حوار حول الانتخابات
سامح فوزي
آخر تحديث:
الثلاثاء 2 ديسمبر 2025 - 6:44 م
بتوقيت القاهرة
أيا كانت نتائج العملية الانتخابية الجارية، يحتاج مجلس النواب القادم إلى تعزيز ثقته فى عيون الناس. أظن أن هذه هى أهم عقبة تواجهه، وينبغى أن تكون ماثلة أمامه فى أدائه لدوره المستقبلى.
فقد طال التشكيك بمجلس النواب منذ بدء العملية الانتخابية من خلال الحديث عن شراء وتوريث المقاعد، وغياب معايير الاختيار الصحيحة للمرشحين، ثم شاب البطلان لسبب أو لآخر غالبية دوائر المرحلة الأولى سواء بقرار من الهيئة الوطنية للانتخابات أو بموجب أحكام قضائية، وما رافق ذلك من حديث عن التأثير على إرادة الناخبين بأساليب شتى، وانسحابات وخلافات حزبية ومساجلات إعلامية، كل ذلك أفضى إلى اهتزاز الثقة فى المجلس قبل أن يظهر إلى النور. بعض خطابات التشكيك جاءت تعبيرًا عن الخلل الذى أصاب العملية الانتخابية، وبعضها الآخر نتيجة استغلال البعض لذلك المشهد المختلط لتقويض ثقة المواطنين فى مؤسسات الدولة، وهى مسألة يتعين الانتباه إليها. يضاف إلى ذلك أن دور مجلس النواب الذى يوشك على الرحيل تتنازعه آراء عديدة، ترى أنه على الرغم من قيامه بجهد تشريعى ضخم، ووجود أصوات معارضة داخله، وإن كانت محدودة، إلا أنه لم يفعل أدوات المساءلة أو الرقابة التى يمتلكها فى مواجهة الحكومة، وهو اختصاص أصيل لأى برلمان.
من الصعب تصور أن تطارد عدم الثقة مؤسسة سياسية رئيسة وهى لا تزال قيد التشكل، كما أنه من الصعب كذلك تصور إمكانية إعادة عملية الانتخاب إلى نقطة البداية، كما يقترح البعض، من حيث وضع إطار قانونى جديد، وفتح باب الترشح، وإجراء الانتخابات، لأن ذلك الحديث يرتطم باشكاليات دستورية وقانونية، رغم أنه ينبع من رغبة فى وضع هندسة سياسية جديدة، كان من الأولى أن تكون محل نظر، ونقاش فى البرلمان وخارجه خلال العام الأخير على الأقل. وإذا افترضنا جدلا وجود إمكانية لذلك، فهل سوف يختلف المشهد السياسى كثيرا إذا أعيدت العملية الانتخابية برمتها بدءا من الترشيح وانتهاء بالاقتراع؟ الإجابة بالنفى، لأن المقدمات الأساسية ستظل كما هى: الأحزاب بتشكيلاتها الحالية، والعصبيات القبلية والعائلية، ومحدودية المجال العام، والماكينة الانتخابية المعتادة، وبالتالى إذا لم يحدث تغيير فى تلك المنظومة برمتها ستظل النتائج كما هى أو متشابهة، طالما أن المقدمات بقيت كما هى.
ما العمل؟
أن يتشكل مجلس النواب مع ضمان أقصى قدر من النزاهة فى الانتخابات الجارية، ويحرص على أداء دوره التشريعى والرقابى، وفى الوقت ذاته يجرى حوار موسع، قد يكون مكانه مجلس الشيوخ، حول نظام انتخابى أفضل، والنظام الحزبى الملائم، بعد التخلص من الأحزاب القائمة بالاسم دون أى حضور سياسى سواء بالدمج أو الحذف، ثم اتخاذ جملة إجراءات لتطوير المجال العام بما يشمل إصدار قانون حرية تداول المعلومات، وإصلاح وتطوير الإعلام، وفتح منافذ الحوار النقدى، ويكون المجتمع متابعا لتلك العملية، ومشاركا فيها، وذلك وفق تصور يستغرق ما يقرب من عام إلى عامين، تجرى بعده الانتخابات المحلية، بوصفها تعبيرا عن التغيرات السياسية والقانونية المأمولة، ويرافق تلك العملية حوار حول تكوين وتشكيل الكثير من الهيئات والمؤسسات العامة بما يسهم فى تفعيل دورها، كل ذلك سوف يفرز دون شك بيئة أفضل لاستحقاقات انتخابية مقبلة، وتصبح الانتخابات انعكاسا لحالة التطور السياسى.
باختصار فإن الخلاف والجدل حول انتخابات مجلس النواب الآن ليس إلا تعبيرا عن مشهد سياسى، له أبعاد كثيرة، يحتاج إلى تغيير.