«السلطان» أردوغان ووصية سلفه.. «أخاف أن يصيبنى فى سوريا ما أصابنى فى لبنان»!

طلال سلمان
طلال سلمان

آخر تحديث: الثلاثاء 3 مارس 2020 - 9:20 م بتوقيت القاهرة

.. ولما اطمأن السلطان أردوغان إلى تفكك العرب وسيادة الفرقة بين دولهم التى معظمها مصطنع ومصنع.
.. وإلى استقطابه الدعم الروسى بالحاجة إلى أرضه للنفاذ إلى أوروبا، إضافة إلى «التحالف القديم» مع الغرب بعنوان الولايات المتحدة الأمريكية، لمحاصرة الاتحاد السوفيتى الذى اختفى ساحبا معه المعسكر الاشتراكى بل والشيوعية جميعا إلى «الماضى» الذى لن يعود.
.. وإلى خفوت الثورة فى فلسطين بعد انزلاق قيادتها، هى الأخرى إلى الصلح مع العدو الإسرائيلى.
.. وإلى تفرق العرب على أيدى سبأ: أغنياؤهم فى النعيم وفقراؤهم فى الجحيم، وأمريكا فى كل مكان، ومعها إسرائيل التى أسقط «النظام العربى» صورة «العدو» عنها..
فى ظل ذلك كله أمكن لأردوغان أن يباشر التصرف وكأنه، مع العرب تحديدا، السلطان الجديد، بينما هو فى موقع التابع لسياسات الإمبراطورية الأمريكية، وفى موقع المناور الانتهازى مع القيصر الروسى بوتين الذى يعرف التاريخ جيدا ولكنه يتميز بذكاء المناور الداهية.
.. وهكذا أمكنه توظيف أعداد من اللاجئين السوريين (وبينهم من كانوا فى تنظيم القاعدة) إلى تركيا لإرسالهم إلى ليبيا البلا دولة ليقاتلوا (ويُقتلوا) فيها، طمعا فى الحصول على حصة من النفط الليبى الذى يكاد يكون الآن، وفى ظل تمزق جماهيرية القذافى، بلا صاحب...
وهذا قد يجعل «السلطان» فى مواجهة أخرى مع أوروبا عموم، والروس ضمنا، ومصر حتما، وإن كان قد حاول طمأنة تونس والجزائر بأن «أطماع السلطان» لا تشملهما بغض النظر عن تصديقهما هذا الادعاء، أو الصمت عنه بالحرج.
لكن ذلك كله لم يشبع نهم أردوغان إلى وراثة السلطان بمد نفوذه إلى المحيط العربى المنقسم على نفسه، وافتراق الأغنياء بالنفط والغاز عن إخوتهم الفقراء.. وهكذا افترض «السلطان» أنه قد وجد، أخيرا الفرصة لاستعادة أمجاد أسلافه سلاطين الإمبراطورية العثمانية.
.. وهكذا قفز أردوغان إلى قطر، مستغلا عزلتها المفروضة عليها عربيا، ليحظى بجزء من قاعدة «العيديد» الكبرى، قرب الدوحة، بالشراكة مع الأساطيل الأمريكية فيها كما فى نهر الذهب فى شبه الجزيرة التى يحاصرها جيرانها فى الدول الخليجية بسبب الطموح المفتوح لدى أميرها المذهب من أجل لعب دور عربى وإقليمى ودولى ولو بالثمن... ولقد استخدمه الأمريكيون فى ما ينفع مصالحهم، كما أفادت منه إيران المحاصرة، والأهم أن الدول الكبرى بعنوان واشنطن وموسكو ولندن وباريس كانت تستثمر فى طموحاته وغروره لتحقيق مصالحها، تاركة له أن يتحمل التكاليف سعيدا بهذا الدور الذى يتجاوز به حجم دولته.
هكذا يمكن القول: «وافق شن طبقة»، فشيخ قطر الذى يملك من الثروة أكثر مما يحتاج، خصوصا مع تصاغر حجم بلاده، وهى شبه جزيرة فى الخليج العربى، تواجهها عند الضفة الأخرى إيران التى تشاركها فى استثمار الغاز، وتفيد من الحركة النشطة لأميرها لتلمس ما يُحاك لها فى الخفاء، ولتبث عبرها «رسائل» إلى «الخصوم الكبار»، كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، ولتتلقى كذلك الرسائل المشفرة من مختلف العواصم التى تقاطع إيران وتسعى للضغط بالحصار الاقتصادى.
شيخ قطر، الطموح، فتح بالذهب الطريق إلى العواصم الكبرى، وتطوع لأن يكون وسيطا (بالثمن) فى مختلف الأزمات الدولية، وبينها الحرب الأمريكية على أفغانستان المستمرة منذ العملية الهائلة التى استهدفت الأبراج فى نيويورك فى 11 سبتمبر2001، والتى كان أبطالها عربا (بينهم أكثر من شاب لبناني)، وهى قد هزت العالم أجمع لفرادتها، وفتحت صفحة جديدة فى تاريخ الابتكار فى الوسائل للوصول إلى أهداف تبدو شديدة التحصين بحيث يفترض أنها «آمنة» فى كل عصر وأوان.
كذلك فقد فتح هذا الشيخ الطموح وهائل الثراء الأبواب للتوسط بين كل المختلفين فى العالم، متابعا ما باشره أبوه الشيخ حمد بن خليفة الذى نال السباق فى الاعتراف بالعدو الإسرائيلى وإقامة العلاقات الدبلوماسية وتبادل الزيارات مع أركان دولته.. وبعدما كان والده قد قدم قاعدة العيديد فى الدوحة لسلاح الجو الأمريكى، فقد تبرع تميم بن حمد بتقديم جزء منها إلى سلاح الجو التركى.. وها هو الآن يتوسط بين الولايات المتحدة وأفغانستان لإنهاء حرب مفتوحة منذ تلك العملية غير المسبوقة التى استهدفت أبراج نيويورك فى 11 سبتمبر 2001، ويستقبل الموفدين لهذه الغاية فى العاصمة المذهبة – الدوحة.
***
تتمدد القوات التركية الآن، بأوامر من «السلطان أردوغان» فى الشمال السورى.. وبرغم إجلائها عن حلب ومحيطها فإنها تتحصن فى إدلب، حيث ترعى مخلفات عصابات الإرهاب (القاعدة ومن معها)، وفى الشمال الشرقى حتى القامشلى مع محاولات للتقدم نحو دير الزور، حيث أفاد الأمريكيون من الفوضى المسلحة التى غيبت النظام عن تلك المناطق للتقدم إلى حيث آبار النفط والغاز شمال شرقى سوريا وباشرت الإفادة منها.
عادت تركيا، هنا، حليفة للولايات المتحدة الأمريكية، بينما هى تواجه القوات الروسية الرسمية حليفة النظام السورى فى الشمال السورى (إدلب وجوارها..) موفرة للعدو الإسرائيلى الفرصة لمهاجمة بعض كتائب الفدائيين الفلسطينيين (حماس والجهاد) الذين قدمت لهم سوريا بعض القواعد فى ضواحى دمشق للتدريب، استعدادا للعودة إلى فلسطين بعنوان غزة لمواجهة العدو القومى فى الأرض المحتلة.
وحين احتدمت المعارك على جبهة إدلب، وتمكنت القوات السورية من تدمير قافلة من الدبابات والمصفحات التركية التى كانت تحاول منعها من التقدم، بادرت الإدارة الأمريكية إلى الإعلان عن استعدادها لتقديم المساعدة محاولة ضرب العلاقات بين أنقره وموسكو، ولكن «السلطان» أردوغان رفض هذا «الفخ»، مرجئا القرار إلى ما بعد اللقاء بالقيصر الروسى بوتين فى قمة ستجمعهما قريبا فى مؤتمر دولى مقرر.
***
فى زمن مضى، وقبيل انهيار «الإمبراطورية العثمانية»، واجه السلطان عبدالحميد الضغوط الدولية التى اشتدت عليه لإعطاء «وعد» للحركة الصهيونية التى جاءها وفد منها برئاسة «هيرتزل» بإعطاء فلسطين لليهود بمقولة لا تنسى: أخشى أن يصيبنى فى فلسطين ما أصابنى فى لبنان..
.. وما أصابه فى لبنان أن القوى الغربية قد فرضت عليه السماح بجعل لبنان متصرفية شبه مستقلة يحكمها «متصرف» تعينه الدول ويعتمده السلطان بشرط ألا يكون مسلما، وهكذا توالى على المتصرفية عدد من المتصرفين كانت غالبيتهم من الأمن... الذين كانوا يذوقون الأمريْن على أيدى السلطنة وقد هرب قسم كبير منهم إلى سوريا ولبنان حيث يستقرون حتى الآن..
والزمن دوار..

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved