سلامٌ على المسيح فى العالمين

ناجح إبراهيم
ناجح إبراهيم

آخر تحديث: السبت 3 يناير 2015 - 8:10 ص بتوقيت القاهرة

أشق وأصعب وأدق ثلاثة أيام تمر على الإنسان هي يوم مولده وقدومه إلي الدنيا.. ويوم موته ومفارقته لها ووداعه للأهل والأحباب والسلطة والمال والدخول إلي قبر مظلم تحت باطن الأرض.

أما الثالث فهو يوم يبعث حيا فيحاسب أمام الخلائق كلها على الصغير والكبير والحسنة والسيئة والظاهر والباطن وعمل القلب والجوارح وهفوات اللسان.

وقد سلم الله الأنبياء جميعا من أهوال هذه الأيام الثلاثة.. وخص بالذكر سيدنا عيسى عليه السلام لخصوصية ولادته من جهة.. وخصوصية رفعه إلي السماء من جهة أخرى.. ونجاته ممن أرادوا الفتك به وقتله .. قال تعالى في كتابه العزيز «وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً» .

وكنت كلما شرحت هذه الآيات للإخوة في المعتقل أضيف إليها مازحا يوما رابعا فيتعجب الإخوة لذلك.. ثم يزول استغرابهم حينما أقول لهم: يوم دخول الإنسان السجن.

ولعل هذه الآية هي جزء من تكريم القرآن لسيدنا عيسى.. فالقرآن العظيم ومحمد [ أعظم من احتفى بعيسى بن مريم وأمه العذراء مريم وأسرته «آل عمران».. فثاني أكبر سورة في القرآن هي سورة «آل عمران».. أما سورة «مريم» فهي من السور الرائعة التي يعشق القراء قراءتها ويحب قوام الليل التهجد بها وتدبر معانيها الرائعة.

وقد احتفى الرسول [ بأخيه عيسى بن مريم فهتف قائلا في أجيال الدنيا كلها «أنا أولى الناس بعيسى بن مريم في الدنيا والآخرة»

وفي هذه الأيام تلتقي ذكرى مولد الحبيبين الكريمين والنبيين العظيمين محمد والمسيح عليهما السلام.. كما التقت أرواحهما ورسالتايهما وتعاليمهما.

وكلما كتبت عن ميلاد المسيح عليه السلام بادرتني بعض التعليقات بأن عيسى عليه السلام ولد في الصيف وليس في الشتاء لأن الرطب المذكورة في القرآن لا تكون إلا في الصيف ولا تخرج في الشتاء «وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً».. ونسي هؤلاء أن قصة حمل مريم وولادتها كلها تدخل في باب المعجزات الكبرى.. فإذا كان الله قد ساق إليها وهي معتكفة متعبدة متبتلة فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف حتى سألها سيدنا زكريا تعجبا «أنَّى لَكِ هَـذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ».

فضلا ً عن معجزة حمل مريم وولادتها دون زوج.. وأن يتكلم عيسى في المهد.. وإبرائه وشفائه للأكمة والأبرص وإحيائه للموتى بإذن الله «وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ» والأكمة هو من ولد أعمى وهي أشد حالات العمى.

فإذا كانت كل هذه المعجزات ذكرها القرآن ويؤمن بها كل مسلم وإذا كانت مريم قد استطاعت أن تهز جذع النخلة وهي في قمة تعبها.. أليس من المعجزات أيضا ً أن تنزل الرطب من النخلة في الشتاء إكراما للنبي عيسى عليه السلام وأمه العفيفة العابدة المتبتلة الصائمة القائمة الزاهدة مريم؟ .

إن التشكيك في أصل مواعيد الميلاد لن يفيد المسلمين شيئا ولن يضر المسيحيين شيئا.. ولن يغير من مواعيد احتفالاتهم.. ولن تكون له ثمرة سوى إلقاء ظلال الكراهية بين المسلمين والمسيحيين الذي يعيشون في وطن واحد.

لقد وجد النبي [ اليهود يصومون عاشوراء في المدينة فلم يسأل عن ارتباط الشهر العربي بالواقعة رغم أن الحساب العبري مختلف عن العربي.. ولم يكلف نفسه إثبات خطأ أو صواب يهود المدينة في الحساب.. ولكنه قال بتلقائية محببة صادقة «نحن أولى الناس بموسى منهم» وكأنه يقول لليهود «نحن أعرف بفضل ومكانة موسى أكثر ممن يزعمون إتباع هديه من اليهود».

إن الاهتمام بالجوهر أهم من المظهر.. والإقبال على توحيد الناس وتآلفهم أهم من تفريقهم وتمزيقهم .. والحرص على تأليف القلوب أهم من تنفيرها .

وفي الختام .. فكل له دينه وعقيدته .. ولكن يجمعنا العيش والوطن والمصير واللغة والإيمان بالله الواحد الأحد وهذا ليس بالقليل بل هو كثير في عالم يتمزق ويتفرق ويتشتت من حولنا .. ويبحث عن أسباب الوحدة والتآلف فلا يجدها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved