انفجار الوضع الداخلى فى ليبيا وما يعنيه للغرب

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: الأحد 2 أكتوبر 2016 - 9:35 م بتوقيت القاهرة

نشرت مؤسسة Brookings مقالا للكاتب «بيفرلى ميلتون إيدواردز» يتحدث فيه عن تطور الأوضاع فى ليبيا وما يشكله من خطورة قد تتساوى فى شدتها مع الأخطار السورية. يقول إدواردز فى بداية مقاله إن هناك اعتقادا بأن نقطة المركز لحالة الفوضى التى تجتاح منطقة الشرق الأوسط اليوم واضحة، تحديدا سوريا. ولكن مع استمرار توجيه الدبلوماسيين وصناع القرار فى الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا لطاقاتهم هناك – بما فى ذلك على وجه الخصوص احتواء التهديد الذى تشكله الدولة الإسلامية – سيكون لدوامة ليبيا آثار خطيرة على الجهات الفاعلة نفسها. ولذلك، لا بد أن تبقى ليبيا ضمن رؤية استراتيجية.

هناك خطر فى أن يجعل التحول السورى الولايات المتحدة والعالم أكثر عرضة للمخاطر التى تختمر فى ليبيا – والتى هى فى نواحٍ كثيرة بنفس أهمية المخاطر التى يطرحها الوضع فى سوريا. فى الوقت الذى أبرز فيه موسم الحملات الانتخابية الأمريكية الخلاف حول ما إذا كان يجب على الولايات المتحدة أن تؤدى دورا أكبر أو أقل فى العالم، لا تزال هذه التهديدات تكبر – وهى سوف تؤثر على خيارات سياسة الولايات المتحدة فى الشرق الأوسط الأوسع فى كلتا الحالتين.

الفوضى الداخلية

يقول إدواردز اعتبرت حكومة الوفاق الوطنى الليبية المدعومة من الأمم المتحدة، حتى وقت قريب، وحشا خجولا. فقد وقعت أوامر وقيود الحكومة المنعزلة فى قاعدة أبى ستة البحرية فى طرابلس إلى حد كبير على آذان صماء فى الوقت الذى تتعمق الانقسامات الداخلية فى جميع المناطق الليبية أكثر فأكثر. لقد تفاجأ العديد من المراقبين – ممن بنوا توقعات منخفضة – من أن حكومة الوفاق قد أقالت بعض وزرائها الغائبين فى يوليو وانتقلت إلى مقر الحكومة الرسمى فى طريق السكة فى العاصمة طرابلس تحت أشعة الشمس الحارقة. قوبل هذا الإجراء بالمعارضة على الصعيد المحلى، وبخاصةٍ من قبل خليفة الغويل، رئيس حكومة الإنقاذ الوطنى التى أطلقت على نفسها هذا الاسم والتى تأخذ من طرابلس أيضا مقرا لها. من الواضح أن أمام ليبيا طريق طويل من أجل تأسيس قوة وحكم موحدين على جميع الأراضى الليبية.

ما زالت قوات تابعة لحكومة الوفاق الوطنى الليبية وحكومة الإنقاذ الوطنى وميليشيات أخرى تتنافس بشدة وبعنف ساعية للاستيلاء على السلطة من خلال السيطرة على بلد يتميز بالمناطقية الموبوءة. وفى الوقت نفسه، أصبحت الدولة الإسلامية – التى واجهتها انتكاسات على الأراضى السورية والعراقية – تتوسع فى ليبيا من حيث المقاتلين، وكذلك محاولاتها للاستيلاء على الأراضى والموارد الاقتصادية. ويستطرد الكاتب قائلا: صحيح أن داعش قد طُردت من معقلها فى سرت، إلا أنها لم تُدمر وطموحها فى الصمود فى ليبيا لا يزال قويا كما كان دائما. لقد استعادت ميليشيات مصراتة بعض الأراضى، إلا أن ذلك لا يهدئ المخاوف من أن قوات داعش الهاربة سوف تنتقل إلى مكان آخر وتنظم صفوفها وتستأنف شن الهجمات فى جميع أنحاء البلاد. من شأن ذلك أن، من بين أمور أخرى، يطيل على الأرجح تدخل الولايات المتحدة عسكريا واستراتيجيا ويعمقه.

وتركز الفصائل المتحاربة أيضا على الموارد الاقتصادية باعتبارها أساسية للشرعية السياسية. وكان ذلك كله جليا جدا فى يوليو عندما أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط المملوكة للدولة اندماجها مع شركة نفط متنافسة مقرها فى شرق ليبيا، حيث تقوم حكومة ثالثة فى بنغازى بقيادة رئيس الوزراء عبدالله الثنى. طالبت حكومته أن يكون مقر المؤسسة الوطنية للنفط فى بنغازى وأن تتلقى 40 بالمئة من عائدات النفط الصافية. وأبرزت تلك المطالب المنافسة على السلطة التى تظهر بينها وبين حكومة الوفاق الوطنى. كما وأن الموانئ النفطية فتحت مجددا فقط بعد تدخل مبعوث الأمم المتحدة مارتن كوبلر. ولكن يضيف الكاتب أنه ثمة شكوك أن قوات حرس المنشآت النفطية، المسئولة عن حماية موانئ النفط، قد حصلت على المال بالقوة (بما فى ذلك رواتب قواتها المسلحة) مقابل إبقاء المرافئ مفتوحة. المخيف بالأمر هو أن ذلك سيشجع الميليشيات الأخرى على القيام بالأمر نفسه، مما يترك هذا الاقتصاد المعتمد على النفط فى حالة أكثر ضعفا مما هو عليه أصلا. وكان الدينار الليبى قد وصل إلى مستويات متدنية جديدة والسيولة النقدية قد قلت، بالإضافة إلى تجدد الاحتجاجات على حالة الاقتصاد والتدخل الأجنبى، الأمر الذى أجبر حكومة الوفاق الوطنى فى طرابلس على إعلان حالة الطوارئ.

التدخل الغربى

انتقل إدواردز بعد ذلك إلى التدخلات الخارجية؛ فيقول إن الضربات الجوية الأمريكية المسماة «برق أوديسى» – وهى حملة جوية شنتها الولايات المتحدة فى أوائل أغسطس لدعم القوات البرية الليبية تمحورت بمعظمها فى مدينة سرت الساحلية وما حولها – كانت صدمة خارجية وعلى المدى القصير. كما وأن عواقب تدخل حلف شمال الأطلسى المؤرقة فى العام 2011 لا تزال ملائمة، إلا أنها أصبحت الآن تُقاس بحسب ما يبدو أنه تطفل متزايد فى أمور الشرق من قبل القوات الخاصة الفرنسية وجيوش الدول الغربية الأخرى، بالتعاون مع الجيش الوطنى الليبى. (يقال إنه لديها الآن مركز عمليات مشتركة فى بنينا) بالإضافة إلى ذلك، تدعم فرنسا الفريق خليفة حفتر القوى، الذى لا يزال يرفض حكومة الوفاق الوطنى.

أقل ما يُقال إن الشعب الليبى لا يحبذ كثيرا هذا التدخل. قامت الاحتجاجات، فكان بعضها ضد مطالبة حكومة الوفاق الوطنى بالاستيلاء على السلطة، على سبيل المثال، فى حين استهدف بعضها الآخر فرنسا على وجه التحديد بسبب صلاتها بالفريق حفتر. تسلط التجربة الفرنسية – أى تدخلها فى المستنقع الليبى وأملها بأنها قد دعمت اللاعبين الصحيحين – الضوء على المخاطر للولايات المتحدة.

تبين الضربات الأمريكية مدى خطورة الوضع فى ليبيا، والحقيقة هى أن للتطورات الأخيرة فى البلاد عواقب مهمة للغرب. فأوروبا، على وجه الخصوص، تتصارع مع تهديدات إرهابية وزيادة مستمرة للمهاجرين واللاجئين من المياه الليبية – علما بأن من شأن تفاقم الأزمة الإنسانية فى ليبيا أن يزعزع استقرار جيرانها فى شمال أفريقيا. مهما قام قادة التدخل العسكرى فى ليبيا فى العام 2011 بتعزية أنفسهم بأنهم قاموا بالتصرف الصحيح، يجب على الولايات المتحدة وحلفائها تحمل مسئولية العواقب المترتبة عن هذا القرار.

ويختتم إدواردز بأن فى المستقبل المنظور، ستنفجر ليبيا أكثر من الداخل فقط، الأمر الذى سيشعل مناقشات استراتيجية فى العديد من العواصم الغربية. أما فى الوقت الحاضر، فيركز الكثير من هذا النقاش على التدخل أو عدمه (فى الشرق الأوسط أو حتى على نطاق أوسع)، إلا أن هذا هو النقاش الخطأ. كان عدم التدخل هو الهدف فى ظل إدارة أوباما (وتحقق هذا الهدف فى كثير من الحالات)، بيد أن الولايات المتحدة وجدت نفسها تتدخل على أى حال، وقد ترتبت على ذلك عواقب أمنية مهمة على مواطنيها فى الداخل والخارج. وبالتالى، لا شك فى أن إعادة النظر بقرار التدخل هو التحدى المنتظر.

النص الأصلى: اضغط هنا

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved