الطاقة فى برامج الانتخابات الرئاسية الأمريكية
صحافة عربية
آخر تحديث:
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 - 8:00 م
بتوقيت القاهرة
يحل موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024 بعد شهر تقريبًا. وقد جرى خلال الأشهر الماضية طرح مواقف الحزبين الديمقراطى والجمهورى فى خطب المرشحين، كما فى البرامج التى تبناها كلا الحزبين.
من المعروف أن تنفيذ المرشحين للبرامج والسياسات المعلنة قبل الانتخابات، أمر غير مُلزم للرئيس الفائز. لكنَّ السياسات المعلَنة عند الحملة الانتخابية تشير إلى ما يمكن توقُّع أن ينفذه الرئيس المقبل.
يحاول الحزب الحاكم أن يشيد بإنجازاته خلال السنوات الأربع الماضية، والتمهيد للرئيس فى الاستمرار بهذه السياسات. وهذا بالفعل ما دوّنه الحزب الديمقراطى فى برنامجه. إذ افتتح برنامجه الطاقوى بالدعوة إلى استمرار النجاح الأمريكى والعالمى لدعم الطاقات المستدامة.
كالعادة، يسهب برنامج الحزب الديمقراطى فى إنجازات إدارة الرئيس بايدن فى هذا المجال: «تم استقطاب 400 مليار دولار من القطاع الخاص لتطوير وتصنيع الطاقة الشمسية، والرياح، والبطاريات الكهربائية وتقنيات أخرى فى مجال الطاقات المستدامة فى الولايات المتحدة. وهناك حاليًا 585 مشروعًا للطاقات المستدامة قيد التشييد فى مختلف أنحاء الولايات المتحدة ستستطيع كهربة 18 مليون منزل. كذلك، وافقت إدارة بايدن على تشييد تسع محطات بحرية لطاقة الرياح فى المياه الفيدرالية، التى ستتمكن كهربة خمسة ملايين منزل. وفى الوقت نفسه، تمت زيادة إمكانات تخزين الطاقة الضخمة، ويُتوقع مضاعفة إمكانات التخزين هذه قبل نهاية العام بتبنى مشاريع جديدة.
يهدف تبنى مشاريع الطاقات المستدامة بالنسبة إلى الحزب الديمقراطى زيادة الأيدى العاملة فى هذا القطاع، حيث إن المشاريع المذكورة أعلاه قد فتحت المجال لنحو 300 ألف وظيفة، كما خفضت تكاليف فواتير الطاقة لملايين العائلات. والهدف من هذه البرامج هو زيادة إمكانات الطاقات المستدامة فى الولايات المتحدة ثلاثة أضعاف بحلول عام 2030، الأمر الذى «سيقلص نفوذ شركات النفط الكبرى على الاقتصاد الأمريكى، وحماية العائلات من التقلبات العالية للأسعار، وإيصال الولايات المتحدة إلى استقلال الطاقة».
من أجل تحقيق الأهداف أعلاه، والاستمرار فى نموها، يتطلع الديمقراطيون إلى «تشجيع وتطوير القطاعات أعلاه. وسنتطلع فى تنفيذ هذه الأهداف إلى الالتزام بالمراجعات البيئية وبالتدقيق فى إجازات الطاقة النظيفة لهذه المشاريع، بالإضافة إلى الاستمرار فى تشجيع الاستثمار فى الطاقات النظيفة فى الأراضى الفيدرالية».
تعهَّد الحزب الديمقراطى فى برنامجه الانتخابى بالتركيز على قوة أمريكا فى الأبحاث العلمية، و«الاستمرار فى الاستثمار فى أبحاث الطاقات النظيفة، لكى تستمر الولايات المتحدة الدولة الريادية فى الأبحاث، وذلك للمساعدة فى زيادة مجالات الطاقة النظيفة». ومن أجل تحقيق هذه الأهداف، ينوى الحزب الديمقراطى فى حال فوزه بالرئاسة واستمراره فى البيت الأبيض تأسيس معهد أبحاث ومشاريع متقدمة لأجل المناخ، على نمط معهد الأبحاث المتقدم الذى لدى وزارة الدفاع المتخصص بالتقنيات المتقدمة جدًا الذى كان وراء تشجيع الأبحاث والتقنيات للإنترنت.
كما ينوى إنشاء مختبر وطنى لأبحاث المناخ. هذا، بالإضافة إلى الاستمرار فى الاستثمار من خلال وكالة «ناسا» ومعهد العلوم الوطنى من أجل ريادة الولايات المتحدة فى مجال أبحاث الطاقة النظيفة.
• • •
من الواضح أن اهتمام إدارة ديمقراطية مقبلة، سيستمر لتشجيع الطاقات المستدامة على حساب الوقود الأحفورى.
ستواجه هذه الإدارة تحديات عدة من الشركات النفطية التى تحاول أن تحافظ على نفوذها وموقعها التنافسى. فعلى سبيل المثال، هناك ضغوط مستمرة لعدم فسح المجال لهم لاكتشاف وتطوير الحقول النفطية فى المناطق البرية والبحرية الفيدرالية. كما أن هناك احتجاجات عدة حاليًا لعدم السماح لهم بتصدير كميات أضخم من الغاز المسال، بخاصة بعد المقاطعة الأوروبية للغاز الروسى، فيما تحاول الحكومة الأمريكية وضع سقف لصادرات الغاز المسال من أجل فتح المجال لتوفير إمدادات أكبر فى السوق الأمريكية نفسها، لتخفيض سعر الغاز فى السوق المحلية. والسبب أن ارتفاع سعر النفط محليًا يزيد من تكلفة الإنتاج الصناعى والزراعى، ويثير مشكلات ما بين الحكومة والشعب.
إن تركيز الحزب الديمقراطى على أمور البيئة والتغير المناخى من جهة وتهميش دور النفط فى سلة الطاقة العالمية، حاضرًا ومستقبلًا، من جهة أخرى، هو أمر غير واقعى. فواقع الأمر أن سلة الطاقة العالمية بحلول منتصف القرن ستضم كلًا من النفط والطاقات المستدامة، حسب معظم الدراسات الصادرة عن معاهد الأبحاث المتخصصة وشركات الطاقة نفسها.
إن الولايات المتحدة ليست فقط أكبر دولة مستهلكة للنفط فى العالم. بل هى أيضًا من الدول الثلاث الكبرى، مع السعودية وروسيا، لإنتاج وتصدير النفط. من ثم، فإن المحاولات الجارية فى الولايات المتحدة وفى بعض الولايات الأمريكية لتقليص الطاقة الإنتاجية لأسباب بيئية ومناخية، ستدفع عاليًا أسعار المحروقات محليًا، ومن ثم زيادة أسعار الصادرات فى الأسواق العالمية. هذا يعنى أهمية تبنى سياسة طاقوية - بيئية متوازنة، وعدم التحيز إلى قطاع دون آخر قبل التوصل أولًا إلى إمدادات طاقة متوازنة ووفيرة.
وخير مثال على عدم توازن السياسة الطاقوية هذه، هو التخفيض الكبير للضرائب على السيارات الخصوصية الكهربائية مقارنةً بالسيارات التقليدية لتحقيق هدف الحزب الديمقراطى أن تحصل السيارات الخاصة الكهربائية على 50 فى المائة من الأسواق الأمريكية بحلول عام 2030.
سيكون هذا الهدف مجديًا لو استطاعت واشنطن أن تحوِّل جميع وسائل النقل إلى الاعتماد على الكهرباء من أجل تخفيض الانبعاثات. لكنَّ هذا غير ممكن نظرًا إلى صعوبة تحويل النقل الجوى والبحرى والشاحنات إلى الكهرباء بنفس سرعة وشمولية تحويل السيارات الخاصة. فكهربة السيارات الخصوصية بشكل واسع سيقلص من الانبعاثات ولكن لن يصفّرها بحلول عام 2050، لأنه من الصعب أو من غير الممكن تطبيق هذا على بقية وسائل النقل الأخرى بنفس السرعة والشمولية.
تدل خطابات ومقابلات المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، على أن سياساتها الطاقوية ستكون مكمِّلة لسياسات الرئيس بايدن: المضى قدمًا إلى اقتصاد ذات طاقة مستدامة (نظيفة)، والتحول إلى تصفير الانبعاثات بحلول عام 2050، وتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار فى تقنيات الطاقات المستدامة (الشمسية، والرياح، والبطاريات الكهربائية، والتخزين). كما أنه من المتوقع من هاريس، فى حال انتخابها، الاستمرار فى زيادة تمويل الأبحاث للطاقات المستدامة وتشجيع الحوافز لاستعمال الطاقات المستدامة وترشيد استهلاك الطاقة.
• • •
فيما يتعلق بالحزب الجمهورى، فالأمر أكثر وضوحًا، خصوصًا أن مرشح الرئاسة هو الرئيس الأمريكى السابق متقلب المزاج، الذى قرر فى بداية حكمه سابقًا، سحب عضوية الولايات المتحدة من اتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ 2015 (كوب)، إذ رأى أن الالتزام بالاتفاقية سيضر مصالح الولايات المتحدة، لأنه سيزيد من تكاليف الإنتاج لسلعها المصدرة، الأمر الذى سيؤدى إلى مصلحة الدول الأخرى. ومن غير المستغرب أن البرنامج الانتخابى 2024 الذى وافق عليه مؤتمر الحزب الجمهورى يحمل شعار: «أمريكا أولًا». إذ يختصر هذا الشعار الشعبوى ببساطة غير عقلانية وجهات نظر ترامب.
يُتوقع أن يتبنى ترامب، فى حال إعادة انتخابه، سياساته الطاقوية السابقة: دعم الصناعة النفطية، وتشجيع الاستكشاف عن النفط فى المناطق البحرية، ودعم صناعة النفط الصخرى بتشجيع طريقة الحفر «فراكينج»، وزيادة فتح الأراضى والمياه الفيدرالية للاستكشاف النفطى. كما يُتوقع أن تُنهى إدارة ترامب الجديدة القيود المفروضة على زيادة صادرات الغاز المسال، وفى الوقت نفسه زيادة رخص الحفر النفطية التى تسجل معدلات متدنية حاليًا.
وليد خدورى
الشرق الأوسط اللندنية