التخلى

الأب رفيق جريش
الأب رفيق جريش

آخر تحديث: الأحد 3 مارس 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

لقد استغربنا جدا واستغرب العالم كله أن يعلن بابا روما بندكتوس السادس عشر التخلى عن منصبه بسبب وهن صحته ولنا الحق فى ذلك.. لم نشهد قبل ذلك شخصا تخلى عن منصبه فحياة السلطة والبذخ والشهرة والتحكم فى مقاليد الأمور وفى الناس تجعل كل قابض سلطة متمسكا بها ولا يتخلى عنها إلا بثورة أو بأن تلبى روحه نداء ربها، وفى عقليتنا الشرقية حتى السلطة الأبوية تظل متحكمة فى حياة أبنائها ولا تحررها بسهولة رغم أن من طبيعة الحياة أن كل عائلة جديدة عليها أن تستقل بذاتها وبقراراتها، وكل مدير لا يترك المجال لمن هم أصغر منه للإبداع والتجديد بل يرى أن رأيه هو الأكثر سدادا، وعلى الكل الخضوع له.

 

وفى جو احتفالى راق ودع البابا بندكتوس السادس عشر يوم الخميس الماضى رعاياه لكى يجدد فينا قيمة روحية رفيعة وهى التخلى طواعية وترك كل شىء من أجل التفرغ للصلاة والتأمل والعبادة ولكن هى فى الواقع ليست تفرغا ولكنها تفريغ من أجل الامتلاء تفريغ الذات من كل سلطة ونفوذ وثروة من أجل الامتلاء من الله وقد اشترط السيد المسيح على تلاميذه أن يتركوا كل شىء حتى الآب والأم والأبناء من أجل علاقة حميمية وسامية مع الله.

 

وهذه هى فكرة الرهبنة التى تأسست فى مصر على يد رهبان عظام مثل القديس بولا والقديس أنطونيوس وغيرهما وانتشرت فى العالم كله وهى التخلى عن ملذات العالم وموت عن «الأنا» وكل أنانية وتمحور حول الذات للتمحور حول الله «من رَفَعَ نَفَسَه أهلكها، ومن وَضَع نَفسَه رُفِع»  ( لو18: 10 ــ 14) وقليلون هم الذين يعيشون هذه التجربة الروحية التصوفية لأنها تحتاج إلى قوة إرادة فى التخلى والترك أو بالأحرى التحرر من أجل الامتلاء من الله.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved