الزوج المدمن.. مأساة العصر

ناجح إبراهيم
ناجح إبراهيم

آخر تحديث: الجمعة 2 سبتمبر 2022 - 8:10 م بتوقيت القاهرة

كان يعمل باليومية فى بوفيه بمكتبة الإسكندرية، وهذا عمل جيد لأمثاله فى مكان محترم ومكيف ويتعامل مع أرقى الطبقات، كان يتأخر كثيرا ويتغيب أحيانا عن عمله كعادته، لأنه «مدمن حشيش وحريقة سجائر»، كل ما يكسبه ينفقه على الحشيش، فهو يحشش ثلاث مرات يوميا، طرد من عمله فى مكتبة الإسكندرية.
ذهب للعمل فى المقاهى، كان دوما يتأخر عن عمله ولا يكتفى بذلك بل يقصر فيه، كان يطرد من كل مقهى يعمل به، اتجه إلى تعلم التوك توك، علمه حشاش صديقه مقابل عدة جلسات حشيش للمعلم هكذا تحكى زوجته التى أصبحت حياتها فى جحيم مقيم، تعود من عملها لتجده ما زال نائما، يهاتفها تليفونيا قبل عودتها من العمل أن تقترض له مائة جنيه لا لينفقها على البيت ولكن «لزوم الحشيش والمزاج».
«الحشيش جبان» هكذا كانوا يقولون عنه، لأنه يجعل صاحبه جبانا، كنا نعد ذلك عيبا، بعد ظهور المخدرات التخليقية التى تؤز صاحبها أزا، تارة على القتل وأخرى على الانتحار أو جرح الآخرين. اعتبر البعض واهما أن الحشيش رحمة لأنه يجعل صاحبه هادئا ولا يفتعل المشكلات مع أحد هو فقط سعيد ومبسوط. تقر هذه الزوجة المكافحة السمراء مثل هذا المنطق ولكن بلغة بسيطة «زوجى جبان خارج البيت ويخاف من أى شخص يتشاكس معه»، ولكنه راجل فى
البيت علىّ فقط، إذا تخانق مع أحد يفش همَه فىّ، قليل الأدب فى البيت، أنا الوحيدة التى يمكن أن يؤذينى دون رد أو صد.
تستمر فى حكايتها: «زوجى بارد»، قليل الحيلة، لا يحسن التصرف فى شىء، أحيانا أريد الانفصال ولكن أبى يرفض ذلك لأنه يخاف علىّ بعد وفاته، أمى تدفع كل فواتير شقتنا الكهرباء والماء والغاز، كل فتره يقول لى: اذهبى عند أمك، يريد دوما أن أحضر له طعاما وأنا عائدة من عندها، وكأنه لا يكتفى برعايتها لنا، ولكن يريدها أن تنفق عليه.
إذا جاءت خالتى وأعطت ابنى مبلغا من المال لمساعدتى فى العيش الكريم يريد أخذه، إذا أحضرت جارتى طعاما لطفلى يأكله دون شفقة بالابن الذى سيظل جائعا.
يفعل ذلك رغم حبه لابنه وقوله المتكرر «لو استطعت أن أقطع له قطعة من السماء وأهديها له لفعلت» ولكنها مشاعر فارغة المضمون، فهو لم يستمر فى أى عمل، سرعان ما يطرد منه، أو يتركه هو إن كان العمل شاقا، حتى عمل التوك توك وهو أسهل الأعمال ومواعيده سهلة على كل الأطياف ولكنه فشل فيه وطرد منه، وكما عبرت زوجته «مالوش رجل فى توك توك» لأن اهتمامه الأول والأخير بالحشيش، وأصحاب التكاتك يريدون الجاد والمجتهد الأمين المثابر وهو يفتقر لهذه الصفات.
بعد حملى تعبت جدا من العمل، كانت الدنيا تدور بى، أشفق والدى علىّ، جلست فى البيت وانكشف سترنا، تكفل والدى بى وبابنى الذى بلغ من العمر الآن عامين ونصف، كلما نظرت إليه أنسى الدنيا وهمومها وأحزانها، أعتبره هدية السماء لى.
الحمدلله، الجميع يساعدنى، الأطباء يتعاطفون معى ويكشفون علىّ مجانا، الصيادلة يتنازلون عن بعض ثمن الأدوية، الأقارب والجيران يساعدوننا كلٌ حسب طاقته، المجتمع المصرى فيه خير كثير ولولا ذلك ما استطعت العيش مع ابنى.
الكل يسألنى أين عقلك حينما تزوجتيه، ولماذا لم تسألوا عنه، والحقيقة أننا سألنا عنه فرد الجميع بلسان واحد: طيب وغلبان.
ما لم تقله إنها سمراء ولكن بتقاطيع جميلة، ويا ويل أصحاب البشرة السمراء الداكنة إذا عاشوا فى محافظة تضج بالشقراوات مثل الإسكندرية والتى يحفها البياض من كل النواحى، رشيد، إدكو، كفر الشيخ، الخ، فإما أن تكون لديها وظيفة قوية أو عائلة نافذة، أو أقارب طيبون يحب بعضهم بعضا ويحمى ويتزوج بعضهم بعضا.
أما السمراء الفقيرة قليلة التعليم فلها الله فى مثل هذه البيئات، وهذا ما حدث مع هذه الفتاة، فلو أن أهل الزوج يعلمون فيه خيرا ما زوجوه هذه المكافحة المسكينة، التى تكافح فى العمل والبيت معا.
لقد خلصت من كل التجارب التى خبرتها ورأيتها وتدخلت فيها للإصلاح أن هناك نوعين من الرجال لا يصلحون للحياة الزوجية، وهما المدمن والبخيل، وقد هزنى فى طفولتى رؤيتى لأحد جيراننا المدمنين وهو يبيع آخر سرير فى بيته ولولا كفاح زوجته فى تربية الطيور والحمام وبيعه ما علمت ولا خرجت أولادها الذين أكرمهم الله فأصبحوا على خير حال دينى ودنيوى بعد وفاة أبيهم.
• وكأن وفاة الزوج المدمن قد تكون رحمة لأسرته.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved