العبث بالمستقبل

أشرف البربرى
أشرف البربرى

آخر تحديث: الخميس 2 أكتوبر 2014 - 7:40 ص بتوقيت القاهرة

عندما يقرر القائمون على وضع منهج التاريخ للثانوية العامة، تخصيص صفحات للحديث عن 30 يونيو والإطاحة بالرئيس المعزول محمد مرسى وجماعة الإخوان المسلمين من السلطة فإنهم يتنكرون لكل قيم العلم والنزاهة والوطنية من أجل التقرب إلى السلطة الجديدة. فأصغر دارس للتاريخ يعلم تماما أن كل ما جرى فى مصر منذ 25 يناير وحتى الآن مكانه إما فى منهج التربية الوطنية أو الثقافة العامة وليس أبدا فى منهج التاريخ. ولكن لأن الرغبة فى النفاق والتقرب إلى الحاكم، أيا كان، تحكم تصرفات الكثيرين من المسئولين فإن القائمين على منهج التاريخ ارتكبوا هذه الخطيئة التى تدل على أحد من اثنين، إما أنهم يجهلون بديهيات لم التاريخ، وهذه مصيبة، أو أنهم يعرفونها لكن الرغبة فى النفاق كانت أقوى من الرغبة فى احترام مثل هذه البديهيات، وتلك مصيبة أكبر.

وقد رأينا كيف أن جماعة الإخوان المسلمين عندما وصل مرشحها محمد مرسى إلى رئاسة البلاد تلاعبت أيضا بمنهج التاريخ وأضافت إليه ما لا يجب إضافته، فلم تمر سوى شهور قليلة وتغير المشهد السياسى فتغير معه منهج التاريخ الذى يدرسه التلاميذ. فكيف والحال هكذا نريد أن يحترم أبناؤنا تاريخ بلادهم وهو يرونه ألعوبة فى يد مسئولين يريدون التقرب إلى السلطة ويغيرونه كلما تغيرت السلطة.

إن احترام التاريخ مكون أساسى فى شخصية المواطن المنتمى، ولن يتحقق هذا الاحترام إلا إذا احترمنا قواعد علم التاريخ التى ترفض التعامل مع الأحداث الجارية، وتجعلها مجالا لعلوم أخرى.

والحقيقة أن مساحة الاختلاف حول كل ما شهدته مصر منذ 25 يناير 2011 واسعة، فإذا كان هناك ما يقول إن 25 يناير كانت ثورة، فهناك ما يقول أيضا إنها كانت مؤامرة، وإذا كان هناك من يقول إن 30 يونيو ثورة، فهناك من يقول إنها مجرد موجة ثورية، وآخرون يقولون إنها كانت مؤامرة أيضا. معنى هذا أن هذه الأحداث لا يمكن أبدا أن تكون موضوعا لعلم التاريخ، بل ولا حتى موضوعا مقررا على تلاميذ المدارس حيث يكون لزاما عليهم تبنى وجهة نظر واحدة وكتابتها لأننا سنصيبهم إما بعدوى النفاق أو الانفصام فى الشخصية، ولا عزاء للرئيس عبدالفتاح السيسى الذى يؤكد فى كل حديث له على أهمية الشباب وتأهيلهم لتحمل مسئولية المستقبل وإشراكهم فى مسئولية الحاضر.

والأمر يتجاوز تلك الصفحات المحدودة فى كتاب التاريخ الذى يدرسه تلاميذ مرحلة دراسية، ولكنها فى القبول بوجود مثل هؤلاء المسئولين المستعدين دائما لعمل أى شىء يقربهم من السلطة حتى لو كان ذلك على حساب الحقائق والبديهيات. فمثل هؤلاء المسئولين الموجودين فى كل مكان من الدولة هم الذين قادوا مصر من كارثة إلى أخرى طوال العقود الماضية، واستمرارهم أو السكوت عليهم يعنى أن المستقبل لن يكون أفضل من الماضى الأليم، بل ربما يكون أسوأ.

إن مصر لن تنهض إلا إذا أعلن الرئيس، أى رئيس، فى كل مكان رفضه محاولات مرؤوسيه تطويع كل شىء من أجل التقرب إليه بغض النظر عن المصلحة العامة. ولو أن الرئيس ،أى رئيس، أعلن بوضوح رفضه محاولات التقرب إليه بغير العمل الجاد، فعاقب من ينافقه وأبعد من يتقرب إليه، لأصبح معيار الكفاءة والإجادة هو الأساس الذى سيتنافس عليه الجميع.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved