مكاسب أن تعيش مخالفًا
سامح فوزي
آخر تحديث:
الثلاثاء 2 يوليه 2024 - 6:40 م
بتوقيت القاهرة
أسمع من كثيرين مقولة غريبة: أن تعيش مخالفًا أفضل من أن تكون ملتزمًا بالقوانين واللوائح. وهى عبارة غريبة، وضد مفهوم الدولة ذاته. بالطبع أن تمارس نشاطًا مخالفًا له تبعاته، لكن على ما يبدو له مكاسبه. الأمثلة كثيرة.
هناك قرار حكومى الآن بغلق المحال التجارية الساعة العاشرة مساء، والمطاعم والكافيهات الساعة الثانية عشرة مساء، وذلك بهدف ترشيد استخدام الكهرباء، فى حين أن الشوارع تعج بالباعة المتجولين، وعربات بيع الأطعمة والمشروبات، التى تسرق التيار الكهربائى، ولا تتقيد بأى قوانين أو لوائح أو قرارات، ولا تدفع ضرائب أو رسومًا ولا تستفيد الدولة بشىء من جراء ممارستها لأنشطتها، وتعتمد على الرشاوى أو «الترضيات المالية» للعاملين فى الأحياء. وبينما تدفع المحال ضرائب، أو يُفترض هكذا، وتسدد قيمة استهلاك الكهرباء، فإن المخالفين فى الشارع لا يتحملون أية أعباء رسمية، ويحصدون المكاسب نظرًا لأنهم مخالفون، ولا تنطبق عليهم مواعيد العمل المقررة للمحال التجارية.
مسألة أخرى، تمضى سيارة فى الطريق، قد يستوقفها ضابط المرور، وتسدد غرامات إذا خالفت القانون من حيث تجاوز السرعة المقررة أو عدم ارتداء السائق حزام الأمان أو وجود خلل فى السيارة أو ترك المركبة فى الممنوع أو ما شابه حسب القوانين واللوائح، ولكن إذا مر بجوارها «توكتوك» فلن يلتزم بأى قوانين أو لوائح منظمة للمرور، بل يسير عكس الاتجاه عيانًا جهارًا، ويعطل حركة المرور دون رادع أو عقاب بل ويتسبب فى حوادث دون تحمل أية مسئولية. خذ مثالا على ذلك سائقو «التوكتوك» يقفون بالقرب من القصر الجمهورى بالقبة، ويسيرون حوله، ويسرعون عكس الاتجاه فى الشوارع الرئيسية المؤدية إليه مثل شارع «مصر والسودان»، وشوارع أخرى، ليس وحدهم، بل وأصحاب الدراجات البخارية كذلك، وكم من حوادث تحدث من جراء ذلك، ولا أحد يحاسب سائق «التوكتوك»، وبخاصة إذا كان دون السن القانونية، وأحيانا يكون طفلاً.
حالة أخرى، أن تكون لديك سيارة خاصة تمثل أزمة فى مجتمع مزدحم، لا تجد مكانًا تترك فيه سيارتك. الشخص الملتزم يتجه إلى جراج عمومى مهما كان مرتفع التكلفة، ولكن الشخص المخالف يتجه إلى «سايس» يسيطر على عدة أرصفة يترك سيارته عنده، وهو آمن أنه لن يحصل على مخالفة، لأن السايس «مرتب أموره»، ونظرا لموجة التضخم السائدة، فإن «السايس»، الذى أحيانا ما يكون شخصًا أمضى عقوبة جنائية، أو مسجلاً جنائيًا، يرفع قيمة ما يتقاضه، والذى بلغ فى بعض الأماكن ثلاثين جنيها أو أكثر، وفى كل الأحوال هو أقل مما يدفعه الشخص «الملتزم» إذا استخدم جراجًا عموميًا مرخصًا.
مثال آخر، صاحب صيدلية يشكو من ارتفاع أسعار الدواء واختفائه، وفى رأيه أن يكون مخالفًا أفضل من أن يكون ملتزمًا، نفس الكلام يردده صاحب سوبر ماركت، يؤكد أنه سوف يخسر حتما لو التزم بالقوانين واللوائح فى كل شىء، والأفضل بالنسبة له أن يكون مخالفًا، تماما مثل المقاهى غير المرخصة، والعمارات غير المرخصة، ومصانع وورش بير السلم غير المرخصة، وهى لا تلتزم بأى قواعد أو تدفع ضرائب أو تأمينات عن العاملين فيها، ولا أحد يحاسبها أو يأخذ حقوق الدولة منها، اللهم إلا بعض العاملين فى المحليات الذين يعرفون مدى المخالفات التى يمارسها هؤلاء، وبدلا من معاقبتهم، وتمكين الدولة من الحصول على حقوقها منهم، يتركونهم فى مخالفاتهم نظير ما يحصلون عليه من رشاوى ومبالغ شهرية ثابتة. بالتأكيد الاستيلاء على الأرصفة، وافتراش البضائع فى الشوارع العمومية لا يحدث فى غفلة من أجهزة الدولة، بل إن سؤال هؤلاء الباعة يكشف لك أنهم يسددون مبالغ شهرية إما لشخص متنفذ (ممكن يكون بلطجيا بالمناسبة)، أو يدفعون مبالغ محددة مباشرة للعاملين فى الأحياء، أو للاثنين معا.
كل ذلك يعنى أن المخالف أفضل، خاصة إذا كان متمرسًا على المخالفة، والملتزم يتحمل عبئًا ماديًا، ونفسيًا لالتزامه فى بيئة ينتشر فيها مفهوم المخالفة.