العرب وخيارات السقوط: «أمجاد يا عرب أمجاد» !

مواقع عربية
مواقع عربية

آخر تحديث: السبت 3 فبراير 2018 - 9:20 م بتوقيت القاهرة

نشر موقع الأردن العربى مقالا للكاتب «لبيب قمحاوى» جاء فيه؛ لا عزاء للعرب فيما وصلوا إليه من سقوط إلى قعر دون قرار. إذ كلما وصل العرب إلى قَعْر ما، تبين لهم أن هنالك المزيد من السقوط وأن القعر هو قعرٌ متحرك ولكن إلى أسفل. وأصبح العرب، وللمرة الأولى، غير قادرين حتى على التغنى بالأمجاد، وأصبحت مقولة «أمجاد يا عرب أمجاد» مدعاة للسخرية من الذات، وابتدأ العرب فى تمزيق أنفسهم ومن ثم تمزيق بعضهم البعض دون رحمة أو مواربة. وأصبح التغنى بالعرب والعروبة والقومية العربية التى ارتبطت فى ذهن الناس
بأمجاد عصر عبدالناصر وحقبة النهوض القومى أمرا مشكوكا بصحته لدى العديدين.

إن الأمة العربية مقسمة الآن إلى اثنين وعشرين دولة كل واحدة منها تعتقد أنها كيان مستقل ذو سيادة، فى حين أن سيادتها فى الواقع محصورة فقط بسيادة الحاكم على مواطنيه. أما سيادة الدولة تجاه الآخرين فهى فى الغالب إما معدومة أو منقوصة بحكم خضوعها لتعليمات أو نفوذ دول أخرى. ويعزز ذلك استعداد الحاكم المستبد لمقايضة جزء من سيادة الدولة التى يحكمها مقابل دعم الآخرين لوجوده واستمراره فى الحكم بالرغم عن إرادة شعبه.

إن خضوع وطن بأكمله لحُكِم وإرادة فردٍ واحدٍ هو أمرٌ حَدَثَ تاريخيا لكل الأمم. ولكن الأمم التى تجاوزت هذا الأمر هى التى أصبحت شعوبا متقدمة راقية تتبنى النهج الديمقراطى والتداول السلمى للسلطة، فى حين أن الشعوب التى فشلت فى التخلص من حكم الفرد المستبد هى الشعوب المتأخرة التى لم تستطع مواكبة ركب الحضارة والسمو بنفسها إلى مراتب الدول المتقدمة. من غير المفهوم هو الكيفية التى تسمح بها الأمم للحاكم الفرد أن يقوم بنهب بلده وتدمير مؤسساتها وسَلْبِ مصادرها الطبيعية وتحويلها إلى مزرعة مستباحة له ولعائلته
لعشرات السنين.

***

وأضاف الكاتب أن تدهور الواقع العربى الآن بشكل متزايد ومتسارع سوف يزيد من وحشية ما تبقى من الأنظمة العربية الحاكمة المستبدة فى قمع شعوبها لتمكينها من الاستجابة للضغوط الأمريكية لإعطاء مزيد من التنازلات لإسرائيل. ويبدو أن معظم الأنظمة العربية قد وصلت إلى قناعة بأنها تريد الخلاص من القضية الفلسطينية وأعبائها. وقد جاء هذا فى وقت تميل فيه كل موازين القوة لصالح إسرائيل. ولا يعلم أحد الحكمة من وراء هذا التوجه وهذا التوقيت، ولكن نتائج هذا القرار سوف تكون فى النهاية وخيمة على العرب، الذين قد يصحون يوما ليجدوا أنفسهم يعيشون فى ظلال التبعية لإسرائيل خصوصا.
إن استخدام العرب لقتال العرب واستخدام الأنظمة العربية لدعم إسرائيل أو التعاون معها ضد الفلسطينيين أو ضد آخرين قد أصبح سياسة علنية تفرضها أمريكا وإسرائيل وتقبلها معظم الأنظمة العربية. وقد أدى هذا المسار إلى العمل على اختراع أعداء جدد مثل إيران وأخطار جديدة مثل الحوثيين فى اليمن بهدف إبقاء إسرائيل بمعزل عن ذلك التصنيف واعتبارها حليفا لبعض الأنظمة العربية فى صراعاتها المزعومة تلك، علما بأن تصنيف الخطر يجب أن لا يرتبط بالأخطار الموجهة تحديدا ضد هذا النظام العربى أو ذاك، بل يجب إبقاؤه محصورا بالأخطار الموجهة إلى الأوطان والشعوب. وضمن إطار هذا التعريف لا يوجد خطر أهم من الخطر الإسرائيلى على الأوطان والشعوب العربية وعلى مستقبلها. أما أن تقوم الأنظمة بحصر الأخطار بتلك الموجهة إليها أولا فهو أمر يعكس حالة الانفصام السائدة بين تلك الأنظمة وشعوبها.
***

ويتساءل الكاتب عن مصير العروبة والأمة العربية؟
يرى الكاتب أن العروبة بمدلولها السياسى شىء والعروبة بمدلولها الثقافى الحضارى شىء آخر. وما نحن بصدده هو البحث فى كيفية فك الارتباط بين الاثنين دون أن يؤدى ذلك إلى مخاطر وجودية بالنسبة للأمة العربية. كانت العروبة والرابطة القومية العربية هى الضحية الأبرز عقب الانهيار العربى الذى بدأ بغزو العراق مرورا بحقبة الربيع العربى حيث أدى انهيار العديد من الدول العربية إلى بروز هويات مذهبية وعرقية وطائفية على حساب الهوية الوطنية والقومية العربية مما أدى إلى إضعاف الرابطة القومية العربية.
والأصل فى الانتماء القومى هو القناعة والقبول الطوعى وليس الفرض والإلزام كما هو عليه الحال. والهدف فى هذه الحالة هو تمكين المواطنين من أعراق أخرى مثل الأكراد أو الشركس أو التركمان أو الأمازيغ.. إلخ بأن يحملوا هوية عربية تسمح لهم أن يحافظوا فى الوقت نفسه على قوميتهم الكردية أو الشركسية..إلخ. فالهوية العربية هى انعكاس لرابطة ثقافية لغوية حضارية لا تتناقض مع انتماء عرقى قومى آخر مثل القومية الكردية أو الأمازيغية... إلخ.

فإن الحديث عن القومية العربية ارتبط بشكل عام وعفوى بمدلولها السياسى. وإن استفحال البعد السياسى فى تفسير الرابطة القومية قد خلق شعورا إقصائيا لدى المجموعات العرقية المختلفة. وإن تحويل العروبة من قومية إقصائية ببعدها السياسى إلى هوية جامعة ببعدها الحضارى والثقافى أصبح أمرا فى غاية الأهمية للحفاظ على ترابط شعوب المنطقة وحفاظها على هويتها العربية عوضا عن تحاربها وتطاحنها لمصلحة الآخرين وأهمهم إسرائيل.

ختاما، إن الجهود المبذولة لتدمير العقيدة القومية العربية تسير بهمة ومثابرة عجيبين، فى حين أن الجهود المطلوبة لإنقاذ الوضع من خلال إعادة تأهيل الفكر القومى وتحويله من عقيدة إقصائية ملزمة إلى هوية جامعة خيارية تكاد تكون معدومة. ومن الواضح أن مهمة إعادة تأهيل الفكر القومى العربى تقع على كاهل المفكرين والسياسيين العرب الذين يتوجب عليهم التعامل مع الواقع السلبى والسيئ بشكل إيجابى يؤدى إلى حماية الهوية العربية عوضا عن تدميرها بشكل كامل دون تواجد أى بديل مقبول سوى التبعية القهرية للآخرين ومنهم إسرائيل.

الأردن العربى ــ الأردن

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved