على ويكيبيديا.. إسرائيل تخسر المعركة حول كلمة «الفصل العنصرى»

من الصحافة الإسرائيلية
من الصحافة الإسرائيلية

آخر تحديث: الأربعاء 2 ديسمبر 2020 - 9:35 م بتوقيت القاهرة

نشرت صحيفة هاآرتس مقالا للكاتب عمر بينجاكوب تناول فيه ما أطلق عليه «حرب تحرير المقالات» على ويكيبيديا بشأن المقالات التى تخص الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، حيث بدأت تلك المقالات تشبه النظام الإسرائيلى بنظام الفصل العنصرى فى جنوب إفريقيا.. نعرض منه ما يلى.
يشير الكاتب إلى مقال موجود على ويكيبيديا منذ 15 عاما تحت عنوان «إسرائيل والتشبيه بنظام الفصل العنصرى»، إلا أن التغييرات الجديدة التى أدخلت على المقال، وفقا لمحررى جريدة هاآرتس، تقارن بين سيطرة إسرائيل على الضفة الغربية بالبانتوستانات (وطن السود) التى أوجدها نظام الفصل العنصرى فى جنوب إفريقيا، وهو ما يشير إلى تغيير فى الحقائق المجمع عليها بين محررى الموقع.
يرى الكاتب أن جود مثل هذا المقال بهذا العنوان ونجاته من الحذف يوضح كيف أن سياسات ترامب وتعهد نتنياهو بضم أجزاء من الضفة الغربية تقوض من واقع موجود فى نقاشات السياسة العامة فى إسرائيل. فإسرائيل تدعم حل الدولتين، وعلى الأقل من الناحية النظرية تسعى إلى إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة فى أجزاء من الضفة الغربية.
أوضح محررى ويكيبيديا أنه بعد إطلاق خطة ترامب، أصبح هناك الكثير من المصادر الموثوقة تناقش ما تخطط له الحكومة الإسرائيلية فى تعاملها مع سكانها الأسرى من الفلسطينيين. ولذلك، لم يعد من الممكن قول أن الحكومة الإسرائيلية لا تحاول محاصرة الفلسطينيين فى جيوب غير متلاصقة، وهو التعديل الذى أدخل أيضا على المقال حول «البانتوستانات».
لكن جاك سالتزبيرج، رئيس مجموعة إسرائيل، وهى مجموعة مؤيدة لإسرائيل تركز أيضا على ويكيبيديا، لا يتفق مع هذا الرأى ويرى أن هذا مجرد مثال آخر لمحاولات نشر معلومات سلبية وغير دقيقة عن إسرائيل، فى حين أنه من المستحيل إيجاد مقال سلبى عن الفلسطينيين.. سالتزبيرج يرى أن الأمر خطير لأن الكثير من الأشخاص، وخاصة الطلاب، يحصلون على معلوماتهم من ويكيبيديا.
***
تدخل ويكيبيديا الآن عامها العشرون، ولطالما اتهمت بالانحياز السياسى. تصدرت مزاعم تحيز ويكيبيديا الليبرالى عناوين شبكة بريتبارت الإخبارية فى السنوات الأخيرة ــ وهو موقع أمريكية يمينى متطرف ــ عندما كانت تحاول الموسوعة محاربة الأكاذيب التى كان يدفع بها البيت الأبيض فى عهد ترامب. ادعاءات مماثلة ظهرت فى الهند تحت مسمى «معاداة الهندوسية» عندما تثار المناقشات حول سياسات مودى القومية التى تستهدف بشكل ظالم الأقلية المسلمة.
الجماعات المؤيدة لإسرائيل، مثل جماعة سالتزبرج، لطالما زعمت أن ويكيبيديا لديها نزعة مؤيدة للفلسطينيين.. لكن النزعة المؤيدة لإسرائيل أيضا موجودة.. على سبيل المثال، فى بريطانيا عام 2018، اتُهم محرر مؤيد لإسرائيل باستهداف منتقدى إسرائيل وآخرين فى أقصى اليسار البريطانى فى قضية ضخمتها وسائل الإعلام الروسية. وصلت هذه المزاعم إلى حد الادعاء بأن محرر ويكيبيديا كان عضوا بمؤسسة الدفاع البريطانية إن لم يكن عضوا بوكالة المخابرات المركزية.
***
من أحد المقالات على ويكيبيديا حول الصراع الفلسطينى الإسرائيلى هو مقال «بانتوستانات الضفة الغربية» الذى تم إنشاؤه فى 12 نوفمبر، وكان سيحذف بعدها بيومين على أساس أن المقال ليس جديدا ولكن فقط سرد متحيز تم تغطيته بالفعل فى مقال «إسرائيل والتشبيه بنظام الفصل العنصرى». افتتح مقال «إسرائيل والتشبيه بنظام الفصل العنصرى» على ويكيبيديا عام 2006، وتعرض إلى العديد من محاولات التعديل وإعادة الكتابة من قبل المجموعات المختلفة النشطة على ويكيبيديا فى تغطية النزاع.
يقول الكاتب أنه كان هناك ما لا يقل عن 10 محاولات لحذف المقال خلال السنوات الأربع الأولى بعد فتحه على الموقع. فى البداية أطلق على المقال «الفصل العنصرى الإسرائيلى»، وبعد أن تمت محاولات حذف المقال، تم تغيير عنوان المقال إلى «مزاعم الفصل العنصرى الإسرائيلى».
فى عام 2008، بعد إحباط ثمانى محاولات إضافية لحذف المقال، تم إجراء مناقشة أخرى لإعادة تسمية وكتابة المقال نظرا لعدم وجود توافق على حذفها. بحلول عام 2010، تم إضافة مصطلح «analogy» إلى عنوان النسخة الإنجليزية منه ليصبح «إسرائيل والتشبيه بنظام الفصل العنصرى».
«إسرائيل والتشبيه بنظام الفصل العنصرى» هو انتقاد لإسرائيل واتهامها بممارسة نظام شبيه بالفصل العنصرى فى جنوب إفريقيا ضد الفلسطينيين فى احتلالها للضفة الغربية. يوسع بعض المعلقين هذا القياس ليشمل معاملة المواطنين العرب فى إسرائيل، ووصفهم بمواطنين من الدرجة الثانية وفقا لما ذكر فى النسخة الحالية من المقال.
***
تحدث «حروب» على ويكيبيديا فى تحرير المقالات، والحروب التى حدثت حول الصراع العربى الإسرائيلى كان لها تأثير جوهرى على كيفية معالجة القضايا الخلافية على ويكيبيديا.. على سبيل المثال، تم إغلاق المقالات أمام التحرير العام وسمح فقط للمحررين الذين لديهم اسم مستخدم ومستوى معين من الخبرة على ويكيبيديا بالمساهمة فى تحرير المقال. أدى ذلك إلى ظهور معسكرين أيديولوجيين، ما سمى بالمحررين المؤيدين لإسرائيل والمحررين المؤيدين للفلسطينيين، بينما وصف البعض ذلك بـ«المأزق التحريرى».
على الرغم من أن المقال ظل مثير للجدل على مدى العقد الماضى، إلا أن جميع المحاولات لتغييره بشكل جذرى فشلت، بما فى ذلك النقاش التقنى فى عام 2017 بشأن اقتراح إعادة تسمية المقال «قياس الفصل العنصرى الإسرائيلى» والذى أدعى المحررون المؤيدون لإسرائيل بأنها محاولات لدفع المقال إلى منطقة غير محايدة.
يذكر الكاتب ما قاله فيديريكو ليفا، وهو محرر على ويكيبيديا»، أنه لا يوجد إجماع على وجود فصل عنصرى فى إسرائيل، فمجتمع ويكيبيديا لا يأخذ موقفا محددا بشأن القضايا الموجودة، والمحررون فقط يذكرون ما تقوله مصادرهم، ولذلك يكون الحديث حول الإجماع على المصادر المستخدمة... الآن، يبدو أن هذا الإجماع بشأن المصادر يتغير.
يقول أحد المحررين أن مقال «البانتوستانات» يتعلق بوصف المناطق المقترحة لـ «السيادة الفلسطينية»، ويقول أن جزء من النقاش هو حول الاسم تقنياــ هل كلمة بانتوستان تشير فقط إلى جنوب إفريقيا، أم أنها أصبحت تشير إلى كيانات على درجة من التشابه. يشير المقال إلى أن البانتوستانات فى الضفة الغربية، أو كانتونات الضفة الغربية، الموصوفة مجازيا بأنها أرخبيل فلسطين، هى الجيوب غير المتاخمة المقترحة لفلسطينى الضفة الغربية بموجب اقتراحات تقودها الولايات المتحدة وإسرائيل لإنهاء الصراع الإسرائيلى الفلسطينى.
يقول محرر آخر أنه لا توجد حقيقة أو إجماع تاريخى على مثل هذه الموضوعات الهامة حتى الآن، وربما لن يكون فى الأجل القريب، فأى مناقشة حول الموضوع تصبح فوضوية، والنسخة الإنجليزية من ويكيبيديا تعكس هذا الأمر.
***
يعكس مقال الفصل العنصرى التحول الذى حدث فى الإجماع حول نوايا إسرائيل. يُسمح الآن للنقاشات العامة فى وسائل الإعلام، حتى مقالات الرأى فى «هاآرتس»، بأن يكون لها أهمية على ويكيبيديا. جاء فى المقال جزء مما قاله أحد كتاب صحيفة هاآرتس شيمى شاليف فى أحد مقالاته من أن نتنياهو فى خطابه بمناسبة الذكرى الخمسين لحرب الأيام الستة أوضح أن الفلسطينيين فى الضفة الغربية لن يحتاجوا فقط إلى إذن لدخول وطنهم والخروج منه، كما هو فى البانتوستانات، بل أيضا سيسمح للجيش الإسرائيلى بمواصلة تشييد الحواجز على الطرق واعتقال المشتبه بهم واقتحام منازل الفلسطينيين تحت مسمى «الاحتياجات الأمنية».
فى الماضى، كان من الممكن رفض مثل هذه التحليلات من قبل المحررين المؤيدين لإسرائيل بدعوى أن صحيفة «هاآرتس» متحيزة. لكن اليوم، هذه الحجج، المدعومة بالتصريحات الإسرائيلية الرسمية والأبحاث الأكاديمية، تعتبر قراءة دقيقة للواقع السياسى، وتسلط الضوء على السياسة الإسرائيلية المعلنة فى سعيها لضم الضفة الغربية.

إعداد: ابتهال أحمد عبدالغنى

النص الأصلى

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved