«بنطلونات البنات المقطعة»

طلعت إسماعيل
طلعت إسماعيل

آخر تحديث: الإثنين 2 أكتوبر 2017 - 10:50 م بتوقيت القاهرة

يقف المصريون، وخاصة فى السنوات الأخيرة، حائرين، ماذا يريدون بالضبط؟ هل هم مع دولة مدنية حديثة تعلى قيم المواطنة وتحترم الحريات، وحقوق الإنسان بمفهومها الشامل الذى يدفع الغرب فى اتجاهه، حتى ولو خرج على قيم واعراف راسخة فى مجتمع له موروث يضرب بجذوره فى أعماق تربة ما قبل الأديان السماوية؟، أم نحن مع الحفاظ على هذا الموروث بكل عيوبه وتشوهاته التى صنع الزمن منها طبقات فوق طبقات؟

المعركة ليست بجديدة، وإن تردت مظاهرها مقارنة بفترات كنا فيها، على المستوى الفكرى على الأقل، أشد عزما وأكثر صحة من الحال التى وصلنا إليها اليوم.. فمنذ دخول نابليون وجنوده أرض مصر عام 1798، وانكشاف المستور، وفرار المماليك وترك المحتل يجوس بخيله الأزهر الشريف بما له من دلالة رمزية وعاطفية كبرى لدى المصريين، بدأ الصراع بين القديم والجديد.

وفى ظل صراع محتدم ما بين الفرنسيين والبريطانيين على مناطق النفوذ، استطاع المصريون، وبجهود وطنية مخلصة، الإفلات من قبضة الفرنسيين الذين تعرضوا لهزيمة نكراء فى معركة أبى قير البحرية الشهيرة.. هنا ظهر عمر مكرم ورفاقه الذين كانوا لا يزالون تحت تأثير عدم الثقة فى قدرة المصريين على الحكم، فسلموا مصر إلى الجندى الألبانى محمد على، غير طامحين، سوى إلى الحكم بالعدل، وحماية البلاد من المتربصين الطامعين فى خيراتها.

محمد على بذكائه الفطرى أمسك بالخيط، وقد وعى ما يدور حوله، وبدأ فى الأخذ بأسباب اللحاق بموكب الحضارة وقطارها الذى عوق المماليك، المصريين عن اعتلائه، فارسل البعثات إلى الخارج، وجلب الخبراء إلى الداخل، بهدف امتلاك القوة اللازمة لتمكينه وابنائه بعده من حكم مصر، وكعرض جانبى لطموح الجندى الألبانى بدأت معركة المصريين مع القديم بكل جموده، والجديد بكل مغرياته.

كان منطقيا أن يظهر رفاعة رافع الطهطاوى، الذى ذهب إلى باريس إماما للطلاب المبتعثين، فعاد مفكرا مستنيرا، ينقل افكار الحداثة والتجديد، ويحذر من خطورة الجمود والارتكان إلى الأفكار التى عفى عليها الزمن، وتجاوزتها الأيام، فدخل فى معركة مبكرة عبد بها الطريق أمام جمال الدين الأفغانى والإمام محمد عبده، وكل المصلحين العظام الذين حاولوا فيما بعد إخراج مصر والمصريين إلى عصر النور والتقدم. 

ما أعظم المعارك التى خاضها هؤلاء، مع القضايا الكبرى التى يجب خوضها لإصلاح المجتمع، ودفعه إلى الأمام، فى مواجهة الظلم والاستبداد، مقارنة بالمستوى المتدنى من الحروب التى ينشغل بها البعض حاليا، وخذ على سبيل المثال المعركة الدائرة الآن فى كلية الزراعة جامعة الإسكندرية (فى مدينة مفترض أن تكون الأكثر انفتاحا على الأفكار والرؤى الجديدة) بشأن زى الفتيات، وماذا يرتدين داخل الحرم الجامعى؟!

عميد الكلية الدكتور طارق سرور، أثناء تجوله فى الحرم الجامعى مع بدء العام الدراسى الجديد، هاله أن يجد بعض فتيات يرتدين البنطلونات الممزقة، وهى موضة منتشرة وسط الشباب والشابات، هذه الأيام، على نطاق واسع، لا فرق بين محجبة وسافرة، وصبى وفتاة، لكن العميد وجد فى ذلك خروجا على التقاليد الجامعية فكلف الأمن بتتبع الفتيات لنصحهن (أو تحذيرهن) من ارتداء هذه الملابس غير المحتشمة، قبل أن يتخذ قرارا بمنع دخول من ترتدى «البنطلونات المقطعة» لأنها تثير الغرائز وتدعو للتحرش.

الموضوع أثار الجدل وسط الطلبة ما بين مؤيد «لأن الدين يحرم ذلك»، ومعارض يرى الأمر عودة لـ«العصور البدائية»، وقبل أن تنتقل القضية إلى منظمات حقوق المرأة. الدكتورة هدى بدران رئيس الاتحاد النوعى للنساء اعتبرت، طبقا لـ«المصرى اليوم»، أن موقف الدكتور سرور «أمر مرفوض» لأنه «ليس من حقه تحديد المحتشم من غير المحتشم»، لافتة إلى أن المنتقبات يتم التحرش بهن. القضية تسللت إلى مواقع التواصل الاجتماعى، ورغم كونها عرضا سطحيا لمرض متوطن لم نحسم بعد طريقة علاجه، نقول شتان بين التفكير فى الخروج إلى الأمام لدى من سبقونا، وطريقتنا اليوم التى تغرق فى تفاصيل فرعية تحجب الرؤية عن المرض ذاته، لنبدو حائرين أما سؤال: من نحن؟ وماذا نريد؟ وهل نحن مع البنطلون أم الجلباب؟..تلك هى المعضلة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved