تحت الضغط!

خالد سيد أحمد
خالد سيد أحمد

آخر تحديث: الجمعة 2 ديسمبر 2022 - 8:10 م بتوقيت القاهرة

الصرخة التى أطلقها قبل أيام، أحد مسئولى اتحاد منتجى الدواجن من أن «صناعة الدواجن قد تنهار فى مصر» بسبب ارتفاع أسعار الأعلاف وعدم توافرها فى الأسواق، تعكس إلى حد كبير، جانبا قاسيا من أزمة «ندرة الدولار» فى البلاد، والتى لم تفلح محاولات الحكومة ــ حتى الآن ــ فى إيجاد حلول حقيقية تسمح بزيادة حصيلة الدولة من العملة الصعبة.
ما يحدث فى قطاع الدواجن، يحدث بشكل مماثل فى قطاعات اقتصادية أخرى فى البلاد، يواجه أصحابها صعوبة بالغة فى توفير المستلزمات الضرورية لاستمرارية عملية الإنتاج، جراء تكدس بضائعهم فى الموانئ، انتظارا للحصول على اعتمادات دولارية من أجل الإفراج عنها، وفقا لبعض التقارير الصحفية.
ندرة الدولار تترافق أيضا مع فاتورة كبيرة ينبغى على الدولة المصرية دفعها فى الشهور المقبلة لسداد الديون المستحقة عليها، حيث نشر موقع «الشرق بلومبرج» تقريرا لمصرف «دويتشه بنك»، يقول إن مصر تحتاج إلى 28 مليار دولار حتى نهاية 2023 من أجل عملية إعادة تمويل ديون مستحقة السداد، ودفع فوائد الديون وتمويل عجز الحساب الجارى، بالإضافة إلى 20 مليار دولار إضافية مطلوبة فى السنة التالية، مشيرا إلى أن صافى الاحتياطيات النقدية الدولية للبلاد، والذى يفوق بقليل 33 مليار دولار، لا يستطيع تحمّل هذا العبء، الأمر الذى يزيد من إمكانية مواصلة مصر اللجوء إلى أسواق الديون العالمية لتغطية احتياجاتها التمويلية.
الحكومة من جهتها تسابق الزمن لتلبية هذه المطالب المستحقة فى هذه الأوقات الصعبة والمعقدة دوليا، واتخذت فى هذا الاتجاه عدة خطوات من أجل توفير العملة الأجنبية، منها طرح حصص فى شركات تملكها لمستثمرين أجانب، واعتماد سعر صرف مرن للجنيه مقابل العملات الأجنبية فى أكتوبر الماضى، استنادا لآلية العرض والطلب فى السوق، وهو ما دفع الدولار للصعود بنحو 25.5% خلال شهر إلى 24.6 جنيه، وكذلك طرح مبادرة لإعفاء سيارات المقيمين فى الخارج من الرسوم والجمارك مقابل سداد مبلغ نقدى بالعملة الأجنبية، يسترد فيما بعد بالعملة المحلية، إضافة إلى دراسة إنشاء شركة مخصصة لاستقبال استثمارات المصريين العاملين فى الخارج بهدف ضخ هذه الأموال فى المشروعات داخل مصر.
لم تحدث هذه الإجراءات وغيرها من القرارات الاقتصادية المهمة - حتى الآن- حالة إغراء كبيرة للمستثمرين الأجانب تدفعهم لضخ استثمارات جديدة فى السوق المصرية، وبالتالى زيادة غلة البلاد من العملة الصعبة، وهو ما يدفعنا إلى التساؤل عن الأسباب التى تعوق تدفق الدولار إلى مصر؟.
هناك بالتأكيد عوامل كثيرة تحول دون زيادة إيرادات الدولة من العملة الصعبة، منها هروب الكثير من رءوس الأموال الأجنبية إلى الولايات المتحدة وأوروبا بعد رفعهما سعر الفائدة، وتراجع دخل السياحة بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، وهما البلدان الرئيسيان اللتان تعتمد عليهما سوق السياحة المصرية بالدرجة الأولى، وانتعاش نشاط السوق السوداء للعملة الصعبة، سواء فى الداخل أو بين أوساط العاملين المصريين فى الخارج، مما قد يقلل من تحويلاتهم الدولارية إلى البلاد، وارتفاع فاتورة الاستيراد للسلع الأساسية ومستلزمات الإنتاج اللازمة لتلبية احتياجات السوق المصرية الأكبر من ناحية المستهلكين فى المنطقة، جراء زيادة أسعارها عالميا بسبب تداعيات الحرب فى أوروبا وجائحة كورونا، واعتقاد البعض بأن الدولة لا تزال تتدخل للسيطرة على سعر صرف الجنيه، وعدم السماح له بالتحرك بشكل مرن ليعكس قيمته الحقيقية، إضافة إلى عدم توفير البيئة المناسبة للاستثمار الأجنبى، ووجود الكثير من القوانين والقرارات والروتين الحكومى الذى يعرقل ولا يساهم فى جذب العديد من المستثمرين الأجانب، إضافة إلى شكوى البعض من منافسة الدولة للقطاع الخاص، ما يفقد المستثمر الأجنبى شهية الدخول إلى السوق المصرية مهما كانت الحوافز أو جاذبية الفرص التى تقدمها.
هذه الأوضاع المعقدة تضع الجنيه المصرى بالتأكيد «تحت الضغط» الشديد، حيث يرى خبراء ومحللون وتقارير اقتصادية دولية أن استمرار غياب التدفقات المالية الأجنبية، قد يدفع العملة المصرية إلى بعض التراجع فى سعر صرفها أمام الدولار خلال الفترة المقبلة، وربما قبل الحصول على الشريحة الأولى من قرض صندوق النقد الدولى الجديد، البالغ قيمته 3 مليارات دولار، والذى جاء ضمن تسهيلات ائتمانية تفوق 9 مليارات دولار.
لكن خطوة كهذه لها تداعيات مباشرة على معدلات التضخم التى ستزيد بشكل كبير، وبالتالى تحدث قفزة جديدة فى أسعار السلع الأساسية التى يئن المواطنون منها بالفعل، مما قد ينعكس بلا شك على الاستقرار فى البلاد، وهو ما يتطلب من الحكومة الحكمة والحذر الشديدين حتى نخرج من هذه الأزمة الخانقة بأقل الخسائر الممكنة. كان الله فى عون الجميع.. حكومة ومواطنين.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved