هل هو عنصرى بطبعه؟

حسام السكرى
حسام السكرى

آخر تحديث: الأحد 2 أغسطس 2015 - 6:00 ص بتوقيت القاهرة

جلس الداعية ذائع الصيت وسط مريديه يقص عليهم طرفة عن هندى أصابته ضربة شمس عند بيت الله الحرام، وعندما أفاق فى المستشفى، ظن أنه فى الجنة وأن الممرضات الفيليبينيات هن حور العين.

الداعية الذى خلب ألباب المصريين بحديثه عن أفضال مصر، واليمنيين بحديثه عن أفضال اليمن، والسوريين بحديثه عن أفضال الشام، استجلب الضحك من مريديه بتقليد لهجة الهندى وهو يدعو الله بالعربية، ثم سخر بعنصرية فجة من رائحته، فوصفه عندما أفاق قائلا: «المسكين شم الريحة (فى المستشفى).. طبعا هى ريحة ديتول.. لكن أحسن من ريحته يعنى.. فظن أنه فى الجنة».

مشكلتى ليست مع عنصرية المتحدث، بقدر ما هى مع ضحكات مريديه، ومع الجهل الذى يجعلنا لا نرى العنصرية إلا فى غيرنا.

الأمم الجادة فى رفض العنصرية، تضع التدابير والقوانين التى تجرم التعصب والتحيز ضد أى إنسان بسبب اختلاف العرق والجنس والعقيدة. «زلة لسان» كالتى قالها الداعية لم تكن لتمر مرور الكرام، لو صدرت عنه فى دولة من الدول التى يحلو لنا اتهامها بالعنصرية. لا هى ولا ما حدث فى برنامج تليفزيونى يشاهده الملايين فى مصر، عندما سب أحدهم لاعب كرة بسبب لونه، ووجه له إهانة عنصرية تربط بين سمار بشرته وبين مهنة شريفة هى مهنة البواب. حدث هذا فى حضرة مذيع «موالس» ومبتسم وسعيد، بادر إلى تبرير عنصرية ضيفه و«تمرير» الإهانة. المشكلة هنا ليست فى الفجاجة التى صارت مكونا أساسيا لكثير مما يقدمه لنا إعلامنا، بقدر ما هى فى غياب الوعى الاجتماعى بخطورة العنصرية.

مر المشهد مرور الكرام دون أن يزعج المشاهدين. وموالسة المذيع لم تثر حفيظة زملاء المهنة أو من يفترض أنهم مسئولون عن مستوى ما يعرض على شاشات التليفزيون. نقابة المحامين التى ينتمى إليها الضيف، ونقابة الإعلاميين المشكلة تحت التأسيس، واتحاد ملاك القنوات التليفزيونية، وأصحاب المحطة لم يفكروا لحظة فى التعليق، أو الاعتذار للجمهور قبل اللاعب، أو التحقيق فى المسألة أو التفكير فى وضع ضوابط تمنع تكرارها. فى مجتمع صحى وواع، تتحرك هذه الجهات فى اللحظات الأولى، لتدين وتعتذر وتعاقب.

لم يتحرك أحد لأن العنصرية ليست ممارسة مستهجنة فى مجتمعنا. برنامج إبرة وخيط على قناة سات ٧، عرض منذ أسابيع لقاء عابرا مع أطفال سودانيين هاجروا مع عائلاتهم إلى مصر. كلهم بلا استثناء، تحدثوا عن الضرب والإهانة التى يلقونها فى الشارع، والتى تطول أهاليهم، فقط لأنهم سمر البشرة. وهل ننسى ما حدث فى 29 ديسمبر 2005 تحت حكم حسنى مبارك عندما قتلت الشرطة سبعة وعشرين لاجئا سودانيا (ويقال أكثر) فى ميدان المهندسين فى قلب القاهرة، وسط مباركة أهل الحى الراقى، وموالسة من أجهزة الإعلام والصحف، ودون أن ينزعج أو يشعر بالقلق أحد.

هل يا ترى حان الوقت لإدراج العنصرية ضمن مناهج الدراسة؟ هل حان الوقت لأن يقوم الأزهر ووزارة الأوقاف بتوجيه الدعاة وخطباء المساجد لكى يربطوا حديثهم المتكرر عن الناس الذين هم سواسية كأسنان المشط، بالعنصرية التى تطالعنا من كل جانب؟ هل حان الوقت لنقرر بوعى أن نكون بشرا كالبشر؟

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved