الاستعداد لصندوق النقد الدولى

ماجدة شاهين
ماجدة شاهين

آخر تحديث: الجمعة 2 أغسطس 2013 - 9:00 ص بتوقيت القاهرة

سيعود الاتفاق مع صندوق النقد الدولى ليطارد الحكومة الجديدة وسيشغل حيزا لا بأس به من مداولات المجموعة الاقتصادية. وعلى الرغم من أننى أؤمن بأن الهم الأول للحكومة الجديدة هو استعادة الأمن والأمان للمواطنين، فإنه ما من شك أنه يقع على عاتقها وخلال التسعة أشهر القادمة تعديل مسار الدولة ووضعها على الطريق الصحيح.

فإنه على هذه الحكومة استعادة مصداقية مصر إقليميا ودوليا، عربيا وأفريقيا بعد أن أضعنا الكثير بسياسة مبهمة فى غير صالح مصر والمصريين. ومن هنا تصبح المهمة الثانية للحكومة الجديدة هى الشروع فى الإصلاح الاقتصادى سواء كان ذلك من خلال الصندوق أو عن طريق برنامج وطنى تمهيدى وأكثر تدرجا استعدادا للتفاوض مع الصندوق.

وليس المعنى هنا من استعادة الأمن هو أن يسير المواطن فى أمان فى بلده لا تخشى المرأة انتهاك عرضها أو سرقة حقيبتها ولا يخشى الرجل على حياته، فإن هذا هو أضعف الإيمان. إن ما أعنيه هنا باستعادة الأمن والأمان هو تمهيد الطريق من جديد لتفعيل دولة المؤسسات، دولة لا يشوبها ثقافة الكراهية ولا يعيش شعبها فى تناحر وعداء مهين والتى نجحت جماعة الإخوان المسلمين فى زرعه فى مصر خلال العام المنصرم.

فإننا اليوم نحصد حصاد سنة كاملة من التشرذم والكراهية بين شعب لم يعرف الدموية والتحريض من قبل. فإن دولة الأمن والأمان بمفهومها الموسع هى أن يعود العامل لمصنعه، أن يعود الطالب لجامعته، أن يعود رجل الأعمال ليستثمر فى مصر ويعيد الطمأنينة فى قلب المستثمر الأجنبى، فإن دولة الأمن والأمان هو أن تعود عجلة الإنتاج إلى الدوران وأن يستعيد الشارع المصرى نبضه ويعمل من أجل البناء والتشييد وليس البطش والتخريب.

●●●

وقد يذهب الكثيرون للقول إلى أن ما حصلنا عليه من دعم من أشقائنا العرب يغنى تماما عن الصندوق وقرضه الهزيل. وإذ أرى وجاهة مثل هذا الرأى، فإنه قد يتسم بعدم النضج. وطالما كنت أتباهى بحنكة سياستنا الخارجية، فى حين أننا نفتقد لمثل هذه الحنكة فى سياستنا الاقتصادية التى كثيرا ما كانت تتسم بالتخبط فى التوجه الواجب سلوكه وعدم وضوح الرؤية. فإن على الحكومة الجديدة التأهب ــ وبكل جدية ــ للمفاوضات مع الصندوق.

فإن هذه المفاوضات هى بمثابة الدواء الواجب ابتلاعه للخروج من غرفة الإنعاش، وإلاّ ظل المريض ملازما لهذه الغرفة يترنح من أزمة إلى أخرى ويعيش على التنفس الصناعى أى منتظرا ما يضخ له من مساعدات بين الحين والآخر. وهو ما يحتم علينا التوصل إلى اتفاق مع الصندوق إن عاجلا أم آجلا.

وبغض النظر عمّا إذا كان لهذه الحكومة أن تبادر بالتفاوض مع الصندوق من عدمه، أو ما إذا كان الصندوق نفسه على استعداد لخوض المفاوضات مع هذه الحكومة المؤقتة، فإن هذا ليس مربط الفرس. فإن على الحكومة الجديدة أن تكون على استعداد لتقديم التضحيات. وعلى نحو ما كتب الدكتور زياد بهاء الدين نائب رئيس الوزراء على صفحته معطيا كل الحق للشباب الذين تساءلوا عن قيمة تضحياتهم، إن كانت النخبة غير مستعدة للتضحية وأخذ المخاطرة والتصدى لمواجهة المشاكل وتقديم البديل.

وجاء رد الدكتور بهاء الدين مؤكدا على استعداده للتضحية وعدم الاستسلام لليأس مستطردا أنه إلى أن تأتى انتخابات قادمة فلا يلزم أن يدفع البلد الثمن فى اقتصاده واستقلاله وفرصة مواطنيه فى حياة أفضل. وإننى على قناعة تامة من أن كل وزير أتى إلى هذه الوزارة وهو يعرف أنه يحمل فى عنقه مهمة شاقة لأخذ هذا البلد إلى بر الأمان وأنهم جميعا دون استثناء على استعداد للتضحية للوصول بهذا البلد إلى العدل والتوافق والتنمية وفقا لما ذكره زياد بهاء الدين.

●●●

فإذا لم يستجب الصندوق للمفاوضات، وهذا أمر محتمل، فإن على الحكومة الجديدة أن تشرع فى اتخاذ خطوات جادة وملموسة ــ وإن كانت قاسية ــ على طريق الإصلاح تسليما للراية مرفوعة شامخة لمن يليها. ولنذهب بعدها إلى الصندوق لنصرخ فى وجهه أننا اتخذنا الإجراءات التصحيحية اللازمة والكفيلة بوضعنا على الطريق السليم، والآن على الصندوق أن يدفع الثمن ويقوم بمباركة برنامج الإصلاح المصرى الخالص. وفى هذا السياق يتعين على الحكومة القيام بما يلى:

أ ــ وضع الإطار الوطنى لتنفيذ برنامج الإصلاح والذى يستلزم التحاور والتشاور مع جميع أطياف المجتمع، رجال الأعمال والمنظمات غير الحكومية والأحزاب دون إقصاء أحد. واسمحوا لى أن أؤكد هنا أن عدم الإقصاء لا يعنى منح حق الفيتو لأى من هذه الأطياف، بل إلزامها أولا وأخيرا بالاندماج فى النسيج الوطنى وبما يخدم هذا الوطن ولا يعرقله، فإن التوافق الذى ننشده لا يعنى الإجماع إنما يعنى سيادة الأغلبية الراغبة فى النهوض بالوطن.

ب ــ اتخاذ إجراءات تعويضية جادة لحماية المهمشين ومحدودى الدخل، وهى جزء لا يتجزأ من برنامج الإصلاح ومتسقة معه، الأمر الذى يتطلب تدارس تفاصيل الدعم وتعريف واضح ومتفق عليه لمحدودى الدخل ووضع معايير واضحة ومحددة لمواجهة الاحتياجات الأساسية لمستحقى الدعم.

جـ ــ وأفضل سبل التعويض وأكثرها شفافية هى التعويض عن طريق تحويل مبالغ نقدية للمستحقين والابتعاد التدريجى عن الدعم غير المباشر من خلال الانخفاض المصطنع للأسعار.

د ــ أمّا المطلب الثانى بالنسبة لرفع دعم الطاقة ــ والحكومة ليست غائبة عنه ــ فهو التركيز على تلك الفئات التى تستطيع تحمل ارتفاع أسعار الطاقة دون المساس بالصناعة ومن ثم مستوى العمالة.

هـ ــ وبالنسبة للحوافز التى يتعين على الحكومة مراعاتها، فإنها تتمثل فى ضخ استثمارات ضخمة لخلق فرص عمل جديدة وتحقيق معدلات النمو، الأمر الذى يستدعى إعادة إحياء المشاركة بين القطاع الخاص الوطنى والقطاع العام، وبما يعمل أيضا على تشجيع الاستثمارات الأجنبية. ولا شك أن الاستثمار فى الشركات الصغيرة والمتوسطة سوف يساهم كثيرا فى خلق فرص عمل جديدة اقتصادنا فى أمس الحاجة إليها.

وأخيرا، إن الاتفاق مع صندوق النقد الدولى غير قابل للتجزئة، فإن شهادة الثقة التى نستهدفها لا يمكن الحصول عليها بمنأى عن الإصلاح.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved