ثمانية مستحيلات قابلة للتفاوض

بسمة عبد العزيز
بسمة عبد العزيز

آخر تحديث: الجمعة 2 ديسمبر 2016 - 9:55 م بتوقيت القاهرة

كتبت جريدة الشروق يوم الأربعاء الماضى فى صفحة الأخبار والتقارير عن مسألة المصالحة مع جماعة الإخوان المسلمين، الموضوع الذى يطفو على السطح بين الحين والآخر فيحصد استجابات شاجبة ومُنددة تملأ الأفق وتسدُ عينَ الشمسِ وتحجبُ وراءها الأصوات القليلة التى لا تتشنج كثيرا ولا تزعق بالسب والتعميم ثم التحريض.
لست بصدد مُناقشة أمر المصالحة على الإطلاق فلذلك مقام آخر ومكان آخر وأيضا مِزاج آخر، ما لفت نظرى كان العنوان الضخم الذى احتل أعلى الصفحة الخامسة من الجريدة: «الحكومة عن المصالحة مع الإخوان: المستحيل الثامن». تصورت أن الزملاء الصحفيين الذين كتبوا التقرير وضعوا العنوان فى عجالة أو أنهم أرادوا به هزلا وتنكيتا وإن كانت الصفحة أبعد ما أتصور عن الهزل والتنكيت. انتقلت لقراءة الفقرات الأولى لا طمعا فى معرفة المزيد عن حديث المصالحة، بل لتقصى ما وراء العنوان، فما تماسكت من الضحك حتى قررت الكتابة عنه.
جاءت الفقرة الثانية من التقرير على هذا المنوال بلا سخرية أو مبالغة: «وفى اتصال هاتفى مع مصدر مسئول بمؤسسة كبرى، قال نصا؛ هذا هو المستحيل الثامن، والحكومة لم تفكر فى هذا الموضوع إطلاقا، لأن الجماعة ما تزال تمارس الإرهاب على الأرض». قلت أننى أهذى تعبا فقد حكوا لنا منذ الصبا عن المستحيلات، لكنها كانت دوما ثلاثة، حققت ودققت ولجأت ــشكا فى نفسى إلى الاستعلام عنها فوجدتها كما هى لم يطرأ عليها تغيير؛ لم يزد عددها أو ينقص، أولها الغول وثانيها العنقاء وثالثها الخل الوفى، والأخير هو المقصود من فكرة الاستحالة برمتها.
***
جلست مع صديقة تقرأ الجريدة بانتظام، رفعت الصفحة أمامها وسألتها إن وجدت فى العنوان شيئا غريبا فأجابتنى بنعم، لكنها أيضا فاجأتنى برد فعل مدهش؛ قالت لى إنها توقعت أن يكون سيادة الرئيس قد أضاف مستحيلات جديدة إلى تلك التى أكل عليها الزمان وشرب، خلال خطاب من خطاباته الوافرة، كانت جادة تماما وواثقة من توقعها.
بحثت على جوجل عن تعبير «المستحيلات الثمانية» فوجدته لحُسن حظى، كان متكررا على عدد من المواقع التى تعنى بالدردشة والترفيه وأكثرها نسائية الهوى والطابع، ذكر صاحب التعبير ما بعد الحداثى، أن لدى البنت بوجه عام ثمانية مستحيلات؛ أولها أن تسمع رنين محمولها ولا ترد؛ إذ هى تتحرق شغفا لإجابة دقاته، وثانيها أن تخرج دون حقيبتها لكثرة ما تضع فيها، وثالثها أن تكفَ عن استخدام مُرطِبات الجِلد، ورابعها أن تتخلى عن ارتداء الأحذية ذات الكعب العالى؛ إذ هى فى العادة قصيرة القامة، وخامسها أن تنسى وضع مساحيق التجميل والمرآة فى حقيبة يدها، وسادسها أن تمتنع عن استخدام هذه المساحيق وسابعها ألا يكون حلمها هو «ليلة العمر»، وأخيرا ألا تكذب فتلك عادتها وفطرتها. ثمة مستحيلات بالعدد ذاته على مواقع شبيهة، لكنها خاصة بالشبان، وهى كذلك أقل سخرية، وأولها استحالة تناول الشاب لكتاب وقراءته.
***
على كل حال، للمستحيلين الأول والثانى عند العرب قصص أسطورية، وقد انضم إليهما الخل الوفى لندرة العثور عليه، أما الرقم سبعة فلا يُذكر فى حديث جادٍ يتعلق بالمستحيلات، بل يجىء دائما مرتبطا بعجائب الدنيا التى حفظناها صغارا، وكان على رأسها الهرم الأكبر وفى صدرها منارة الإسكندرية وحدائق بابل المعلقة بالعراق. تغيرت العجائب واندثر بعضها واختفى أثره وتم انتخاب قائمة جديدة جرى التصويت عليها، وفى نهاية الأمر غادرها كل مِن الهرم والمنارة.
أظن الأمر قد اختلط على المسئول الذى أدلى بالتصريح، فجمع فى رأسه بين العجائب والمستحيلات وخلطهما سويا، ويبدو أن المصالحة التى تحتل مساحة لا بأس بها من فضاء الكلام، تربك الجميع؛ السلطة والصحافة والساسة، كما يستمر أمامها عديد الحقوقيين مشوشين ذاهلين، أما الناس فى الشوارع والبيوت، فمستحيلاتهم مختلفة وعجائبهم لا يمكن ضمها فى قائمة واحدة، الناس فى الشوارع والبيوت يضعون قوائم مستحيلات جديدة تتجاوز الثمانية بكثير، ويتندرون بعجائب لا تُرى إلا بين ضفاف المحروسة؛ ولذلك حديث قادم طويل.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved