وللتدليل على ذلك يبرز التساؤل: هل لو كانت الظروف قد سمحت بالحوار فى أوقات سابقة (منذ 2012 وحتى 2018) كان من الممكن أن تستفحل المشكلات الاقتصادية إلى ما وصلت إليه؟

ثانيا ــ الحوار كمعنى وكآلية
بينما يمثل «الحوار» الوطنى الجسر المنطقى للتوصل إلى حلول للأزمة، فضلا عن تصحيح ما يكون فى مصاحبتها من مسببات أو توابع، فإنه (أى الحوار) يكون فى الأساس وسيلة فنية (أو تقنية). هذا الاعتبار يتطلب أن يُدار الحوار بالمستوى اللائق من الحرفية Professionality.
هنا يجدر جذب الانتباه إلى أن الحوار يعنى ممارسة المتحاورين للتشارك فى الاستكشاف حتى يصلوا معا إلى مستوى جديد من الفهم. وعليه، للحوار أخلاقياته وضوابطه، والتى تكون على غرار:
ــ الممارسة الجيدة للتفكير المشترك.
ــ السعى للحقيقة، وليس المناظرة أو الإقناع.
ــ تجنب التعميم.

ــ الابتعاد عن المناورة.
ــ احترام خصوصيات الآخر.
ــ بذل الجهود لتوليد الإيجابيات الممكنة.
بمعنى آخر، يكون من شأن الحوار الحقيقى تعظيم التوصل الجماعى إلى إمكانات تغييرية فاعلة. هذا التحول (أو الكسب) يمثل القيمة المضافة التى يفرزها الحوار، والتى لا تُنجز إلا بتجنب دوامات هدر الوقت وتعميق الصراعات. وفى كل الأحوال لابد أن يكون للحوار قوانين يضعها المتحاورون ويقبلون الالتزام بها.

ثالثا ــ دور الحوار فى معالجة القلق المجتمعى وتحسين المستقبليات الوطنية:

من المفارقة التى تدعو للانتباه والتفكر أن جاء مطلب الحوار من السلطة القائمة، وليس من المعارضة السياسية.
من جانب آخر، تجدر الإشارة إلى نموذج تاريخى يدلل على نجاح الشعب المصرى فى إنجاز التقدم بالاعتماد على الحوار كمدخل، ونقصد ممارستهم لحرب الاستنزاف (1967ــ 1973)، والتى جاءت مصاحبة لأول انتفاضة طلابية (أو شبابية) فى عهد عبدالناصر (24 فبراير 1968). لقد أدت هذه الانتفاضة إلى حوارات وطنية (وبممارسة ديمقراطية) توصلت إلى صدور «بيان 30 مارس».
هذه الخبرة تقول إنه إذا مورس الحوار الوطنى بطريقة مناسبة تكون عائداته الإيجابية ممكنة.
وأما بخصوص «الحوار» كأهداف جزئية وكعائدات مأمولة، يحتاج الأمر إلى مقاربات على غرار ما يلى:
1) التوصل إلى «فتح» مناسب لبوابة التفكير الوطنى فى المستقبليات، وهو أمر يتطلب:
ــ التوقف عن سلاسل الإنكار المتبادل بين السلطة والمعارضة.

ــ دعم مجتمعى للحوكمة التنموية، والتى تشمل تشارك أصحاب المصلحة من عموم الناس فى تقييم إجراءات الحكومة.
ــ تقليص سطوة دوائر النفوذ فى التأثير على مجريات أمور الدولة (مثل عدم تنفيذ حكم محكمة النقض بشأن أحقية أحد المرشحين بعضوية البرلمان فى الدورة السابقة، وأيضا مثل سوء استخدام الحبس الاحتياطى).
ــ تحسين وضعية الإعلام بتنشيط مهامه الاستقصائية.
ــ إخضاع كل ممارسات الدولة للشفافية الصرفة، وخاصة تلك الأمنية المتعلقة بالشارع السياسى الوطنى.
2) استقبال أمانة الحوار لرؤى ومساهمات كل الكيانات والروابط الوطنية بشأن الحوار الوطنى.
3) إصدار أمانة الحوار لبيان عام بشأن مخرجات الحوار، بالاعتماد على مجمل حركياته وما يكون قد ورد إليه من مساهمات.
4) أهمية عمل Pause (أى توقف) لأية إجراءات، بين الحكومة والكيانات الأجنبية، مما قد تكون لها انعكاسات على وضعية الأزمة الاقتصادية (والتى من المفترض أنها موضوع الحوار).

• • •
ختامًا، فى ظل المرجو من آمال فى «الحوار الوطنى» يجدر الحذر من تحوله من حوار حقيقى إلى مجرد مؤتمر (تقليدى).

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved