أزهى عصور التحرش

داليا شمس
داليا شمس

آخر تحديث: الأحد 2 نوفمبر 2014 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

سأل الملك وزيره عن أسباب تخلف البلاد، واحدا تلو الآخر، فكان الجواب حاضرا على لسان المسئول الكبير: الرجال ينظرون للنساء فى الطرقات خلال أوقات العمل، وهذا بالطبع هو السبب. ولما كان العيب كله على النساء، وجب تغطية وجوههن فى الطرقات، ثم حبسهن فى البيوت حتى الممات. وصدر فرمان بذلك، فكانت المرأة هى الشماعة التى علق عليها الوزير خيبة حكومته وسوء إدارتها. كتبت هذه الحكاية رانيا هلال ورسمها محمود حافظ، ضمن قصص أخرى مصورة فى أول عدد من مجلة «الشكمجية» الصادرة عن مؤسسة «نظرة» للدراسات النسوية، وهى أول مجلة كوميكس عربية للكبار تتناول قضايا الشباب من منظور حقوقى. العدد بالكامل خصص للتحرش والعنف الجسدى واللفظى الذى تتعرض له الفتيات والسيدات المصريات، وشارك فيه فنانون من الجنسين بشكل تلقائى وجذاب.

•••

نعم، نحن نعيش أزهى عصور التحرش. لكن الشىء الوحيد الإيجابى حتى الآن فيما يتعلق بهذه الظاهرة المؤسفة هو نشأة حوار مجتمعى حول الموضوع وخروجه بدرجة ما من دائرة المسكوت عنه. والدليل كانت الدعاوى التى رفعتها فتيات تعرضن للتحرش والشهادات التى أدلين بها أمام الإعلام، بل أيضا وجود مجلات وأعمال مماثلة تسخر من التحرش وتفند أسبابه، حتى لو بشكل كوميدى، فالقدرة على التهكم من فعل مشين ومؤلم هى طريقة للتأكيد على أن «تحرشكم» لم يعد يؤذينى بالشكل الذى تتصورون، وأننى لن أسكت، بل أضحك بأعلى صوت لكى أفضحكم وأحولكم لمجرد نكتة سخيفة أو فظة.

•••

فى حكاية أخرى مصورة يتخيل الرسام هشام رحمة والسيناريست محمد إسماعيل أمين أن الدكتورة ريم خلقت فيروسا وهى فى المعمل قضى على كل الرجال، ثم انتحرت وتحول المعمل إلى متحف، بعد أن أمسكت المرأة بتلابيب الحكم! فالخيال وسيلة فعالة للهروب والتحرر، وهو ما تقره بطلة «حدوتة مصرية» التى يرويها أيضا محمد إسماعيل أمين ويرسمها مختار زين، قائلة: «أنا من غير الخيال ممكن أنتحر أو أفجر نفسى فى ميدان عام»، مع أن المنتحرات من النساء أقل بكثير من الرجال. فى كل مرة يبادرها أحدهم بكلام أو فعل لا يعجبها، تتخيل شيئا آخر، وكأن الجميع يعاملونها على أنها أميرة الزمان. وفى نهاية الحدوتة تتخيل أن كل من ضايقها أو تحرش بها صار بملابس السجن خلف القضبان. وهو ما لا يحدث فى الواقع إلا فيما ندر. لذا يكون الخيال أحيانا هو الحل، والموسيقى ضرب من ضروب الخيال. ففى حفل تدشين المجلة الذى أقيم الأسبوع الماضى بالمعهد الفرنسى للثقافة، عزفت ياسمين البرماوى على العود مقطوعة ألفتها بعد تعرضها للتحرش الجماعى فى ميدان التحرير يوم 30 يونيو 2013. كانت قد حركت دعوى هى و7 من الفتيات اللاتى تعرضن للاعتداء، وبعد حوالى عام استدعتها السلطات للتعرف على بعض المشتبه فيهم، وبالطبع كانت المهمة شبه مستحيلة. عزفت ياسمين على العود وأنا أفكر فى ردود أفعال من يشهدون أفعال التحرش ضد المرأة دون تدخل يذكر: هل يتوقعون أن يتدخل آخرون، فيتركون لهم مهمة التصدى وعلى النساء الصمود؟ أم يخافون على أنفسهم من الضرب؟ أم يشعرون بالخجل والحرج؟ أم يشعرون فعليا أنها ليست مشكلتهم على الإطلاق ويلقون باللوم على الفتاة بسبب تواجدها فى موقع الحادث أو ملبسها؟ ترد عليهم ببساطة إسراء صالح بأغنية كتبتها فى إطار مشروع «فسحة الموسيقى» وهو أيضا من إنتاج نظرة للدراسات النسوية: « توت توت توت، اكسر ضلع بيطلع عشرة، عمر ما حد يموت م الحسرة، كله كلام بيدوب فـ العشرة (...) ريحة الظلم أهى بالتفاح، شغل مرتك يا بلدينا وانت فبيتكوا تنام مرتاح، وأما هترجع يوم متأخر أوعاك تنسى اقلبها سياح»، فنسبة المرأة المعيلة فى مصر تقدر بحوالى 35%، ومع ذلك لايزال البعض يعتبرها «الشماعة» التى يعلقون عليها فشلهم.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved