«ليلة الإثنى عشر عاما».. يروى الدرس القاسى فى تاريخ أوروجواى

خالد محمود
خالد محمود

آخر تحديث: الأحد 2 ديسمبر 2018 - 10:45 ص بتوقيت القاهرة

الفيلم الفائز بالهرم الذهبى يقدم تحفة سينمائية عن مأساة ثلاثة سجناء عزبوا المشاهدين بمشاهد حياتهم القاسية


فى ليلة خريف من عام 1972، أخذ ثلاثة سجناء سياسيين من زنازين السجن بحجة الاشتراك فى عملية عسكرية سرية لكن يبقى الرجال الثلاثة معزولين فى زنزانات صغيرة يقضون معظم الوقت فيها بأغطية فوق رءوسهم، من بينها بيبى موجيكا الذى يصبح رئيسا لأوروجواى فى وقت لاحق.. تلك باختصار هى قصة الفيلم الأرجنتينى «ليلة الإثنى عشر عاما» الرائع والذى توج بجائزة الهرم الذهبى لمهرجان القاهرة السينمائى فى دورته الأربعين.


الحقبة التى يتناولها العمل بأسلوب سينمائى أثار الإعجاب كان يحكم أوروجواى ديكتاتورية عسكرية.. قال فيها المتحكمون «بما أننا لا نستطيع قتلهم، ويقصدون السجناء، لنجعلهم مجانين» وذلك ببقاء الرجال الثلاثة فى الحبس الانفرادى طيلة هذه الفترة.


والواقع أن الأمر فاق الخيال فى مشوار الثلاثة التعذيب، العنف غير المرغوب، الصدمة، ليعتبر فيلم المخرج ألفارو بريشنر استثناء نادرا فى مزجه، للقطات بمونتاج يمثل كل الحرفية بين الآهات والآمال، وبسبب حقيقة أن أوروجواى وشعبها شهدوا اضطرابات شديدة من أيام الاستعمار الإسبانى، كان الفصل المتعلق بالنظام العسكرى بعد عام 1972 بحاجة إلى هذه المأساة التى تروى تلك السيرة الذاتية بعمق إلى أولئك الذين يحللون العقيدة الإيديولوجية للأفراد الذين يقاتلون ضد التغيرات السياسية الظالمة.


الفيلم يجسد الأوقات العصيبة التى يقضيها أعضاء المجموعة اليسارية توباموس ــ خوسيه موخيكا، وماوريسيو روزينكوف، وإيليتريو فيرنانديز هويدوبرو فى الأسر الانفرادى ــ وهى تجربة مرهقة، ومن الواضح أنه ليس من أجل القلوب الضعيفة. فهناك سفك دماء وعذاب لا هوادة فيه. إن انتهاك حقوق الإنسان الذى نشهده فى ليلة الإثنى عشر عاما هو غليان الدم، خاصة عندما نميل إلى التفكير فى كيفية تجاوز الأحداث الفعلية. إن ثلاثة رجال أقوياء، يقفون بشراسة بمبادئهم، يرفضون الامتثال، يتعرضون للتعذيب فى السجن منذ أكثر من 12 عاما. «لم نعد سجناء، بل أسرى» هكذا يعلن أحد السجانين. وبسبب الحرمان من أى اتصال بشرى خارجى من أى نوع، فإن الرجال (الذين يتسمون بالبداهة ويتقبلون ردود أفعال بعضهم البعض) يجدون طرقا فريدة للتواصل مع بعضهم. هذه الزاوية هى الأقل تصديقا فى المؤسسة بأكملها، ولكنها أيضا الأكثر إثارة، تماما بالنسبة إلى طريقة تنفيذ المخرج للتفاعلات، هناك زاوية عائلية لكل بطل، مما يثير الدهشة فى مسألة الميلودراما المتوازنة.


إن فيلم بريخنر كان وحشيا وقاسيا فى تصويره، هو شعبوى بشكل خاص. سترى مشاهد لا حصر لها تم تصميمها لاكتساب الحماس والتصفيق. كما أننا نسمع أيضا بعض الجمل الذكية من السجناء إلى السجانين القساة والصارمين، وفى مؤامرة فرعية أخرى، نرى أن حراس السجن الصارمين، ونرى العائلات تصرخ بالإجماع على فكرة المقاومة. لا نرى الأطفال العاشقين ولا الأمهات الخاضعات. هناك مرونة فى كل واحدة منها، والتى، فى كثير من الأحيان، تصبح جيدة جدا للدراما، وتساعد هذه العناصر الفيلم على الارتفاع فوق الدنيوية وتوضيح اتجاهاته السياسية أيضا. فى الفيلم قد تشعر بطول الوقت على الرغم من عدم وجود دقيقة واحدة للانسحاب من المتابعة؛ حيث يكشف الفيلم عن تفاصيل حول السجناء ــ كوحدة وكأفراد ــ لقد تحملنا بالفعل ما يكفى من مشاهد التعذيب القاسى للمشاهدين؛ حيث يخلق شعور بالاختناق والقسوة وإساءة المعاملة التى يواجهها المشاهد شخصيا جسديا وعقليا، كما يعرض بريخنرر جزءا من الفكاهة للتخفيف من عبأ الصدمات، هو بالضبط إحدى الأدوات التى يستخدمها السجناء السياسيون للحفاظ على الروح المعنوية.


وكانت الموسيقى المصاحبة التى قدمها فيدريكو بوسيد شديدة التأثير مع طريقة سرد الأحداث، وأيضا الألوان الكئيبة المعبرة عن حياة تنمو فى غياهب الظلمة، عبر مونتاج يجمع بين الواقع والجنون، البديهى والخيال، شعور الجنون الذى عانى منه هؤلاء الرجال الثلاثة أثناء أسرهم الوحشى، مدعوما بلقطات تم تصويرها على كاميرا مهتزة وصور ثابتة، والتى تبرز تماما البربرية التى تحملها هؤلاء الرجال والوئام الذى كانوا يتطلعون إليه، وتأتى الواقعية والتعبيرية معا لخلق كابوس للضوء والظل والضوضاء والصمت، وكان المصور كارلوس كاتلان عظيما بكاميرته؛ حيث تم التصوير. فى اماكنها الطبيعية فى سجن ليبرتاد، الذى تم بناؤه خلال الديكتاتورية الأوروجوانية لاحتجاز السجناء السياسيين (اليوم لا يزال السجن أعلى مستوى للأمن، ولكن بالنسبة للمجرمين العاديين) أنها حقا مفردات فنية رائعة للغاية تبرز واحدة من أصعب الأوقات فى تاريخ أوروجواى.


السؤال الذى ظل فى صميم الفيلم إلى متى يمكن للشخص مواصلة القتال والحفاظ على سلامته؟ وهو حبيسا لكل الظروف الزمانية والمكانية، وهو ما نجح فى التعبير عنه بعمق وإجادة النجوم الثلاثة الرئيسيين، وسيلفيا بيريز كروز، سوليداد فيلاميل وسيزار ترونكوسو؛ حيث لجأ المخررج لزاوية ذاتية من أجل توضيح كيف نجح ضحايا وحشية النظام فى النجاة من الحرمان من الحرية والمشاعر والكرامة بفضل ثباتهم وخيالهم وشجاعتهم. بينما يمزج مونتاج الصور بين اللقطات الحقيقية والخيال، فى حين يؤكد الصوت على الافتقار الحقيقى للضوء. ينجح المخرج فى تجرربته فى جعل جمهوره ينزلون مع السجناء إلى مناطق اللاإنسانية دون فقدان الأمل أو الثقة فى الحرية والحياة.


المخرج وكاتب السيناريو ألفارو بريخنر قال استلزم هذا المشروع أكثر من أربع سنوات من الأبحاث والتوثيق، وطلب منى أن أكون دقيقا للغاية فى الجانب الجمالى والإنسانى للأشياء، وان اول ما أدهشنى هو سماع جملة الرهائن: «كان ينبغى علينا قتلهم فى ذلك الوقت».. لقد كنت مفتونا بفكرة استكشاف هذا الكون حيث يكافح شخص ما حقا، وكنت مهتما باستكشاف كيف أن عليه، فى عزلة الأسر، أن يعيد اختراع نفسه ليتمكن من معارضة خطة تهدف إلى إزالة آثار المقاومة الأخيرة المتبقية على الذات.


وقال أيضا «إن تذكر الفظائع التى يمكن أن نرتكبها نحن البشر أمر مهم فقط إذا كان ذلك يساعد على تجنب الفظائع فى المستقبل. من تاريخنا، نعرف أن السلام، للأسف، كان دائما عابرا: غالبا ما ننسى القتال الداخلى الضرورى للحفاظ على السلام. أعتقد أنه لن يضر أبدا بتذكر المخاطر التى قد يواجهها المجتمع عندما يبدأ العنف فى التصاعد.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved