طريقان أمام السيسى

محمد عصمت
محمد عصمت

آخر تحديث: الثلاثاء 3 مارس 2015 - 12:05 م بتوقيت القاهرة

أمام الرئيس السيسى طريقان، لا ثالث لهما، لكى يصبغ بأحدهما فلسفة حكمه فى مدته الرئاسية، الطريق الأول أن يختار المضى قدما فى اتباع السياسات الغائمة الغامضة السائدة حاليا، والتى يبدو من الكثير من المؤشرات أنها تستنسخ أسلوب حكم مبارك ببعض التعديلات الضرورية، والتى نراها فى تشديد قبضة الدولة والأمن على الحياة السياسية وهو ما تكشف بوضوح أخيرا فى تدخل أجهزة أمنية خفية فى ضبط إيقاع التحالفات السياسية والانتخابية، وإصدار قانون الكيانات الإرهابية، فى نفس الوقت الذى نلاحظ فيه رخاوة هذه القبضة بل واختفاءها بشكل يكاد نهائيا على الصعيد الاقتصادى، وهو ماتبدى ــ فى المحصلة النهائية ــ بالسعى لزيادة معدلات الخصخصة التى تستعد لالتهام المستشفيات وشركات الكهرباء، ورفع أسعار كل السلع والخدمات بلا استثناء، والتى يكتوى بنارها ملايين المصريين من الفقراء ومحدودى الدخل.

أما الطريق الثانى المتاح أمام السيسى فهو أن يختار موقفا اجتماعيا واضحا، ينحاز فيه للأغلبية الساحقة من الفقراء، ببناء نظام سياسى ديمقراطى حقيقى، يوازن بين السلطات، ويعلى قيمة ومقام دولة القانون والحريات، وبتدخل الدولة الصارم سواء فى تطبيق الحدين الأدنى والأعلى للأجور ورفع الشرائح الضريبية على الاغنياء وتوفير السلع الضرورية بأسعار فى متناول الجميع.

قد تكون قناعات السيسى الحقيقية رافضة تماما لعودة دولة مبارك ورموز نظامه، وقد يكون الرجل مؤمنا فعلا بفشل سياسات مبارك، ومدركا تماما أن استدعاءها من جديد سيشعل ثورة أو فوضى قد لا يمكن السيطرة عليها كما حدث مع ثورة يناير، لكن المناخ السائد حاليا يحفل بالكثير من الإشارات الدالة على استعادة ممارسات مبارك فى الكثير من النواحى، والأمثلة على ذلك كثيرة لا تخفى على أحد، مرورا بعودة التعذيب المنهجى فى السجون وسقوط قتلى فى الزنازين وفرض حظر نشر على هذا النوع من القضايا بدلا من تسليط الضوء عليها ومحاسبة الضباط المتهمين فيها بشفافية وفى العلن، مرورا بالعمل بقوانين متشددة وتطبيقها بصرامة على شباب لم ينضج سياسيا بعد، وتقسيم سلطات الدولة إلى ما يشبه الإقطاعيات والمثال الفج على ذلك رفض المحكمة الدستورية الكشف عن رواتب أعضائها وكأنه سر من أسرار الدولة العليا، يهدد إعلانه الأمن القومى المصرى، وإصدارالعديد من القوانين التى تكاد تؤمم الحياة السياسية وتضعها فى جيب الدولة الصغير، نهاية بوضع قوانين معيبة للانتخابات النيابية أرجات إجراءها لعدة شهور قادمة، ليستمر غياب السلطة التشريعية، وكأنها تعطى المجال عمليا لتوحش نفوذ السلطة التنفيذية، بدون مراجعة أو مساءلة أو رقابة!

الرئيس يواجه بمثل هذه الممارسات خطرا داهما يتمثل فى محاولات بناء نظام رئاسى بصيغة مستبدة عرفناها طوال الستين عاما الماضية، ورئيس بصلاحيات نصف إله كحكام الفراعنة، يمارس مهامه بلا محاسبة ولا رقابة، ويسيطر بطرق مختلفة على كل مؤسسات الدولة، وكأنها سكرتارية تابعة له يسيرها وفق رؤيته وهواه، ويبقى فوق القانون وفوق الدستور أيضا، فى إهدار واضح وصريح لكل المكتسبات الديمقراطية التى حققها المصريون بعد ثورتى يناير ويونيو.

ندرك جميعا أن تحديات الإرهاب التى نواجهها مع السيسى تهدد وجودنا نفسه، وانها قد تطيح بالدولة ذاتها، ولكن التحدى الأكبر الذى ينتظرنا هو محاولة الفاسدين، وهم كثر فى مصر، صنع ديكتاتور جديد فى مؤسسة الرئاسة، يحمون به فسادهم وخراب ذممهم واستمرارهم فى نهب ثروات البلد.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved