عفوا التعليم ليس «تجارة»

أشرف البربرى
أشرف البربرى

آخر تحديث: الأربعاء 2 سبتمبر 2020 - 8:55 م بتوقيت القاهرة

المتابع لتحركات الحكومة فى ملف التعليم خلال الفترة الأخيرة يرى أنها أصبحت تنظر إليه باعتباره «تجارة» تسعى من خلاله إلى زيادة حصيلتها المالية دون النظر إلى حقيقة أن التعليم فى الأصل خدمة وأمن قومى واستثمار بعيد المدى، ودون حتى النظر إلى جودة المنتج النهائى للعملية التعليمية بعيدا عن كل الكلام البراق والعبارات الرنانة التى تتردد على ألسنة المسئولين.
قبل أيام فاجأنا السيد وزير التعليم بتوقيع اتفاق مع إحدى شركات الاتصالات لإطلاق ما سموه «منصة الدروس الإلكترونية» التى تتيح لطلاب المدارس الوصول إلى محتويات المناهج التعليمية «بكل سهولة ويسر» بحسب بيان الوزارة، مقابل رسوم مالية سيدفعها الطالب من خلال الاشتراك فى خدمة تحويل الأموال الخاصة بهذه الشركة.
وإذا كان التعليم عن بعد صار أحد مكونات المنظومة التعليمية الرسمية فى مصر بسبب إجراءات مكافحة فيروس كورونا، وإذا كانت الوزارة قد قررت عدم طبع الكتب الدراسية، فإن الاشتراك فى هذه المنصة مدفوعة الثمن سيكون من الناحية العملية إجباريا، كما أن الاشتراك فى خدمة الإنترنت وامتلاك هاتف ذكى أو جهاز كمبيوتر سيكون إجباريا، ومن لا يستطيع أن يدفع المقابل فعليه أن يخرج من سباق التعليم فى مصر، ومع ذلك علينا انتظار إعلان الوزارة لتفاصيل عمل هذه المنظومة وتكلفتها بالنسبة للطلبة خلال الأيام المقبلة.
أما فى التعليم الجامعى فخرجت علينا الحكومة بجامعاتها الأهلية التى حددت لها مصروفات تعادل مصروفات الجامعات الخاصة مع تقديم «أوكازيون» فى الدرجات التى سيتم قبول الطلبة على أساسها. وبدلا من أن تأتى الجامعات الأهلية لتكون قاطرة لتحسين التعليم الجامعى والارتقاء به من خلال توفير خدمة تعليمية متميزة للطلبة أصحاب القدرات العقلية والعلمية المتميزة وليس أصحاب القدرات المالية، قررت الدولة النزول بالحد الأدنى للقبول بهذه الجامعات إلى أقل من الحد الأدنى للجامعات الخاصة بأكثر من 20 درجة.
ترجمة هذا الكلام أن الالتحاق بكلية الطب فى هذه الجامعات لا يحتاج إلى الحصول على أكثر من 90 فى المائة والالتحاق بكلية الصيدلة وطب الأسنان والعلاج الطبيعى يحتاج إلى 85 فى المائة والهندسة 75 فى المائة. فهل يتصور السادة المسئولون عن التعليم من حملة أعلى الدرجات العلمية وأصحاب الخبرات الدولية أن الطالب الذى لم يحصل على أكثر من 85 فى المائة فى امتحان حصل فيه أكثر من 30 ألف طالب على أكثر من 95%، يمتلك من القدرات العلمية والعقلية ما يؤهله لدراسة الصيدلة والطب، وأن الطالب الحاصل على 75 فى المائة يمكنه دراسة الهندسة وعلومها الأحدث، أما أن ما سيدفعه من أموال للالتحاق بهذه الجامعة يكفى ويغنى عن القدرات العقلية والعلمية؟
وفى الوقت الذى لا تمل فيه السلطة من الحديث عن ضرورة ربط التعليم بسوق العمل، نراها تنشئ كليات الصيدلة فى الجامعات الأهلية، رغم أن كل الأرقام تقول إن مصر لديها فائض فى الصيادلة، إلى الدرجة التى دفعت بعض المسئولين إلى التفكير فى إعادة تدريب بعضهم وتشغيلهم كأطباء بشريين، فما هو المبرر من إنشاء كليات صيدلة فى جامعات حكومية يقال إنها تستهدف الارتقاء بالتعليم الجامعى وتوفير خريجين تحتاجهم سوق العمل إلا إذا كانت الفكرة الأساسية هى تقديم «سلعة مطلوبة فى السوق» تحقق لهذه الجامعات العائد المالى بغض النظر عن الاحتياجات الفعلية للدولة.
يمكن للجامعات الأهلية أن تكون بالفعل قاطرة النهضة فى مصر إذا تخلت الحكومة عن إدارتها بمنطق «التجارة» وفتحت أبوابها أمام المتفوقين من طلبة الثانوية العامة دون النظر إلى إمكانياتهم المالية، وجعلت القدرات العقلية والعلمية للطالب هى الأساس فى الالتحاق بها، وليس قدرات والده المالية، خاصة وأنها قبل كل شىء جامعات حكومية مبنية بالمال العام وغير هادفة للربح كما يقال عنها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved