لماذا فشلنا؟

فهمي هويدي
فهمي هويدي

آخر تحديث: الإثنين 3 يناير 2011 - 9:31 ص بتوقيت القاهرة

 حين صدر لى منذ 25 عاما كتاب «مواطنون لا ذميون» فوجئت بالحفاوة التى استقبل بها بين أقباط مصر. وكانت فكرة الكتاب قد نشأت عندى بعد أحداث «الزاوية الحمراء» المؤسفة التى كانت من مقدمات الاشتباك بين المسلمين والأقباط. شجعنى على ذلك أن بعض محتوياته نشرت كمقالات متفرقة فى مجلة «العربى» الكويتية التى التحقت بها بعدما منعت من الكتابة فى أواخر عهد الرئيس السادات، وأبلغنى زميلى الأستاذ شفيق مرقس رحمه الله، أن بعضا من تلك المقالات كانت تعلق فى كنائس القاهرة لكى يطالعها من لم يتابعها من الأقباط.

موضوع الكتاب الأساسى كان يدافع عن فكرة مواطنة غير المسلمين ويعتبرها جزءا من التفكير الإسلامى الأصولى، فى حين أن مسألة الذمة كانت نظاما معمولا به قبل الإسلام ولا أصل له فى التعاليم القرآنية.

أما المواطنة التى تحفظ للإنسان كرامته فى المجتمع الذى ينتمى إليه، فتستند إلى النص القرآنى الذى يقر الكرامة لكل إنسان. بصرف النظر عن دينه أو جنسه. عارضت فى الكتاب أيضا استخدام مصطلح «التسامح» كعنوان للعلاقة مع غير المسلمين، معتبرا أن ممارستهم لمواطنتهم بمثابة حق لهم، وليست تبرعا أو منحة من المسلمين، لهم أن يتطوعوا بها أو يحجبوها عنهم، الأمر الذى ينتقص من كرامتهم ويجعلهم رهينة لأهواء وحسابات الأغلبية. مثل هذه الأفكار كانت محل حفاوة آنذاك، الأمر الذى جعلنى أتصور أننى أضفت شيئا إلى إسهامات غيرى من الباحثين المهجوسين بعافية الأمة وتلاحم عناصر الجماعة الوطنية فيها.

حين أستعيد هذه الخلفية الآن، أكتشف كم كنت بريئا وحسن الظن آنذاك، وكيف ان الكتابات التى سعت إلى مد الجسور وتحقيق الوفاق بين المسلمين والأقباط ذهبت أدراج الرياح وأن الغرس الذى زرعناه وقتذاك لم يطرح الثمار التى تمنيناها. ولا أقول ذلك تأثرا بحدث التفجير الذى استهدف رواد كنيسة القديسين فى الإسكندرية، ولكنى لاحظت مناخ ولغة المرارات فى مشاعر وخطاب كثيرين من الدوائر المحيطة، الأمر الذى يجعلنى أجزم بأن العالم الذى علقنا عليه الآمال قبل ربع قرن اختلف تماما، حتى صرنا الآن بإزاء مشهد آخر لم تخطر لنا قسماته على بال، أقل ما يمكن أن يقال فى حقه أن شرخا حدث فى العلاقات بين المسلمين والأقباط تحول بمضى الوقت إلى فجوة تزداد عمقا واتساعا حينا بعد حين. وللأسف فإن جهود ترميم الشرخ أو ردم الفجوة حققت فشلا ذريعا، بحيث إن فكرة العيش المشترك تراجعت، وكدنا نصل إلى حالة «المساكنة»، التى يمكن أن تتطور إلى أسوأ إذا لم تتداركها العناية الإلهية، وإذا لم ينتبه الجميع إلى خطورة الآثار الناجمة عن تراكم المرارات وتكريس المفاصلة.

السؤال الذى يستحق أن نفكر فيه جيدا هو: لماذا فشلت جهود تأسيس العيش المشترك؟ إذا استبعدنا العامل الخارجى أيا كان دوره، فعندى عدة ردود على السؤال. أحدها أننا لم ننجح فى التوصل إلى تشخيص صحيح للمشكلة، واختزلناها فى بضع طلبات تتعلق ببناء الكنائس وشغل الوظائف وحصص التمثيل فى المجالس المنتخبة والمناصب العليا. كأن المرارات سوف تختفى والنفوس سوف تصفو إذا تمت الاستجابة لتلك الطلبات.

هناك إجابة أخرى تقول إن سقف الطلبات يرتفع حينا بعد حين، وإن مطلب المساواة فى الحقوق والواجبات لم يعد كافيا ولا مطلب التعايش بات مثيرا للحماس. وإنما استشعر أحد الطرفين أنه فى مركز قوة يشجعه على أن يطلب من الطرف الآخر أن يتنازل عن بعض تكاليفه وتعاليمه. شجعته على ذلك حالة الضعف والوهن التى أصابت الدولة.

ثمة إجابة ثالثة تقول إن جسور الحوار الحقيقى لم تعد قائمة، وإن المؤسسات التى يمكن أن تنهض بهذه المهمة جرى تغييبها أو اختطافها، فصغر شأنها واختزلت فى أشخاص آثروا استخدام الضغوط وممارسة لى الأذرع بديلا عن الحوار.

فى إجابة رابعة ان هزال مظلة الدولة وهشاشتها دفعا البعض إلى الاحتماء بمظلة الطائفة وتعاملت المظلة الأخيرة مع الأولى باعتبارها ندا يقارعها وليس جزءا من مكونات الدولة.

الإجابة الخامسة تقول إن مناخ التعصب والحساسية أصاب الجميع، فظهرت أعراضه على الرأس والجسم عند طرف، فى حين ظل الرأس محتفظا بتوازنه عند الطرف الآخر، وظهرت أعراض التعصب على الجسم لدى ذلك الطرف الآخر. وأحدث ذلك خللا فى قنوات الاتصال أصبح خارجا عن السيطرة.

الإجابة السادسة تقول إن جوهر المفاصلة الحقيقية ليس بين المسلمين والأقباط ولكنه بين السلطة والمجتمع، وإن الطرفين الأخيرين إذا تصالحا فإن ذلك يمهد الطريق للمصالحة المنشودة بين المسلمين والأقباط ــ هل لك رأى آخر؟

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved