إلى أين يتجه العالم؟ إلى الأفضل أم إلى الأسوأ؟

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: الأحد 3 مارس 2019 - 12:10 ص بتوقيت القاهرة

نشرت مؤسسة The Walrus مقالا للكاتب BRUCE MAU يتناول فيه السيناريوهات المختلفة لمستقبل العالم.. حيث يتحدث عما يسمى بثورتى الإمكانية والإنكار.. وسوف يتحدد مصير العالم وفقا للثورة التى سوف نتبناها.
شهد عام 2018 الذكرى الخمسين لما يعتقد الكاتب أنه الثورة الأخيرة العظيمة «فوضى عام 1968»، عندما بدأت حرب فيتنام فى التحول، حيث اندلعت الاحتجاجات الطلابية، ووصل ربيع براج إلى نهاية ساحقة. واليوم، لا تواجه أمريكا الشمالية ثورة واحدة بل ثورتين هما: ثورة الإمكانية وثورة الإنكار. قد لا يبدو هذا وكأنه وقت ثورى ولكن إذا نظرنا عن كثب، يمكننا أن نرى القوى الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الحالية تجذبنا إلى اتجاهين. أحدهما يدفعنا للأمام، والآخر يجرنا إلى الخلف. وسنقرر مصيرنا بالثورة ــ الاتجاه ــ التى نتبناها.
ثورة الإمكانية مدفوعة بالتعليم والعلوم والابتكار والتصميم. إنها مجموعة من الثورات العلمية والتكنولوجية، وكلها يغذى بعضها بعضا. وهنا يتعلق الأمر بالوصول إلى الثروة والصحة والحرية الشخصية .أما ثورة الإنكار فهى مدفوعة بالخرافات والخوف، مزيج من الجهل واليأس والجشع والعنصرية والكراهية، كما تتعلق بإبعاد الآخرين وحماية أنفسنا ومصالحنا فقط.
فى ثورة الإمكانية كل شىء غير مستقر وديناميكى وتحويلى ــ وهى حالة مقلقة للغاية لكثير من الأفراد. وقد صرح رئيس الوزراء الكندى جاستين ترودو لمجموعة من رجال الأعمال فى الاجتماع السنوى للمنتدى الاقتصادى العالمى فى عام 2018 بالقول: «إذا كنت قلقا، فتخيل كيف يشعر الناس غير الموجودين فى هذه القاعة». العمال، الأفراد الذين لا يرون فوائد النمو الاقتصادى، النساء والرجال الذين يحاولون ارتقاء درجات السلم الوظيفى، بالنسبة لهم، التكنولوجيا هى مفيدة فى حياتهم الشخصية ولكنها تمثل تهديدا لوظائفهم. «التغيير التكنولوجى هو زعزعة للاستقرار.. فقد أشار تقرير ــ صدر أخيرا ــ إلى أن التشغيل الآلى يمكن أن يؤدى إلى تهجير ما يقدر بنحو 400 إلى 800 مليون شخص بحلول عام 2030. ولا أحد يعلم أى الوظائف سوف تكون موجودة خلال الخمسة عشر عاما القادمة وأيها سيختفى. لكننا نعرف أن ثورة الإمكانية تحقق أيضا مآثر تفوق خيالنا.
على مدى الـ200 عام الماضية، شهدنا انعكاسا إيجابيا فى كل الاتجاهات تقريبا. وقد واجهنا تحديات كبيرة، من إدارة انتشار الأمراض المعدية إلى توفير التعليم العام المجانى. وقد قام العديد من بلدان العالم، جماعيا، بتنظيم جهود للتصدى لكثير من الأمراض. لقد قمنا ببناء بنية تحتية عالمية للتصنيع والنقل والسفر الجوى والاتصالات. أكثر من 4 بلايين من الناس أصبحوا الآن قادرين على الوصول إلى الإنترنت، وتزويدهم بكميات هائلة من المعلومات، وقد تضاعف الإنتاج الزراعى أكثر من ثلاثة أضعاف منذ عام 1961. إلا إن العديد من المعلقين مقتنعون بأننا نتخلف عن الركب. أعلنت «ذى أتلانتيك» فى يناير 2018 أن «الثقة تنهار فى الولايات المتحدة»، مشيرة إلى تراجع الثقة فى الحكومة والإعلام.
فى عام 1820، كان ما يقدر بنحو 94 فى المائة من جميع مواطنى العالم يعيشون فى فقر مدقع. وكانت الفجوة بين الأغنياء والفقراء عميقة.. أما اليوم فأغنى أغنياء العالم ــ فى الوقت الذى يتمتع فيه بفرص نحن لا نستطيع الوصول إليها ــ يعيش بشكل أو بآخر بنفس الطريقة. كلانا قادر على الوصول إلى التعليم، استخدام الطائرات، امتلاك الهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر، وامتلاك الإنترنت.. إلخ؛ فالتكنولوجيا سمحت لمليارات الأشخاص بمشاركة التجارب نفسها. ثورة الإمكانية تحقق مساواة جذرية ومبنية على منصة اتصال مفتوح. يجب أن يكون فى متناول الجميع. هذا الوصول إلى الإمكانية لبلايين الناس فى جميع أنحاء العالم هو المطلوب تحقيقه.
فى محاضرته لجائزة نوبل عام 1957، أشار رئيس الوزراء الكندى ليستر بيرسون إلى المؤرخ أرنولد توينبى، الذى قال إن التاريخ سوف يتذكر القرن العشرين بشكل رئيسى من قبل الأجيال القادمة، باعتباره ليس عصرا من الصراعات السياسية أو التطورات التقنية أو الاختراعات، ولكن كوقت تجرأ فيه المجتمع البشرى على التفكير فى رفاهية الجنس البشرى ككل كهدف عملى.

الاقتصاد
إن اعتناق ثورة الإمكانية سيعنى تحرير البشر من العمل الخطير والذى لا يحتاج إلى العقل. قد يبدو التشغيل الآلى مرعبا، ولكن من الصعب أتمتة الوظائف التى تتضمن الإبداع والتفاعل الاجتماعى واللمسة الإنسانية، وهى أكثر إشباعا من العمل الذى تؤديه الروبوتات بشكل أفضل. ويمكن للسيارات الآلية أن تجعل ما يقرب من 300 ألف سائق كندى عاطلا عن العمل، لكن السيارات الآلية يمكن أن تحمى أيضا آلاف الأشخاص من القتل سنويا على أيدى السائقين. لا تأتى الأتمتة بدون تكاليفها. وسيؤثر ذلك بشكل غير متناسب على الأشخاص أصحاب الدخول المنخفضة، لذا يجب أن نبنى أنظمة لمساعدة العمال على إعادة تدريبهم ومنعهم من أن يصبحوا عاطلين عن العمل.
من الجدير بالذكر أن ثورة الإمكانية تعنى: إتاحة الفرصة للجميع. من ناحية أخرى، فإن ثورة الإنكار تعنى التمسك بشدة بالتكنولوجيات والصناعات وأنظمة الطاقة التى عفا عليها الزمن بغض النظر عن التأثير الاقتصادى والبيئى والبشرى. توفر البلدان فى مجموعة العشرين مبلغ 444 مليار دولار كإعانات لشركات الوقود الأحفورى (فى عام 2016، قدمت كندا 3.3 مليار دولار إلى الصناعة). وأصر الرئيس دونالد ترامب على أهمية إنقاذ صناعة الفحم فى الولايات المتحدة، على الرغم من تراجع الطلب على الفحم.
كما أن ثورة الإنكار تعنى تركيزا أكبر للثروة فى أيدى عدد أقل من الأفراد، حيث يمتلك 1٪ من الأفراد أكثر من 40٪ من ثروة العالم. منذ عام 1980، ازداد التفاوت فى الدخل بسرعة فى أمريكا الشمالية، وروسيا، والصين، والهند وبشكل أقل نسبيا فى أوروبا. من الخطورة أن يعيش المواطنون الأكثر ثراء بطرق منفصلة تماما عن باقى المجتمع وأن يفقدوا الاتصال بمجتمعاتهم.

الصحة
منذ 200 عام، يزداد متوسط الأعمار العالمى، ولكن هناك تفاوت فى هذه المسألة من منطقة جغرافية إلى أخرى، حيث تشهد البلاد التى تعانى من الصراعات والأزمات انخفاضا فى متوسط الأعمار. يبدو الاتجاه العام واضحا، فلقد أدى التقدم التكنولوجى والعلمى إلى زيادة قدرتنا على التدخل الطبى، وهو ما أدى إلى ظهور أشكال جديدة من الرعاية الصحية، وانخفاض معدل وفيات الرضع، ومن ثم ارتفاع متوسط الأعمار.
ويؤكد الكاتب أنه عندما تتعاون الدول معا لحل المشكلات العالمية فإنها تستطيع حلها.. فعلى سبيل المثال، تم القضاء على مرض الجدرى عام 1980، وذلك بعد حملة كبيرة قادتها منظمة الصحة العالمية مع مستشارين دوليين من أكثر من سبعين دولة. كما تتنبأ مؤسسة بيل وميليندا جيتس ــ التى توفر مليارات الدولارات للجهود المبذولة لتحسين الصحة العالمية ــ بإمكانية القضاء على أربعة أمراض أخرى بحلول عام 2030، بما فى ذلك شلل الأطفال والدودة الغينية.

الحرية والديمقراطية
تتعهد ثورة الإمكانية بدعم حرية الحركة وحرية التعبير والصحافة الحرة. لقد شهد العقد الماضى تراجعا فى الحرية العالمية، وذلك مع توجه عدد من الدول إلى الاستبداد؛ فلقد تم استخدام الإنترنت، وخاصة وسائل التواصل الاجتماعى، ومنصات الفيديو لإطلاق حملات الكراهية. فعلى سبيل المثال، استخدمت الأحزاب اليمينية المتطرفة فى أوروبا وسائل التواصل الاجتماعى لنشر الخوف من المهاجرين وللضغط من أجل إغلاق الحدود الوطنية.
أما على مستوى حرية التعبير فهى أيضا تحت التهديد. ووفقا للتقارير الصادرة عن مؤسسة فريدوم هاوس، أنه بين عامى 2016 و2017، حاولت نحو ثلاثين حكومة من بين خمس وستين حكومة السيطرة على المناقشات عبر الإنترنت. ففى تركيا ــ على سبيل المثال ــ تم إغلاق أكثر من 180 وسيلة إعلامية ودار نشر، فضلا عن صعود قادة أمثال دونالد ترامب والفلبينى رودريجو دوتيرتى الذين يمتلكون خطابا معاديا لوسائل الإعلام.

التغير المناخى
تعتبر قضية تغير المناخ من أهم القضايا التى تشغل العالم اليوم. فوفقا لما ذكره التقرير الخاص للفريق الحكومى الدولى المعنى بتغير المناخ فـ«إننا أمامنا 11 عاما فقط لمنع الفيضانات المدمرة والجفاف وأزمات اللاجئين. وإذا ارتفعت درجات الحرارة بمقدار درجتين، فإن 99 فى المائة من الشعاب المرجانية الاستوائية سوف تموت، وسيضطر ملايين الأفراد إلى إخلاء المناطق الاستوائية للهروب من الفيضانات والجفاف. إن الحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى 1.5 درجة أو أقل ــ وهو الهدف المحدد فى التقرير ــ سيتطلب جهدا جماعيا لتحقيق انبعاثات خالية من الكربون بحلول عام 2050».
من السهل أن نشعر بالتشاؤم عند مواجهة مثل هذه التنبؤات والعواقب الوخيمة، ولكن نستطيع أن نعمل على حل تلك الأزمة. فهناك تحرك من جانب الأفراد والحكومات فى جميع أنحاء العالم، حيث يتخذون إجراءات مثل استنساخ أشجار الخشب الأحمر وزرع الشتلات كخطوة نحو إعادة الغابات القديمة فى الولايات المتحدة. كما تمتلك الهند أكبر سوق فى العالم لمشاريع الطاقة المتجددة.. قد يكون هذا العقد المقبل نقطة تحول فى تاريخنا، وسوف نفهم أن مصائرنا الجماعية متشابكة.
ختاما، يقول الكاتب: «قد تبدو الثورتان اللتان أشرت إليهما بمثابة نموذج بسيط لعالم معقد يتغير باستمرار. لكنها تساعد فى توضيح الطريق إلى الأمام. يجب علينا إيجاد طرق للثقة فى بعضنا البعض وأن نلتزم بالرفاهية العالمية، دون التركيز فقط على تحسين أنفسنا أو مدينتنا أو دولتنا. فى النهاية، سيكون لنا جميعا الحق فى اختيار ثورتنا، وبالتالى فإن كل دولة ومنطقة ستختار أيضا. ولكن ما لم نختر معا، وما لم نرصد ونشهد جماعيا ثورة الامكانية التى تنتظرنا سنكون قد فقدنا فرصتنا».

إعداد: ريهام عبدالرحمن العباسى
زينب حسنى عزالدين
النص الأصلى:من هنا

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved