حرية الرأى والتعبير.. حق دستورى

جورج إسحق
جورج إسحق

آخر تحديث: الأربعاء 3 مارس 2021 - 8:35 م بتوقيت القاهرة

نصت المادة 65 فى دستور 2014 أن حرية الفكر والرأى مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه قولا أو كتابة أو تصويرا أو غير ذلك من وسائل النشر، فهل نستطيع أن نطبق هذا الحق الدستورى دون أن يدفع ثمن التعبير عن الرأى سنوات فى السجن أو أن يتهم كل من يعبر عن رأيه بأنه إرهابى؟! فهذه أفكار لا تبنى إطلاقا وطنا حرا ديمقراطيا حديثا.
إن حرية الرأى والفكر هو موضوع الساعة فى العالم كله.. وترجع بدايات المفهوم الحديث لحرية الرأى والتعبير إلى القرون الوسطى فى المملكة المتحدة فى إنجلترا سنة 1688، وفى فرنسا تم إعلان حقوق الإنسان للمواطن سنة 1789، عقب الثورة الفرنسية، الذى نص على أن حرية الرأى والتعبير جزء أساسى من حقوق المواطن.
وفى المادة رقم 19 من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان يُعترف بحق حرية التعبير كحق أساسى من حقوق الإنسان، وفى القانون الدولى لحقوق الإنسان للعهد الدولى الخاص للحقوق المدنية والسياسية تنص المادة 19 من العهد الدولى أن لكل إنسان حقا فى اعتناق آرائه دون مضايقة وأن لكل إنسان حقا فى حرية التعبير. ولكن هناك أيضا محاذير أو قيودا وأنه يجب احترام حقوق الآخرين أو سمعتهم لحماية الأمن القومى أو الصحة العامة أو الآداب العامة، هل كل هذه المواثيق التى نعترف بها فى مصر تؤدى إلى ممارسة هذا الحق بموجب الدستور الذى أجرينا عليه استفتاء وأخذ نسبة عالية من الموافقة؟!
***
تنطوى حرية الرأى والتعبير على حقين متكاملين الأول «حق حرية الرأى» والثانى «حق حرية التعبير عنه» ولا يمكن الفصل بينهما أو ممارسة أحدهم دون الآخر، فحرية التعبير هى انعكاس لحرية الرأى وبموجبهما ينتقل الفرد من مرحلة اعتناق الرأى إلى مرحلة التعبير عن محتواه، فهل نستطيع فى هذه المرحلة من تاريخ الوطن أن نطبق هذه المعايير ونفتح رئة مصر لكل من يريد أن يعبر عن رأيه وأن لا يجرّم أى مواطن بالسجن بسبب التعبير عن رأيه لأن هذا ضد الدستور والمعايير الدولية! فهل الحبس الاحتياطى ووضعه القائم لا يستدعى النظر فى هذا الأمر الخطير؟ لأن الحبس الاحتياطى له مدة محددة، وليس عقوبة ويقبع فى السجن الآن محبوسون احتياطيا لمدد أكثر من ثلاث سنوات. وقد حان الوقت للنظر فى قانون الحبس الاحتياطى.
ورغم كل هذا فهناك محاذير فى الدول الأوروبية على حرية الرأى مثل «الدعاية للحرب، الدعوة للكراهية ـ التمييز للعنصر الدينى» ولتكتمل منظومة حرية الرأى والتعبير يجب أن يتمتع الناس حسب المواثيق الدولية بحق التظاهر السلمى، وإتاحة المعلومات بشفافية حتى لا تئول أى أخبار غير صحيحة. وأن يستمع الحكام للأفكار التى يطرحها الناس بعناية وتمعن وبغير استهزاء لما يقولون إذا كانت تحمل معلومات أو نقدا خلاقا لصالح الوطن. وفى الأيام القليلة الماضية تم الإفراج عن الدكتور/ حازم حسنى الأستاذ الجامعى وهذا الخبر أسعد الكثيرين وفتح الأمل أن نرى إفراجات قريبة لكل صاحب رأى بأن هذا يعطى الشباب أملا فى مستقبل أفضل.
***
يجب أن يعلم الجميع أن هناك وسائل اتصال حديثة تستطيع أن تلعب هذا الدور بشكل جيد، فلماذا نخفى الحقائق ونخفى الآراء المختلفة فى ظل وجود وسائل اتصال جديدة؟ إن العالم أصبح قرية صغيرة يتناقل الناس الأخبار بسهولة ولا تستطيع أى قوة أن تمنع من إظهار الحقيقة. وفى دول العالم التى تنادى بحرية الرأى والتعبير هناك فى فرنسا مثلا عدم الحديث عن جرائم الإبادة الجماعية ضد اليهود، وفى ألمانيا نفس الشىء، وفى بولندا يعتبر الإساءة إلى الكنيسة الكاثوليكية ورئيس الدولة جريمة يعاقب عليها القانون. وطبعا هناك من الأفلام الكثيرة التى أصابت الرأى العام فى الخارج مثل: حياة داريان، رواية آيات شيطانية التى أثارت الكثير من الحوارات والمناقشات ونماذج كثيرة.. ولكن كل هذا لا يمنع من أن نفتح رئة مصر حتى يتنفس الناس بسهولة دون ضغوط أو ممارسات غير مقبولة، هل نستطيع؟.
نحن نراهن على ذلك ولا يجب أن ننتظر تغيير الرئيس الأمريكى بآخر، حتى نؤمن بحرية الرأى والتفكير لأن أى ضغوط من الخارج غير مقبولة، لأن كل دول العالم لها مصالح سياسية واقتصادية فلا يجب أن نراهن على هذا، وأن نفرج عن كل أصحاب الرأى المقبوض عليهم، بدون ضغط من الخارج، لأن العالم كله الآن مهتم جدا بحقوق الإنسان. ومن المقرر أن يعقد فى «جينيف» مؤتمر لتقييم حقوق الإنسان فى بلاد العالم، نريد أن نذهب إلى هذا المؤتمر ونحن معنا ما يثبت أننا فى طريقنا إلى مرحلة جديدة وإلا سنخسر الكثير. لأن هذا التقييم نحن نعلم جيدا أنه لا يفرض عقوبات ولكن التأثير سيكون فى مجالات أخرى، فنحن لا نريد أن نعرّض البلاد لأى مخاطر ونذهب لمؤتمر جينيف مرفوعى الرأس، ومعنا من الوثائق الجدية والحقيقية التى تتكلم عن حقوق الإنسان فى مصر. فهذا المؤتمر شديد الأهمية وسنرى الهجوم من جهات مختلفة فيجب أن نكون متسلحين بوثائق مقنعة فى هذا المؤتمر بأننا بدأنا حالة انفراج سياسى.
***
إن حقوق الإنسان والاعتراف بها وتفعيل مواثيقها يسمح للمجتمع بالتطور والتقدم، وتدعو إلى التغيير من أجل الأفضل، والقدرة على الاستماع للآخرين، لأن الإنسان يحتاج إلى سماع آراء الآخرين وكذلك تقديم رأيه لهم. وهناك قضية حساسة حيث شهد العالم فى أواخر 2005 وبداية 2006 ضجة سياسية وإعلامية ودينية واقتصادية حول ما اعتبره المسلمون إساءة للنبى محمد واعتبره العالم الغربى وسيلة فى حرية الرأى والتعبير، ونتيجة للضغط الشعبى بدأت مؤخرا حركات فى أوروبا تطالب بتعديلات فى القوانين القديمة المتعلقة بالإساءة للرموز الدينية. هكذا تفعل الآراء المتغيرة التى تحسن من أداء حقوق الإنسان.
نحن نتمنى ونرجو أن نرى وطننا مصر فى مقدمة الدول التى تحترم حرية الرأى والتعبير، فنطالب بتعديل كل القوانين التى تجرّم الأشخاص الذين يحتجون سلميا. هل نحن فى بداية مرحلة جديدة للسماح بحرية الرأى والتعبير بموجب الدستور والمواثيق الدولية؟ نتمنى ذلك.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved