تفاؤل حذر بشأن سوريا

رابحة سيف علام
رابحة سيف علام

آخر تحديث: الأربعاء 2 سبتمبر 2015 - 7:25 ص بتوقيت القاهرة

فى تاريخ الحروب حيث يأخذ العنف دورته من الصعب أن يتم وقفه فورا، وإنما لابد أن تتوفر الظروف المواتية لوقفه سواء دائما أو مؤقتا. وفى بلد بأهمية وموقع وتعقيدات سوريا لابد أن تتوفر هذه الظروف على مستويات ثلاثة: محلى وإقليمى ودولى. وهنا تبدو المشكلة أكثر تعقيدا واعتمادا على عوامل هشة وسريعة التغير. ومع ذلك يمكن القول إننا اليوم بصدد بعض المؤشرات التى قد تنذر بالتفاؤل إزاء وقف العنف بسوريا أوعلى الأقل كبح جماحه تدريجيا.

ثمة بعض التداخل على المستويين الدولى والإقليمى، من جهة جاء الاتفاق النووى الايرانى الغربى ليعزز فرص التفاؤل بشأن كبح الطموح الإيرانى فى المنطقة بالأخص نوويا. فمع صمود الاتفاق ومروره بمراحل التصديق المختلفة خاصة داخل ايران، يمكن توقع بعض التطور بسلوك ايران بالمنطقة وبالأخص فى سوريا. ولكن لا يمكن الجزم بأن إيران ستقبل باستبدال الاسد ضمن لعبتها للتحالف والسيطرة على كل من سوريا ولبنان.

من جهة ثانية، بدا أن المفاوضات القائمة بين السعوديين والروس حول المنطقة وفى قلبها سوريا قد قاربت مرحلة استعراض الحلول والبدائل وفى ذلك مدعاة للتفاؤل أيضا. فالروس غير حريصين على استمرار الأسد بشخصه ولكن ما يهمهم هو استمرار مصالحهم فى عقود التسليح والبنية التحتية المدنية والطاقة. والسعودية قادرة على تقديم ضمانات جادة لمرحلة ما بعد الأسد، ومن ثم فالتفاهم الروسى السعودى قد ينعقد بالفعل ضمن صفقة أثمان متبادلة تضم سوريا واليمن وربما مناطق اخرى.

من جانب ثالث، يأتى الاتفاق الأمريكى التركى على استخدام قواعد عسكرية تركية فى الضربات الجوية للتحالف الغربى العربى ضد داعش. وهنا حصل الأتراك على رخصة دولية لضرب معاقل حزب العمال الكردستانى ــ وفى ذلك مصلحة قومية وأخرى انتخابية لهم ــ ولكنها رخصة مشروطة بمدى انخراطهم فى قتال داعش جوا وبرا ــ عبر تطويق نفوذها وشبكاتها المتشعبة داخل الحدود التركية بمحاذاة سوريا. وهنا تبرز أخيرا جهود تركية متصاعدة للإيقاع بمجندى الدواعش قبل عبورهم إلى سوريا. أما مسألة المنطقة الآمنة التى تريدها تركيا بمحاذاة حدودها، فمن الصعب انجازها عنوة دون موافقة ضمنية من إيران. وقد تقبل بها ايران بالفعل فى معرض البحث عن تهدئة مشابهة فى مناطق الساحل أو مناطق محاذية للبنان. وإذا وصلنا بالفعل لذلك، حينها ستكون جميع الأطراف بصدد التهدئة وصولا للحل السياسى.

***
أما على المستوى المحلى، فالمعارضة المسلحة حققت مكاسب حقيقية وأدارت الارض الجديدة التى كسبتها بأداء أفضل من ذى قبل. جيش الفتح ضرب المثل فى إدلب والتجربة بصدد إعادة انتاجها فى مناطق أخرى. وجبهة النصرة صارت أكثر وعيا بحساسية الغرب تجاهها وأصبحت تقبل بتقاسم الأدوار مع كتائب أكثر اعتدالا كالجبهة الشامية وربما أيضا أحرار الشام. أما وقف اطلاق النار المتبادل بين الزبدانى بريف دمشق والفوعة وكفريا بإدلب فهو يدعو للتفاؤل لعدة أسباب. أولا لأن المقاتلين هم من فاوضوا، وليس معارضة الخارج التى تطلب تفويضا مطلقا من المقاتلين للتحدث باسمهم ثم قبول مخرجات مفاوضاتها. ثانيا أن الكتائب قد فاوضت الإيرانيين مباشرة وفى ذلك نقطة جيدة لأن أى اتفاق مع الأسد أو نظامه فقط ليس بوارد التطبيق. فإيران صاحبة القرار فى سوريا بشكل شبه مطلق، وأى استبعاد لايران من التفاوض يعنى إسقاط الجدية عن المفاوضات. ثالثا والأهم أن المفاوضات الجزئية الصغرى فى الميدان قد شملت منطقتين فى محافظتين متباعدتين نسبيا، مما يعنى درجة أرقى من التنسيق بين الكتائب المسلحة، وهذا أمر حسن. ورعاية تركيا لهذه المفاوضات يعنى أنها تقبل بإيران كلاعب يأخذ منه ويرد ولابد أن تتم مخاطبته بشكل مباشر. ولكن هل تقبل السعودية بذلك؟ هنا تكمن المعضلة.

***

نحن الآن أمام نفس المباراة بين نفس اللاعبين ولكن بتوزيع أكبر للأدوار بين أعضاء كل فريق. أمريكا وتركيا تفاوضان إيران والسعودية تفاوض روسيا، ثم إيران ــ لكونها حاضرة دوليا وإقليميا ومحليا بنفس الوقت ــ قد فاوضت كتائب المعارضة القوية. هنا يُعاد ترتيب الأوراق بما يشى ببعض التفاؤل ويعد بتغيير بتوازن القوى فى سوريا. لكن يبقى السؤال عن مصير الأسد؟ وهنا تجيبنا مذبحة دوما التى ارتقى فيها أكثر من 110 شهداء من المدنيين. هكذا يحب الأسد أن يثبت وجوده فى زحمة المفاوضات الجارية الآن حول مصيره ومستقبل سوريا. أراد أن يُذكر الجميع ــ حلفاءه قبل خصومه ــ أنه يمتلك سلاح المذابح ليُربك المفاوضين الكُثر بشلال جديد من الدماء البريئة.

***
أما داعش المتمددة يوميا، فرغم عدائها مع الجميع إلا أنها تملك الاستفادة من تناقضات الجميع لتحقق مكاسبها. فهل تجب مواجهة داعش قبل اتفاق الحل السياسى أم بعده؟ إذا كانت المواجهة سابقة للاتفاق، فلن تشمل الجميع فى صف واحد، فالسعودية لن تتعاون مع إيران بشكل مباشر لدحر ذات الخطر التكفيرى المؤرق لهما معا. أما إذا كانت المواجهة بعد الاتفاق، فمن يضمن أن داعش لن تفسد تطبيق الاتفاق أو تستفيد منه وتتمدد على حساب الجميع. الافضل أن تستمر مواجهة داعش قبل الاتفاق وبعده، قبله عبر جبهات متفرقة وبعده عبر جبهة موحدة ممن يستفيدون من اتفاق الحل. مع بقاء فرضية أن من سيخرج خاسرا من هذا الاتفاق قد يسعى للتحالف الضمنى مع داعش لإفساد الاتفاق على الجميع. رغم تعقد الصورة وتشابك خيوطها، يلوح بعض التفاؤل الحذر يمكن حتى للمتشائمين إبصاره.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved