سؤال اللحظة الراهنة

علي محمد فخرو
علي محمد فخرو

آخر تحديث: الأربعاء 2 سبتمبر 2020 - 8:45 م بتوقيت القاهرة

لا يحتاج الإنسان لأن يدخل فى ذكر تفاصيل عوامل البؤس والانحطاط والتشرذم، فى كل المستويات وعلى كل الساحات الحياتية، التى تعصف بجل مجتمعات الوطن العربى، فهى ماثلة أمامنا، ونعيشها يوميًا، ونتجرع مراراتها، ونشعر بعار عجزنا عن الوقوف فى وجهها. ومما يضاعف من عمق وألم تلك المآسى هيمنة العوامل الخارجية وتحكمها فى مسار العوامل الداخلية وفى عرقلة كل محاولات إصلاحها.
ما نقوله لا يندرج فى تجاذبات بكائيات التشاؤم أو اليأس وإنما مواجهة موضوعية وصادقة مع النفس لحالة مجتمعية عربية أصبحت خارج المنطق وخارج معقولية وإمكانية التعايش معها، مهما كانت الذرائع والمبررات التى يتشدق بها أصحاب النفوس الفاقدة لكل كرامة.
ما عاد من الممكن التعايش مع الصراعات والمماحكات العبثية المجنونة فيما بين بعض أنظمة الحكم العربية، ولا التعايش مع ترك حل كل مشكلة عربية فى يد قوى الخارج الاستعمارية والصهيونية أو الإقليمية، ولا التعايش مع الشلل الذى أصاب النظام العربى القومى المشترك، ولا التعايش مع السماح لهذه الدولة العربية أو تلك لأن تخيط وتبيط كما تشاء فى القضايا القومية المشتركة، ولا التعايش مع الفشل الذريع لمواجهة العنف الإرهاب الجهادى التكفيرى المفترى على الإسلام، ولا التعايش مع انكشافات الأمن العسكرى والغذائى والمائى والتكنولوجى... أصبح التعايش مع كل ذلك أو حتى بعضا منه جريمة بحق أنفسنا وخيانة للأمانة بحق أجيال المستقبل.
ومما يزيد من هول المشهد هو عدم وجود دلائل، من أى نوع كان، تشير إلى إدراك الأنظمة الرسمية والمجتمعات المدنية لفظاعة وحجم المخاطر التى تنتظر الجميع فيما لو استمرت تلك العوامل وعشرات كارثية غيرها، تلعب بمقدراتنا وتقودنا إلى خارج التاريخ والعصر الحضارى للإنسانية.
دعنا مؤقتا نضع جانبا الحلول المعروفة والضرورية، من مثل الديموقراطية والعدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد والتجديدات الثقافية والفكرية والتنمية الاقتصادية وغيرها، ولنطرح هذا السؤال: ما هو العامل الذى إن عجزنا عن تفعيله فى واقع الحياة العربية فستظل كل تلك الحلول علاجات جزئية قابلة لانتكاس من قبل الاستبداد والفساد الداخلى، وللاستباحة من قبل القوى الخارجية الطامعة فينا؟ والجواب، سواء فى الماضى أو الحاضر أو المستقبل، هو الاتفاق على، والعمل من أجل نوع ومدى ومحدودية المشترك الضرورى اللازم والملزم فيما بين أجزاء الأمة العربية الواحدة وفيما بين الوطن العربى الواحد.
منذ انهيار الخلافة العثمانية وقيام الدولتين الاستعماريتين، بريطانيا وفرنسا، ببلقنة الوطن العربى وتقسيمه فيما بينهما والقوى الاستعمارية والصهيونية، بكل أشكالها ومسمياتها ومشاريعها وتدخلاتها الاستخباراتية وألاعيبها وأعوانها فى الداخل، تساهم بحيوية فى نقل هذا الجزء أو ذاك من الأرض العربية من أزمة إلى أزمة. وهى تفعل ذلك فى الغالب من خلال استفراد بالجزء واستفادة من ضعفه ومن عدم وقوف مجاله الحيوى العربى القومى معه فى محنته ومقاومته.
ومن خلال كل ذلك استطاعت تلك القوى أن تخلق العداوات والصراعات فيما بين أجزاء الأمة من جهة، وفى إضعاف أو تدمير كل ما هو تضامنى توحيدى مشترك، وفى إيجاد بلبلة فكرية سياسية تمحو الذاكرة العربية الجمعية وتشكك فى كل مقومات الهوية العروبية الواحدة من جهة أخرى. وحتى الدين الإسلامى، الذى كان يلعب دورا أساسيا فى الحفاظ على الهوية العروبية ومقاومة الانسحاق أمام الاستعمار والصهيونية، استطاع الخارج أن يدخله بشتى الأشكال والصور الانتهازية فى دوامة العنف والإرهاب ليحطم أو يشوه سمعة هذا الجانب التاريخى الحضارى من مكونات الأمة.
لقد أدخلنا الاستعمار والصهيونية العالمية والمغامرون الانتهازيون الفاسدون فى الداخل فى تلك الحلقة المفرغة التى تدور حول نفسها منذ بدايات القرن العشرين، والتى تحتاج إلى تفكير وتخطيط وتنظيم وخطوات فعل لإيقاف دورانها من أجل الانتقال إلى رحاب تقديم هذه الأمة للعالم كمكونات متناغمة متعاضدة متوحدة فى مجالات الأمن القومى المشترك والتنمية الإنسانية والتعايش السلمى والمساهمات الحضارية.
لن يفيدنا فى اللحظة الراهنة تحليل واستشراف ما فى ذهن القوى المتآمرة علينا، وعلى الأخص قادتها المجرمون، طالما أننا عاجزون عن فعل شىء يصد شرها عن الأمة كلها. المطلوب هو تهيئة ما نصدُ به تلك الرياح العاتية التى تهب علينا من كل صوب، وهذا هو سؤال اللحظة الحالية الذى يجب أن يجيب عليه المفكرون والمثقفون والمناضلون العرب.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved