الانتخابات الأمريكية.. مكانك سر

ماجدة شاهين
ماجدة شاهين

آخر تحديث: الجمعة 2 أكتوبر 2015 - 10:21 ص بتوقيت القاهرة

لم تحرك المناظرة الأخيرة بين مرشحى الجمهوريين المياه الراكدة. إن أحدا لا يحسد الشعب الأمريكى على مرشحيه.. مثلما لا يمكن لأحد أن يحسد منطقتنا على ما هو فى انتظارها إن فاز مرشح أى من الحزبين، فلو فازت هيلارى كلينتون، وهى ما زالت تتصدر قائمة الديمقراطيين، فهى معروفة بانحيازها المتعصب لإسرائيل. أما بالنسبة للجمهوريين، فإن أحدا منهم لم يفصح بعد عن إلمام كاف بالسياسة الخارجية عامة وبمنطقتنا بصفة خاصة.
وكان من المفترض أن تدور المناظرة الأخيرة للجمهوريين حول السياسة الخارجية، وليتها ما كانت.. فقد أظهرت جليا إخفاق المرشحين فى الإلمام بأبعاد السياسة الخارجية، وآثروا المزايدة فيما بينهم اختلاقا للقوة وادعاء بالتشدد بدلا من طرح مواقفهم بتعقل وموضوعية. وسعى كل من المرشحين فى المناظرة للنيل من ترامب، وهم فى ذلك لم يفلحوا كثيرا لأن ترامب ما زال متقدما على الجميع بنسبة 24%. غير أن ما هو أكثر خطورة ما أظهرته المناظرة من تطرف غير مبرر فى وجهات النظر بالنسبة للسياسة الخارجية عامة، وضد منطقتنا والإسلام بصفة خاصة، وهو الأمر الذى يزيد من مخاوفنا إزاء الجمهوريين. بيد أن الوقت ما زال متسعا أمامنا، فليس من المنتظر أن يعلن أى من الحزبين عن مرشحه للرئاسة قبيل مستهل العام المقبل، وحينئذ تبدأ المعركة الحقيقية للانتخابات الأمريكية، وتؤخذ تصريحات المرشحين محمل الجد وُيعمل لكل كلمة حسابها.
***
وأن ما يهمنا فى هذا المقال هو إلقاء الضوء على ما يجرى الآن، لعل ذلك يوضح لنا بعض الشىء الصورة القاتمة للانتخابات الأمريكية وما لها وما عليها.
فقد أطلت علينا نبرة التعالى الأمريكية من جديد فى المناظرة الأخيرة للجمهوريين، وكنا تناسيناها لثمانى سنوات. فبعد أن كان أوباما يميل إلى التعامل مع المشكلات الدولية من خلال توافق جماعى، ارتفعت شعارات عودة الولايات المتحدة القوية، وأن الولايات المتحدة بوسعها التصرف منفردة فى العالم لخدمة مصالحها، وهى فى غنى عن من يخالفها فى الرأى. فالسمة الغالبة بين المرشحين هى رفض التحدث مع هذا الرئيس أو ذاك. فقد أعلنت مثلا كارلى فيورينا إحدى مرشحى الجمهوريين، والتى ارتفعت أسهمها لدى الناخب الجمهورى بأكثر من 15% بموجب المناظرة الأخيرة، مما جعلها فى المرتبة الثانية مباشرة بعد ترامب، أعلنت سيدة الأعمال أنه إثر فوزها بالرئاسة ستعمل على التصعيد العسكرى وإعادة نشر القوات الأمريكية فى أوروبا وفى أوكرانيا استعدادا للتعامل مع أمثال الرئيس الروسى بوتين الذى ترفض التحدث معه. وتتناسى هذه السيدة أنه فى أحلك الأوقات أثناء أزمة الصواريخ الكوبية، قمة الحرب الباردة فى الستينيات، كانت قنوات الاتصال مفتوحة بين الرئيسين الأمريكى كينيدى والسوفييتى خروشوف وهو السبيل الوحيد الذى ساهم فى امتصاص الخلاف وإنقاذ العالم من ويلات حرب نووية كانت وشيكة بين القوتين العظميين.
وكان الاتفاق الأعم بين المرشحين الجمهوريين هو ضرورة إلغاء الاتفاق مع إيران وإبقاء العقوبات سارية ضاربين عرض الحائط بمواقف حلفائهم الأوروبيين والمفاوضات المضنية التى جرت للتوصل إلى هذا الاتفاق. وذهب آخرون إلى انتقاد ضعف الإدارة الحالية وتباطؤها فى التدخل فى سوريا وقوفا إلى جانب معارضى نظام الأسد والمطالبة بضرورة التدخل العسكرى وإسقاط هذا النظام، أسوة بما تم فى ليبيا والتخلص من القذافى، دون أية مبالاة بالعواقب الوخيمة التى تركها مثل هذا التدخل من قبل فى ليبيا أو العراق أو غيرها من الدول التى غامرت الولايات المتحدة بدخولها. وأعلن بعض المرشحين فى المناظرة أن مثل هذا التدخل فى سوريا كان سيحول بداءة دون ظهور أزمة المهاجرين وتفاقمها، مما ينم عن افتقادهم للخبرة فى السياسة الخارجية وأن مثل هذا التدخل كان سيتبعه حتما قفز الإسلاميين على الحكم. فإن ضرب النظام السورى والتسبب فى فراغ سياسى فى المنطقة سيأتى بدولة إسلامية قوية لا محالة تزيد من عدم الاستقرار والبلبلة فى المنطقة وتضاعف من الهجرة والهاربين من وزر نظام أكثر تطرفا. والسؤال فى هذا السياق، هل يحتمل العالم اليوم العودة مرة أخرى إلى أيديولوجية النيوليبرالية المتطرفة كأمثلة ريجان وبوش الابن؟ وإن كان الأمر كذلك، كيف سيتعامل العالم مع النبرة الأمريكية المتعالية من جديد؟ فلا شك أن الحزب الديمقراطى ومرشحيه مغتبطون من هذا التطرف اليمينى والمزايدة بين الجمهوريين على اتخاذ المواقف المتشددة الانفرادية، وهى التى يجب أن يقف العالم أمامها وقفة حاسمة رافضا مثل هذا التعالى فى عالم يتصف اليوم بالتعددية ويقوم على الاعتماد المتبادل واحترام كل للآخر.
***
أما ترامب الذى ما زال يتصدر المرشحين الجمهوريين، فيبدو أن السياسة الخارجية ليست مجال قوته، حيث تفادى الخوض فى أى تفاصيل عن السياسة الخارجية. خاصة وقد وجهت له انتقادات لاذعة فى حديث تليفزيونى سابق حين قام بالخلط ما بين حماس وحزب الله.
ويبدو أن جيب بوش بإقحامه زوجته المكسيكية فى المناظرة ومطالبته ترامب على الملأ بأن يعتذر لزوجته، لم يسجل مكسبا كبيرا. فإنه، من ناحية، لم يحصل على الاعتذار المستجدى. ومن ناحية أخرى، أعاب ترامب من جديد موقف جيب بوش الذى يتسم بقدر كبير من المرونة إزاء الهجرة غير الشرعية الآتية من المكسيك تأكيدا لوقوعه تحت تأثير زوجته المكسيكية. وعلى الرغم مما يتفق عليه الجميع من أن ترامب لن يحظ بترشيح حزبه، فإن استمراره فى الهجوم المبالغ فيه على نظام الهجرة وسمة التعالى التى اعتنقها ضد المهاجرين من المكسيك، أوقع الضرر بالحزب ككل. فقد انقلب المهاجرون اللاتين بصفة أساسية على الحزب الجمهورى وسياساته وهم قوة تصويتية يعتد بها. وللعلم يصل تعداد المهاجرين من أمريكا اللاتينية إلى ما يقرب من 50 مليون نسمة. ومن المنتظر أن تزيد نسبة سكان أمريكا الجنوبية فى الولايات المتحدة خلال العشرين سنة القادمة لتصبح 25% من التعداد الكلى للسكان. ولا يستطيع الحزب الجمهورى أن يسمح بخسارة أصوات أو ثقة مهاجرى أمريكا اللاتينية خلال هذه الانتخابات، وهو ما يبدو أن ترامب قام به بجرة قلم، خاصة فى ضوء أن جيب بوش ما زال ضمن المتأخرين فى قائمة المرشحين ويبدو أن برنامجه لإصلاح نظام الهجرة فى الولايات المتحدة لن يرى النور.
وما هو مخيف فى المرحلة القادمة وما يستدل عليه بدق ناقوس الخطر هو أن الجمهوريين قاموا برفع النبرة ضد المسلمين والإسلام والرفض صراحة لرئيس مسلم على الرغم من أن ذلك ضد الدستور الأمريكى الذى يفصل تماما بين الدين والدولة. وطالما تتباهى الولايات المتحدة بأنها الدولة الأولى فى التاريخ الحديث التى قام محرر إعلان استقلالها ورئيسها الثالث توماس جيفرسون بالمطالبة ببناء جدار عازل بين الدين والدولة واعتبار حرية العقيدة من بين الحريات الأساسية للإنسان. وطبيعى أن الأمر هنا لا يتعلق بدين أو ملة الرئيس الأمريكى القادم، بل أن مثل هذه التصريحات المطاطة إن دلت على شىء، فهى تدل على إقحام الدين فى السياسة والتأكيد على أن الظاهرة التى نعيشها اليوم ترجع إلى صراع الحضارات والأديان، فى حين أنها تقوم كلها على نزاعات سياسية تشير إلى فشل السياسة الأمريكية برمتها فى المنطقة.
***
أما بالنسبة للحزب الديمقراطى، وعلى الرغم من أن هيلارى كلينتون مازالت فى الصدارة، فإن منافسها بن ساندرز الاشتراكى يشكل لها كثيرا من القلق من خلال ما قام به من تعبئة يسارى الوسط والليبراليين من الناخبين فى الحزب الديمقراطى لدعمه، والتى أوقعتهم كلينتون من حساباتها ولم تول لهم الاهتمام الكافى. ويبدو أن كلينتون بذلك تعيد ذات الخطأ التى وقعت فيه أمام الرئيس أوباما فى انتخابات عام 2008. فعلى الرغم من أن شعبيتها فى البداية كانت تفوق شعبية أوباما، فإنها بتجاهلها الناخب الليبرالى واليسارى، خسرت ترشيح الحزب لها. ومرة أخرى استطاع بن ساندرز حشد الناخب الذى تغاضت عنه كلينتون، معتقدة مرة أخرى أن نجاحها يتوقف على اليمينيين والمحافظين داخل الحزب على حساب التقدميين. ويبدو فى النهاية أن الحزب الديمقراطى هو أيضا فى انتظار فارسه الذى سيعمل على جمع الناخبين بكل فئاتهم خلفه. فهل سيتقدم بايدن نائب الرئيس الأمريكى الحالى بالترشيح، علما بأن المناظرة الأولى بين مرشحى الحزب الديمقراطى ستتم فى منتصف أكتوبر القادم؟

مدير مركز الأمير الوليد بن طلال للدراسات الأمريكية والبحوث بالجامعة الأمريكية

اقتباس
إن الجمهوريين قاموا برفع النبرة ضد المسلمين والإسلام والرفض صراحة لرئيس مسلم على الرغم من أن ذلك ضد الدستور الأمريكى الذى يفصل تماما بين الدين والدولة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved