هذا لم ينجح مع حماس فلماذا سينجح مع إيران؟.. والمطلوب من إسرائيل اتخاذ قرار جريء

من الصحافة الإسرائيلية
من الصحافة الإسرائيلية

آخر تحديث: الخميس 2 ديسمبر 2021 - 11:43 م بتوقيت القاهرة

إسرائيل تطرح فى الحملة الدعائية الإقناعية، والتى تخوضها بصورة مكثفة ضد المفاوضات مع إيران، ضرورة مواصلة سياسة العقوبات الشديدة و«عدم الخضوع للابتزاز الإيرانى» كوسيلة ناجعة وحيوية لدفع إيران إلى التراجع عن برنامجها النووى.

إنها استراتيجيا إسرائيلية ثابتة وأوتوماتيكية وقديمة. الجزء المهم فيها التناقض الذى تنطوى عليه. المطالبة بالعقوبات لا تمنع الاعتراف بأن إيران دولة عقلانية، وأن سياستها تعتمد على مبدأ الثمن والفائدة. انطلاقا من هذه النظرة، فإن الأزمة الاقتصادية التى تعانيها، وعزلتها (غير الكاملة) فى العالم، والغضب والإحباط الداخلى اللذان يهددان استقرار النظام وحتى أنهما يهددان بقاءه، هى الوسائل التى يمكن أن تعيد إيران إلى الاتفاق النووى الأصلى، وأن تضمن عدم تطويرها قنبلة نووية. لكن المطالبة بالعقوبات تتعارض مع عدم ثقة إسرائيل بالاتفاق الأصلى وبنجاعته فى كبح تطوير نووى. وإذا كان هذا صحيحا، ما الفائدة من العقوبات، وبمَ تفيد الآن؟
العقوبات بحد ذاتها لم تغيّر سياسة إيران الخاضعة منذ أكثر من 40 عاما لنظام العقوبات. أيضا سياسة «الضغط الأقصى» التى استخدمها دونالد ترامب ضدها لم تغيّر شيئا. إيران وقّعت الاتفاق النووى الأصلى مع باراك أوباما فى سنة 2015، لأنها فى الأساس وجدت فيه شريكا مستعدا لفهم مخاوفها والموافقة على صيغة تلبى حاجاتها. وظلت إيران متمسكة بالاتفاق النووى حتى عندما انتُخب ترامب رئيسا، وانتظرت عاما بعد انسحابه من الاتفاق لتبدأ بخرقه علنا. وعلى الرغم من ذلك، فإنها لم تعلن انسحابها منه.
انتخاب جو بايدن رئيسا وسياسته الحازمة بالعودة إلى الاتفاق النووى شكّلا فرصة لإيران فى العودة إلى المفاوضات. هل ما تريده الآن المماطلة كى تستطيع الاستمرار فى تخصيب اليورانيوم وبناء قنبلة؟ الافتراض فى إسرائيل أن هذا ما تنويه فعلا. إذا كان هذا صحيحا لماذا تعود إيران إلى المفاوضات أصلا؟ هل هو حرص منها على سمعتها، أو كى لا يحمّلها المجتمع الدولى مسئولية خرق الاتفاق، وبالتالى إضفاء الشرعية على هجوم عسكرى عليها؟
هذا التفسير لا يتعارض فقط مع فكرة أن إيران دولة عقلانية، لكنه يتجاهل أن هجوما عسكريا ضدها يجب أن يأخذ فى الحسبان الردود المتوقعة لروسيا والصين وحلفائها. بالإضافة إلى ذلك، المسعى الإسرائيلى لإقناع الولايات المتحدة بمواصلة سياسة العقوبات يعتمد على الاعتراف بأن بايدن لا ينوى المشاركة فى هجوم عسكرى. لذلك، الادعاء الإسرائيلى أن إيران أصبحت دولة على عتبة النووى ويجب التحرك ضدها عسكريا من دون تأخير، وعدم انتظار عرض قنبلة نووية فى معرض عسكرى ــ لا يتطابق مع المطالبة بالعقوبات، ولا مع الحقائق.
كان يجب على إسرائيل استيعاب هذا الدرس منذ وقت طويل، لأنها هى نفسها تستخدم نموذجا مصغرا عن «الضغط الأقصى» غير المفيد إزاء غزة منذ 14 عاما. صحيح أن المنطق الذى يكمن وراء فرض حصار خانق على غزة تغيّر بمرور الزمن، لكن الحصار فى أساسه هدف إلى منع «حماس» من تهديد إسرائيل عسكريا، وكبح تسلُّحها، والتسبب بانقلاب فى السلطة يؤدى إلى سقوطها على يد جمهور فقير يائس ومحبط.
وبعكس إيران، استخدمت إسرائيل «الخيار العسكرى» بصورة وحشية عدة مرات، وماذا كانت النتيجة؟ تحاول إسرائيل مع شركائها العرب الوصول إلى اتفاق تهدئة طويل الأجل يشمل تنازلها عن العقوبات، وتقديم مساعدة فى إعادة إعمار الاقتصاد، وبناء بنى تحتية تقدم حافزا لـ«حماس» لوقف إطلاق النار. تعرف إسرائيل أن مثل هذا الاتفاق لن يؤدى إلى اعتراف «حماس» بها، ولن يغير أيديولوجيتها، ولن ينزع سلاحها. هذا هو نوع الاتفاق الذى تريد دول الغرب التوصل إليه مع إيران ــ مع مكافأة: تجميد البرنامج النووى.

وفى مقال آخر للمحلل السياسى يوسى فيرتر بعنوان (المطلوب من إسرائيل اتخاذ قرار جرىء: المطالبة بمظلة نووية من الولايات المتحدة) قال فيه:
يتعين على إسرائيل التوصل إلى تفاهمات مع الولايات المتحدة لمنحها مظلة نووية، وأيضا التصريح عن ذلك علنا. هذه هى الاستراتيجيا المطلوبة الآن مع استئناف المحادثات النووية فى ڤيينا بين إيران والدول الكبرى، وذلك على خلفية تشاؤم كل الأطراف بشأن فرص التوصل إلى اتفاق، ومع الإدراك أن إسرائيل غير قادرة فعلا على التحرك على المستوى العسكرى. اقتراح الحصول على مظلة نووية يمكن توسيعه ليشمل أيضا حلفاء الولايات المتحدة وإسرائيل ــ السعودية والإمارات والبحرين ــ إذا أرادوا ذلك.
معنى «مظلة نووية» أن كل تهديد نووى توجهه إيران نحو إسرائيل، ولو ضمنيا، سيواجَه بتهديد أمريكى مضاد باستخدام سلاح نووى. إن نشر مظلة نووية هو ضمانة نهائية للردع فى مواجهة البرنامج النووى الإيرانى وخطره إذا قامت إيران بتركيب سلاح نووى وهددت إسرائيل بواسطته كى تنتزع منها تنازلات.
عملية عسكرية إسرائيلية ستكون موضع إدانة دولية شاملة، وربما أيضا تصل إلى فرض عقوبات. والأسوأ من ذلك أنها ستمنح إيران الشرعية لإعادة بناء برنامجها النووى، وهذه المرة الوصول بسرعة إلى تركيب القنبلة، الأمر الذى امتنعت منه حتى الآن. فى مثل هذا الوضع لا يستطيع العالم أن يعارض بعد الآن، ولا أن يفرض عليها عقوبات. كما تنطوى العملية العسكرية الإسرائيلية على خطر كبير آخر: أيضا إذا نجحت إسرائيل فى مهاجمة وتدمير منشآت نووية على الرغم من كل هذا، ففى استطاعة إيران أن تقرر عدم إعادة بنائها، وبدلا من ذلك المطالبة بنزع السلاح النووى من الشرق الأوسط. هل تستطيع الولايات المتحدة فى مثل هذه الحالة الاستمرار فى الدفاع عن إسرائيل كما فعلت حتى الآن فى المنتدى الدولى، بما فى ذلك فى مجلس الأمن والأمم المتحدة؟
لذا، على إسرائيل جمع شجاعتها واقتراح خطوة جريئة ومبتكرة. يجب عليها التحدث مع إدارة بايدن عن الاتفاق المطلوب، اتفاق علنى تتعهد فيه واشنطن منح إسرائيل، وربما حلفاء آخرين لها فى المنطقة إذا أرادوا، مظلة نووية. علاقات القوة النووية بين إيران والولايات المتحدة معروفة ولا حاجة إلى إضافة كلمات إليها.
مظلة نووية أمريكية تستطيع أن تسمح لإسرائيل بالاستمرار فى الاحتفاظ ببرنامجها النووى، لكنها ستزيل التخوف من وقوع إيران فى إغراء استخدام سلاحها النووى. مثل هذا الاتفاق مع الولايات المتحدة يجب أن يطبَّق فقط فى المجال النووى، وليس فى المجال التقليدى. بكلمات أُخرى، هو لن يُضعف حرية العمل العسكرى الإسرائيلى. وسيكون فى استطاعة إسرائيل العمل ضد إيران بالوسائل التقليدية، وفى عمليات سرية كما فعلت حتى اليوم، بهدف إضعافها وعرقلة برنامجها النووى، ومحاولة كبح خطواتها ومساعيها لتحقيق هيمنة إقليمية.

تسفي برئيل و يوسي فيرتر

محللان سياسيان 

هاآرتس

مؤسسة الدراسات الفلسطينية

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved