قبل أن تندلع ثورة الجياع

محمد عصمت
محمد عصمت

آخر تحديث: الإثنين 2 أكتوبر 2017 - 10:45 م بتوقيت القاهرة

تستطيع الحكومة أن تجادل بأن ديون مصر الخارجية التى تعدت حاجز الـ 79 مليار دولار لا تزال فى الحدود الآمنة وفقا للمعايير الاقتصادية الدولية، وأن قدرتنا على سدادها مضمونة، ولكنها لن تستطيع أن تنطق بكلمة واحدة حينما يتعلق الأمر بانتهاكها الفاضح للدستور خلال إبرامها هذه القروض!

خلال العام الماضى فقط، زادت ديوننا الخارجية بنحو 23,2 مليار دولار، قد تكون ساهمت فى المشاريع الكبيرة مثل العاصمة الإدارية الجديدة، أو شبكة الطرق، أو تسديد فوائد بعض القروض القديمة، أو زيادة الاحتياطى الأجنبى الذى وصل إلى 36 مليار دولار لأول مرة فى تاريخنا، وهو ما تعتبره السلطة فى مصر انجازات تحسب لها، ولكن على الجانب الآخر لم تفلح هذه القروض فى وقف الارتفاع الفلكى فى أسعار السلع والخدمات الأساسية، ولا كبح جماح التضخم الذى وصل إلى 34 % لأول مرة أيضا فى تاريخنا، وأسفر عن زيادة معدلات الفقر إلى مستويات غير مسبوقة، أحال حياة الغالبية العظمى من المصريين إلى جحيم لا يطاق.

مع نهمها الشره لإبرام القروض من المؤسسات الأجنبية، لم توضح لنا السلطة المصرية، كيف سنسدد هذه القروض؟ وما هى خططها الاقتصادية لتوفير المليارت من العملات الصعبة؟ وما هى قدراتنا الحقيقية للمنافسة بمنتجات وطنية فى الأسواق العالمية؟ وكيف ترفع بهده القروض الفلكية مستويات المعيشة المنهارة لعموم المصريين؟ ثم هل يكون لهذه القروض انعكاسات سياسية على قراراتنا الوطنية سواء ما يتعلق بعلاقاتنا الإقليمية خاصة مع إسرائيل، أو ما يتعلق بأوضاعنا الداخلية وتفاقم الأزمات المعيشية بما يهدد استقرارنا السياسى؟!

وحتى البرلمان المفترض أنه يطرح مثل هذه الأسئلة على الحكومة، وأسقط تماما حقه فى مناقشة جدوى هذه القروض، وخطط الحكومة لتوظيفها وسدادها، كان الأولى على البرلمان أن يطالب بسحب الثقة من الحكومة، بعد أن انتهكت بمنتهى السفور نص المادة 127 من الدستور التى تحظر على السلطة التنفيذية الحصول على أية قروض أو تمويلات من الخارج بدون موافقة مجلس النواب، ومع ان انتهاك الدستور من أكبر الكبائر التى يمكن أن ترتكبها حكومة فى أى دولة ديمقراطية أو حتى غير ديمقراطية، إلا أن برلماننا بدلا من أن يقطع إجازته التشريعية، ويدعو رئيسه لاجتماع عاجل للمجلس دفاعا عن الدستور، ليطالب بعقد محاكمة لأعضاء الحكومة، تصرف وكأن الأمر لا يعنيه من قريب أو بعيد!

هذا التوسع المبالغ فيه فى القروض يفتقد إلى أى رؤية اقتصادية واضحة للتنمية، كما يفتقد إلى أى توافق مجتمعى حوله، كما يتجاهل الكثير من موارد التمويل الداخلية التى كان من الممكن توفر سيولة للمشروعات الحكومية، منها فرض ضرائب تصاعدية تزداد على كبار رجال الإعمال، واعادة النظر فى العديد من المشروعات القومية التى لا تعطى عوائد اقتصادية سريعة، والبحث عن مصالحة سياسية مع معارضى النظام لإعادة الاستقرار، بما يسمح برواج السياحة ووصولها إلى معدلات غير مسبوقة، والاهتمام بالتعاونيات والمشروعات الإنتاجية كثيفة العمالة وغيرها من الإجراءات المشابهة.

نحن نقترب بشدة من إشعال ثورة جياع، بل إننا نهدم دولة القانون وننتهك مواد الدستور من أجلها وكأننا فى سباق مع الزمن، فى مناخ لا يشجع على أى توافق على أهدافنا الوطنية فى الحرية والعدالة الاجتماعية، بل يلجأ إلى العصا الغليظة فى مواجهة أى أصوات تبحث عن بدائل للسياسات الحالية!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved