النظام المهجن

سامح فوزي
سامح فوزي

آخر تحديث: الأربعاء 2 أكتوبر 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

لا تصلح مواجهة الإخوان المسلمين، أو إعلان الحرب على الإرهاب أن تكون هدفا قوميا يلتقى حوله المصريون، وينسون أهدافهم العريضة فى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية. ولن يجدى على المدى البعيد وضع حفنة من الشباب فى مراكز صناعة القرار، أو حتى الدفع ببعضهم إلى مقاعد البرلمان، أو تخصيص كوتة لهم لأن ذلك لن يخفف من آلام أو يحقق تطلعات جيل من الشباب يبحث عن حياة كريمة. هذه جميعا حلول تجميلية لن تأتى بمفعولها على المدى البعيد.

لا يجب أن ننسى أن المصريين ثاروا على نظام مبارك، لما مثله من «نصف استبداد»، وليس استبدادا كاملا بالمناسبة، وخلطا بين المال والسياسة، وانتهاكا لحقوق الإنسان. والمصريون أيضا ثاروا على نظام مرسى، لما مثله من خلط بين الدين والسياسة، ومحاولة التحكم فى مفاصل الدولة، وتوظيف مقدراتها لصالح مشروع الإخوان المسلمين الأكبر: التمكين. الخلاصة أن المصريين ثاروا على مشروعين أحدهما للاستبداد السياسى والثانى للاستبداد الدينى، ولم يعد لديهم ما يخشونه، أو يحجز تطلعاتهم فى الحياة الكريمة، أو يضفى عليهم حالة سكون أبدى.

درس التاريخ واضح. الناس لا تثور إذا كانت هناك ديمقراطية وتنمية، الأولى تجعلهم صانعى قرار، والثانية تمنحهم العدالة الاجتماعية. المسألة تحتاج ــ كما يظهر من خبرات الدول الأخرى ــ إلى هندسة سياسية واقتصادية وقانونية، يكون محورها الأساسى هو المواطن، وتطرح حلولا للمشكلات الجوهرية التى يعانى منها فى مجالات الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية والإسكان.

يشكل غياب المشروع القومى الأوسع ملمحا أساسيا للفترة الحالية. ويخطئ من يظن أن فى إمكان مصر أن تتخطى عثراتها دون هذا المشروع: تصور واضح مضمونا ومراحل، رجال دولة بالمعنى الحقيقى وليس المجازى الذى نراه الآن، مؤسسات تدب فيها شرايين الحياة، وحشد جماهيرى عقلانى خلف أهداف قومية.

مصر الآن على أعتاب طريقين لا ثالث لهما. الأول: أن تعود إلى نمط العلاقات الذى ساد نظام مبارك، وتنهض التحالفات السياسية والاقتصادية القديمة، ويعود جهاز الدولة إلى ممارسة دوره كما كان، حتى إن اختلفت الوجوه أو جرى «تهجين» نخبة جهاز الدولة ببعض الوجوه الثورية. الثانى: أن تظهر الدولة الديمقراطية التنموية، التى لا تستبعد أحدا من أبنائها، وتستند إلى معيار الكفاءة فى تولى الوظائف العامة، وترفض مبدأ الأهل والعشيرة الذى ساد فى عهد مرسى، ويسود الآن فى أروقة الحكومة، واللجان والهيئات المتنفذة فيها، وتعلن مشروعا قوميا ذى أهداف تنموية، وعوائد يستفيد منها كل أبناء الشعب.

كلا الطريقين لهما أنصار، وقد يلتقيان فى مرحلة وسط يتوقعها أساتذة مرموقون فى العلوم السياسية مثل «لارى دايموند» فيما يطلق عليه «النظام الهجين» أى نصف ديمقراطى، ونصف مستبد، مما يمهد لحراك شعبى أكبر فى اتجاه الديمقراطية، ليس فقط بمعناها السياسى ولكن أيضا بمضمونها الاجتماعى والاقتصادى والثقافى.

مشكلة الانظمة المهجنة أنها لا تشبع تطلعات شعوبها، وتجعل الناس فى حالة تخبط، وتمهد لقادم يغير من طبيعتها، لأنها مرحلة وسط، ولا يمكن أن تشكل مسارا دائما.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved