قراءة نقدية لكشف حساب وزارة الصحة أمام البرلمان

علاء غنام
علاء غنام

آخر تحديث: الإثنين 3 فبراير 2020 - 10:05 م بتوقيت القاهرة

كانت مناسبة استجواب بعض أعضاء البرلمان أخيرا فرصة جيدة لوزارة الصحة أن ترد وتقدم كشف حساب عن إنجازات الوزارة فى الآونة الأخيرة، وربما كان ذلك هو الهدف الحقيقى للاستجواب، حيث أعلنت وزيرة الصحة أن الوزارة انتهت من فحص 49 مليونا و927489 ألف مواطن مصرى ضمن مبادرة الرئيس للقضاء على فيروس سى والكشف على الأمراض غير السارية وذلك منذ أكتوبر 2018. وتم صرف العلاج بالمجان لحوالى 1.1 مليون مريض ثبت إصابتهم بفيروس سى وأثبتت التحاليل صلاحية تلقيهم للعلاج، وذلك يمثل أرقاما محددة إلى حد كبير ويعد مجالا للفخر للبعض، وربما يجب الإشادة به. ولكن، تظل عملية التقييم العلمى لهذا الجهد مجالا للمناقشة من حيث ضرورة إجراء دراسة دقيقة توضح فيها الوزارة نسب انتشار المرض الآن Prevalence قياسا لما كان عليه الوضع قبل بدء الحملة.
ومتى نستطيع بالفعل أن نعلن للعالم بثقة علمية أن معدلات انتشار المرض أصبحت أقل من 1% من السكان. فهذه هى النسبة التى تؤهلنا للمطالبة بشهادة عالمية تؤكد خلو البلاد من هذا المرض، الذى كنا نصنف باعتبارنا الدولة الأولى عالميا فى معدلات انتشاره، قياسا لعدد السكان. (كانت معدلات انتشار المرض قبل بدء حملة القضاء على فيروس سى الأخيرة تصل إلى قرابة 9% من السكان، وفقا للمسح الصحى الأخير DHS فى عام 2014).
خاصة أن السيدة الوزيرة أشارت فى تقرير إنجازات الوزارة إلى أن المبادرة استهدفت خلو مصر الدائم من فيروس سى والقضاء عليه، وذلك لم يقتصر على المصريين فقط، بل يشمل مسح الأجانب من ضيوف مصر المقيمين من غير المصريين، حيث تم فحص 68 ألفا و641 مقيما وتقديم العلاج لهم بالمجان لمن ثبتت إصابته.
***
وتابعت السيدة الوزيرة أن مبادرة 100 مليون صحة لم تقتصر على فحص فيروس سى فقط، بل امتدت لتشمل أطفال المدارس من خلال حملة الكشف عن أمراض السمنة/ التقزم/ الأنيميا فى المدارس الابتدائية حيث انطلقت الحملة بالتوازى فى شهر نوفمبر عام 2018 وتمكنت من فحص 9.7 مليون طالب وتم صرف علاج الأنيميا بالمجان. بالإضافة إلى التوعية وصرف العلاج للأطفال ضد السمنة والنحافة. وهو عمل هائل بالفعل، فالمعروف علميا أن مؤشر مركب الحالة الغذائية للأطفال الذى يشمل (التقزم/ الهزال/ فقر الدم تحت خمس سنوات) هو من مؤشرات قياس أداء القطاع الصحى فى محور الصحة فى أهداف التنمية المستدامة 2030، والذى كان يستهدف الأطفال تحت خمس سنوات من العمر فى 2020، والسؤال هنا ما هو الوضع الحالى فى هذا الصدد بعد انتهاء الحملة؟ ومتى يمكن قياس نتائج الحملة الفعلية؟
خاصة أن مثل هذا المؤشر المركب مرتبط بظروف اقتصادية واجتماعية، ربما أكبر من قدرات وزارة الصحة على علاجها، وما هو العلاج الذى تم صرفه لعلاج السمنة والنحافة على سبيل المثال؟ طبقا لما ورد على لسان الوزيرة أنها صرفت علاج للأطفال ضد السمنة والنحافة. وهل يمكن تقييم مثل هذه المبادرة الكبيرة دون إجراء مسح صحى سكانى جديد DHS يستخدم عينات ممثلة وواسعة؟ وذلك لم يحدث منذ عام 2014 (تاريخ آخر مسح صحى سكانى). ومن الجدير بالذكر أن الوزيرة أشارت إلى أن جميع المبادرات تحت شعار 100 مليون صحة مستمرة ومستدامة، وذلك ما نثنى عليه لما لنا من تجارب سابقة فى العديد من المبادرات الرأسية الصحية التى توقفت بمجرد توقف التمويل المخصص لها، وكنا دائما ندعو لدمج مثل هذه المبادرات الرأسية فى وحدات طب الأسرة (الرعاية الصحية الأساسية)، ضمن إطار نظام التأمين الصحى الشامل، لضمان استدامتها واستمراريتها.
وهذا الاتجاه هو ما تروج له كثير من أدبيات حوكمة النظم الصحية فى ضرورة البدء فى دمج البرامج الرأسية فى إطار مستوى الرعاية الأساسية، للحفاظ على استمراريتها وفعاليتها وإمكانية تقييم نتائجها على المدى المتوسط والطويل.
***
وأعلنت الوزيرة فى نفس التقرير أنه تزامنا مع رئاسة مصر للاتحاد الإفريقى عام 2019، أطلقت مبادرة الرئيس لعلاج مليون إفريقى من فيروس سى فى عدد من البلدان الإفريقية الصديقة، لدعم تلك الدول فى مسح وعلاج مواطنيها ونقل تجربة مصر فى حملة 100 مليون صحة للقضاء على فيروس سى والكشف عن الأمراض غير السارية.
وذلك بالفعل اتجاه إيجابى وجيد لدعم التعاون الإفريقى بين الأشقاء خاصة الذين يربطنا بهم شريان الوجود مثل نهر النيل. ومع ذلك، يجب تحديد آليات واضحة لإجراء مثل هذه المسوح وطرق العلاج التى نستطيع تقديمها بالفعل ليبقى لها أثر حقيقى فى علاقتنا السياسية والاقتصادية والثقافية بالبلدان الشقيقة.
إن علاج مليون إفريقى مصاب بفروس سى ليست بالعملية البسيطة، وهى على الأرجح تستلزم مسح لقرابة 50 أو 60 مليون مواطن إفريقى فى عدة بلدان، مما يعنى أهمية تحديد خطط واضحة وآليات تنفيذ محددة لعلاج هذا العدد الكبير. ولكن من ناحية أخرى، هذا الاتجاه يرفع من سقف طموح وزارة الصحة فى هذا المجال مما يستحق الإشادة به مع البدء فيه.
وأشارت السيدة الوزيرة إلى أن مصر نالت إشادات دولية على تجربتها فى تطبيق التأمين الصحى الشامل (كتجربة فريدة فى الشراكة والتنسيق الوطنى بين الوزارات والجهات المعنية المختلفة وضمان تطبيقه بما يحقق كفاءة وجودة الخدمة الطبية وتحقيق التغطية الصحية الشاملة).
وهذا فى الواقع يعد أحد محاور العمل المستمر الجاد الذى سوف يستمر لقرابة عقد من الآن، فإن بدء التطبيق فى مراحله الأولى ما زال محلا للتقييم، والمعروف أن مشاكل وتحديات التطبيق الأولى ربما مازالت تثير الكثير من القلق لدى العديد من الخبراء المتابعين لهذه التجربة الفريدة. ولعل ذلك من طبيعة الأشياء، فلا نريد المبالغة أو التهوين من حجم ما تم إنجازه بالفعل فى هذا المجال.
وفى الخلاصة، إن تقارير الإنجازات من عادة جهازنا البيروقراطى منذ زمن طويل، وهى للأسف لا تشمل بشفافية التحديات والإخفاقات، التى لن يقلل الاعتراف والتصريح بها من قيمة المسئول، فذلك أدعى للاحترام والموضوعية وقد تحفز الآخرين على المشاركة فى مواجهتها، خاصة إذا كانت أكبر من قدرة الوزارة على مواجهتها.
وكما أن الإنجازات شىء يدعو للفخر، فالإخفاقات المعترف بها وتحديد أسبابها والبدء فى علاجها شىء يدعو للاحترام والتقدير. ولهذا نؤكد على أساسيات الحوكمة الرشيدة والشفافية بصدر رحب يسع كل الاتجاهات طالما أن هدفنا هو خدمة الصالح العام، أى صالح المواطن البسيط، وهذه هى المصلحة الأساسية فى هذا النظام الصحى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved