موعد مع المجهول

داليا شمس
داليا شمس

آخر تحديث: الأحد 3 فبراير 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

ملثمون، وأقنعة سوداء وبيضاء.. نتبادل النظرات مع مجهولين، وكأننا نتقابل وجها لوجه مع شخصيات خرجت لتوها من الكتب والأفلام.. نعيش واقعا أقرب إلى الخيال، الأقنعة هى إحدى تجلياته، بكل ما يحمله من غموض. فى مطلع الألفية الثانية، أثار خروج الكومندان ماركوس، أحد قادة الجيش الزاباتى للتحرير الوطنى فى المكسيك، فضول العالم عندما ترك مخبأه لأول مرة وتوجه ضمن آخرين فى مسيرة سلمية إلى مدينة مكسيكو فى 24 فبراير 2001 للمطالبة بتحقيق العدالة الاجتماعية وتحسين الأوضاع الصعبة التى يعيشها الهنود الذين يمثلون حوالى 12% من مجموع السكان. وصل القائد الملثم إلى مكسيكو، وقال: «ها نحن الكرامة الثائرة، قلب الوطن المنسى».. رأى فيه الكثيرون بطلا أسطوريا لم يلجأ أبدا للعنف ورفض الاغتيالات، مكتفيا بالنضال السلمى من خلال الإنترنت والطرق المبتكرة للفت الأنظار إلى قضية الفقراء والفلاحين أو انتفاضة الشيابا التى تبناها منذ 1994. صار الرجل رمزا للمنتقم الملثم الذى يصلح لأن تكتب عنه أفلام وروايات، لكنه يختلف تماما عن نموذج البطل الملثم الذى ابتكره السيناريست البريطانى ومؤلف القصص المصورة ــ آلان مور ــ عندما استوحى وجه شخصية قاتل ملك بريطانيا جاك الأول الذى تبنى أفكارا تدعو للحق الإلهى والوراثى فى الحكم المطلق. أعاد مور ملامح قاتل الملك إلى الحياة من خلال قصته المصورة «فى فور فانديتا» (V for Vendetta) عام 1989 ليروى قصة ثورى أناركى (فوضوى) يناضل حزبا فاشيا وهميا يسمى «نيران الشمال» باستخدام العنف ووضع قناع أبيض شاحب بذقن حادة وابتسامة غامضة. كان مور يتمنى فى قرارة نفسه، وهو يكتب هذا العمل أن تنتقل أفكاره إلى أرض الواقع، وإذا بالشخصية الرئيسية فى الكتاب، بعد حوالى ثلاثين عاما، تترك مملكة الخيال ويتحول القناع وصاحبه إلى نموذج ورمز فى عالم الثورات، من شباب الربيع العربى إلى محتلى وول ستريت والمناضلين ضد مجموعة العشرين والثمانية وهاكرز «آنونيمس» أو (قراصنة بدون اسم).

 

•••

 

عندما يختار أحدهم أن يخفى هويته ويختبىء وراء قناع يتحرر من قيود المجتمع، يتخلص من محاولاته الدائمة لكبح جماح نفسه، يذوب ضمن مجموعة أخرى من الملثمين يشاركونه أهدافه، ببساطة يصبح شخصا آخر قادر على أن يأتى بأشياء لا يمكنه فعلها فى الظروف العادية (تماما كما يحدث عندما نتخذ لأنفسنا اسما مستعارا على الإنترنت، ونصبح أكثر جرأة فى استخدام المواقع الاجتماعية).. لا تظهر تعبيرات وجهه، ولا قسماته.. فقط العينين ونظرة قلق.. ففى العقل الجمعى، ارتبط القناع بالخوف والقلق، ارتبط بالمجهول. وقديما ارتبط القناع بالطقس الأفريقى: الساحر يلبس قناعا غرائبيا ليناجى الأرواح والقوى الغامضة فى الكون، وأفراد القبيلة يرتدونه للحماية من الشر والجان.. أما خلال الكرنفالات، فيعطى للشخص الحق فى أن يفعل ما يريد ليهرب من الروتين اليومى دون حرج أو مضايقات. وفى المسرح كان القناع يسمح للممثل أن يتقمص الشخصية وينطق باسمها.. ينتقل إلى عالم آخر، أو كما يحدث فى روايات شكسبير يخفى الأبطال شخصياتهم الحقيقية، ويخدعون من حولهم، ليصلوا إلى مآربهم بقتل من هو فى سدة الحكم، على غرار هاملت وليدى ماكبث.

 

•••

 

الأعمال الأدبية والدرامية صنعت من الملثم شخصيات أسطورية يكتنفها الغموض وتتصف بالشجاعة، أما وسائل الإعلام فتؤجج الأسطورة، إذ تجد فى الملثمين مادة خصبة للموضوعات الصحفية التى تعد بكشف غموض أصحاب الأقنعة الذين يثيرون الرعب فى منطقة ما على وجه الأرض، فى مصر، فى مالى، فى العراق.. تتلاشى المساحة بين الواقع والخيال، وتتحول البلاد إلى مسرح كبير أو إلى حفلة تنكرية نلبس فيها أقنعة مختلفة، ثم تتساقط الأقنعة واحدا تلو الآخر ولا يبقى سوى وجه الحقيقة والخوف.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved