كشف حساب مبكر لمرشحى الرئاسة

مصطفى كامل السيد
مصطفى كامل السيد

آخر تحديث: الإثنين 3 مارس 2014 - 10:19 ص بتوقيت القاهرة

عندما تمر عيناك عزيزى القارئ على هذه السطور يكون المهندس إبراهيم محلب قد انتهى من تشكيل الحكومة، وبدأ الوزراء الجدد والقدامى ممارسة مهامهم، وقد أوضحت التصريحات الأولى لرئيس الوزراء الجديد أنه لن يكون هناك تغير فى السياسات، ولكن سوف يكون التركيز على تحسين الأداء، وبطبيعة الحال لايسعنا إلا أن نرجو لكل هؤلاء الوزراء التوفيق، وأن ينجحوا رغم الظروف الصعبة التى سيعملون فى ظلها، والتى ستفوق التحديات التى واجهت حكومة الدكتور حازم الببلاوى، لأنه أضيف إليها التوقعات الهائلة للمواطنين بأن «الباشمهندس» محلب خريج المقاولين العرب، والذى ينزل إلى الشارع سوف يكون أكثر قدرة من سابقه الأكاديمى والمسئول الدولى المخضرم الذى لم يحالفه الحظ، ولم تسانده آلتنا الإعلامية الزاعقة، يستحق الثانى الشكر لتوليه المهمة فى ظرف دقيق، ويستحق الأول أن نتمنى له النجاح.

•••

وفى هذه الظروف، لابد أن اهتمام الرأى العام يتحول إلى المهمة الكبرى الثانية فى خارطة المستقبل، وهى انتخاب رئيس الجمهورية، ومع أن الخريطة الكاملة لمرشحى الرئاسة ليست معروفة بعد، إلا أنه من المفيد أن نعرف من الآن كيف نقيم هؤلاء المرشحين، وأن يحدد الرأى العام معايير جادة للحكم عليهم، فما هى الالتزامات التى يجب أن يقطعها كل مرشح على نفسه أمام المواطنين، والتى سيحاسبونه على أساسها أثناء الحملة الانتخابية؟ والأهم التزاماته بعدها إذا قدر له أن يفوز بأغلبية أصوات الناخبين.

أول هذه الالتزامات، هى تجاه الدستور الذى وافقت عليه أغلبية ساحقة ممن أدوا واجب الاستفتاء عليه منذ شهر ونصف، وهو الذى سيقسم المرشح الذى يفوز فى هذه الانتخابات باحترامه قبل أن يبدأ فى تولى مهام منصبه، والمطلوب من مرشحى الرئاسة ليس فقط إطلاق مثل هذا الوعد، ولكن أن يؤكدوا على ذلك بأن يطالبوا من الآن بالتنفيذ العاجل لما جاء فى هذا الدستور من النص على قائمة من الحقوق المدنية وفى مقدمتها الحق فى الحرية وفى الكرامة، وهو ما يعنى ضرورة إطلاق سراح كل هذه الأعداد الكبيرة من المسجونين، الذين لم تقم أى دلائل جدية على تورطهم فى جرائم من أى نوع وتوقف أجهزة الأمن والنيابة عن استخدام سلطة الحبس الاحتياطى بدون مبرر، وكذلك محاسبة المسئولين عن ممارسات التعذيب فى السجون والتى تعدت الشهادات بشأنها من جانب نشطاء سياسيين محسوبين على ثورة يناير، فضلا عن تقارير ست عشرة من منظمات حقوق الإنسان فى مصر بالإضافة إلى تقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية الموثوق بها، وتجاهل أى من مرشحى الرئاسة لهذا المطلب وإخفاقه فى الإلحاح على سلطات الدولة بضرورة الوفاء به، هو أكبر دليل على أنه لن يحترم الدستور عندما يصبح رئيسا للبلاد.

•••

وثانى الالتزامات التى يجب على كل المرشحين أن يقطعوها على أنفسهم تجاه الرأى العام، هى أن يتعهدوا بعدم استغلال غياب سلطة التشريع والرقابة الشعبية الممثلة فى مجلس النواب خلال الشهور الثلاثة الأولى لحكمهم، والتى يجب وفقا لخارطة المستقبل أن تتم أثناءها انتخابات هذا المجلس، وذلك بأن يصدروا مراسيم بقوانين توسع من سلطاتهم أو يتخذوا إجراءات تقيد من حريات المواطنين أو تؤثر على نزاهة الانتخابات النيابية، أو بمنتهى البساطة أن يماطلوا فى الإعداد لهذه الانتخابات بالاستخدام المتعسف لسلطاتهم أو نفوذهم. صحيح أن مجلس النواب عندما يجتمع فإن سلطاته تخول له أن يعيد النظر فيما أصدره الرئيس من مراسم بقوانين خلال فترة غياب المجلس، ولكن ربما يكون الأوان قد فات بعد أن أحدثت هذه المراسم آثارها المنافية لروح الدستور، وخصوصا ما جاء فى باب الحقوق والحريات وما ينص عليه الدستور من حدود لكل السلطات.

وثالث هذه الالتزامات له طبيعة دستورية وسياسية فى آن واحد. يجب أن يتعهد مرشحو الرئاسة باحترام نتيجة الانتخابات التشريعية، حتى ولو جاءت على غير هواهم. للأسف الشديد الدستور يعطى الرئيس الأولوية فى تشكيل الحكومة بعد الانتخابات، فهو لا يلزم الرئيس صراحة بأن يطلب من رئيس الحزب أو التحالف الحاصل على الأغلبية النيابية تشكيل الحكومة، وإن كانت هذه الحكومة ملزمة بعرض برنامجها على مجلس النواب والحصول على تأييده له، وعليها أن تستقيل إن لم تحصل على ثقة أغلبيته. على الرئيس المقبل ألا يتلاعب بهذه الصلاحية ويسعى للالتفاف على نتيجة الانتخابات متجاهلا الحزب أو التحالف الذى حصل على الأكثرية، وليس الأغلبية المطلقة، معتمدا على كثرة النواب غير الحزبيين، وقلة عدد المقاعد التى فازت بها معظم الأحزاب، سوف يفتح تلاعب الرئيس بنتيجة الانتخابات الباب واسعا أمام عدم الاستقرار الحكومى، إذ يمكن أن تتلاشى الأغلبية التى يسعى إلى تكوينها أمام مناورات ووعود تعرفها النظم البرلمانية، عندما لا يكون هناك حزب كبير له أغلبية حاسمة، وسوف تضرب مثل هذه الممارسات الرئاسية ديمقراطيتنا الوليدة فى مقتل، وتصرف المواطنين عن المشاركة السياسية وعن الثقة فى مؤسساتهم المنتخبة.

•••

وآخر الالتزامات المنبثقة من روح الدستور، يتعلق بالطبيعة المدنية التى يضفيها الدستور على الدولة المصرية. أيا كان تفسيرنا لتعبير الدستور عن هذه الفكرة، ولكن روح الدستور تقضى بأن تكون الحكومة المدنية هى حكومة لا تخضع لسلطة دينية من جانب، وهو أمر مستبعد على أى حال فى المستقبل القريب، وألا تخضع أيضا لسلطة عسكرية. الإمتيازات التى خلعها الدستور على المؤسسة العسكرية هى امتيازات مؤقتة، ويجب أن تنتهى كحد أقصى بعد دورتين رئاسيتين. لا تعرف النظم الديمقراطية جيوشا لا تخضع للسلطة المدنية المنتخبة أو تنفرد جيوشها باختيار من يمثلها داخل الحكومة، أو تتولى تحديد ميزانيتها دون رقابة حقيقية من السلطة الشعبية التى اختارها المواطنون فى انتخابات نزيهة وعادلة ومفتوحة للجميع. واجب المرشحين لمنصب الرئيس هو أن يتعهدوا بالإعداد للانتقال لهذه الأوضاع المستقرة فى النظم الديموقراطية.

ماذا عن برامج المرشحين؟ وفريق مساعديهم؟ وهل نقبل أن نستمع من المرشحين المختلفين وعودا وردية عن التزامهم عندما يفوز أى منهم بأنه سوف يوفر الرخاء لكل المواطنين، وسوف يجتذب مليارات الدولارات من الاستثمارات المحلية والأجنبية، وسوف يستأصل الفقر، ويقضى على البطالة، ويوفر المسكن اللائق والتعليم رفيع المستوى والعلاج الراقى لكل المواطنين، وطبعا سوف يحل مشكلات المرور والكهرباء والمواصلات خلال الشهور الأولى لرئاسته. فلنقل لكل هؤلاء المرشحين لقد سمعنا هذه الوعود من قبل، ولكن إذا كانت لكم رؤية أيا كانت، فقولوا لنا من أين ستأتون بالأموال لتنفيذ هذه الرؤية. نحن كمواطنين قد شببنا عن الطوق، نعرف بعجز الموازنة وبمديونيتنا الخارجية والداخلية المتفاقمتين، قولوا لنا مع هذه القيود على إنفاق الحكومة ومديونية القطاع الخاص، كيف ستخرجون من هذه الأزمات لننطلق على طريق الزهور إلى هذا المستقبل الموعود؟. وما هى رؤيتكم لخروجنا من حالة الاستقطاب التى يعرفها مجتمعنا؟ هل لديكم سبيل للخروج منه أم أننا سنعيش فى ظل هذا الاحتراب الذى مع استمراره لن يكون هناك استقرار ولا تنمية.

•••

والاختبار الثانى لهؤلاء المرشحين، هو أن يقدموا للرأى العام فريق المساعدين الذين سيتعاونون معهم. صحيح أن الرئيس يجب أن يهتم اساسا بقضايا السياسة الخارجية والأمن والدفاع، ولكنه سيشترك مع رئيس الوزراء فى تحديد السياسات العامة. وطبعا ليس مطلوبا منه أن يكون خبيرا فى كل الأمور، ولكن فريق المساعدين المحيطين به سوف يمكنه من أن يقدم العون المطلوب للحكومة فى صنع هذه السياسات وتوجيهها للإرتقاء بأدائها، وطبيعة الفريق الذى سيساعده وتنوع خبراته ومهاراته هو الذى سيحدد مدى نجاحه فى القيام بهذا الدور. ولذلك يجب أن يعلن هذا الفريق للرأى العام عند تقدمه له بطلب نيل ثقته.

هل تسهم مثل هذه الالتزامات إذا ما تجاوب معها مرشحو الرئاسة فى إضفاء طابع من الجدية والمصداقية على حملات الانتخابات الرئاسية المقبلة؟. هذا يتوقف ليس عليك فقط أيها الناخب المحتمل، ولكنه يتوقف بدرجة أكبر على هؤلاء المرشحين وعلى مدى احترامهم للناخبين.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved