مصر والقمح الروسي
عمرو هاشم ربيع
آخر تحديث:
الخميس 3 مارس 2022 - 7:45 م
بتوقيت القاهرة
فى تقرير صادر عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء صدر منذ عدة أيام، ذكر أن واردات مصر من القمح خلال الـ 11 شهرا الأولى من العام 2021 كانت 2.4 مليار دولار، وأنها استخدمت لاستيراد 6.1 مليون طن، وذلك مقابل 2.9 مليار دولار حجم الواردات من العام الماضى خلال نفس الفترة، وأن هذا المبلغ استخدم لاستيراد 11.8 مليون طن. وذكر التقرير أنه خلال العام 2021 كان اعتماد مصر على القمح الروسى بنسبة 69,4% يليه القمح الأوكرانى بنسبة 10,7% فالرومانى 6.2%، وتلى هذه الدول الثلاث على الترتيب كل من أستراليا وفرنسا وليتوانيا والمالديف وكندا والصين وكوريا الجنوبية.
استكمالا للبيانات ذكرت الإحصاءات الواردة من وزارة الزراعة ووزارة التموين أن الموسم الحالى للقمح ينتظر أن يكون من خلال زراعة 3.6 مليون فدان، أى أنها تقريبا ثلث المساحة المزروعة من الأراضى الخصبة المصرية. وأن الدولة من خلال الهيئة العامة للسلع التموينية هى أكبر مشترٍ من الفلاح المصرى بحجم قدر عام 2021 بنحو 3.6 مليون طن. وفى ذات السياق قدرت الحكومة المصرية المخزون الاستراتيجى من القمح عام 2022 بأنه يكفى لمدة تسعة أشهر، وهو مخزون متواجد فى الصوامع والمطاحن، إضافة إلى المنتظر توريده من الفلاحين فى الموسم الزراعى هذا العام الذى يبدأ من أبريل وينتهى فى يونيو 2022.
وهكذا تشير تلك البيانات إلى عدة حقائق:
أولا: إن المنتج مصرى من القمح رغم زيادته عام 2022 عن العام 2021، إلا أنه ما زال أقل من حيث الحجم من القمح المستورد من الخارج، ما يجعل هناك حتمية للعمل السريع على وجود بدائل داخلية وخارجية لتعويض حالة الاهتزاز المتوقع فى الأسواق العالمية، والذى ستتأثر به مصر بعد مرور الأشهر التسعة منذ بداية العام 2022.
ثانيًا: أن الحرب الروسية الأوكرانية والعقوبات المفروضة بسببها على روسيا ستؤثر بشكل كبير على مصر، وهى المستورد الأكبر للقمح فى العالم. هذا التأثير يأتى بسبب صعوبة الحصول على القمح من روسيا وأوكرانيا (80.1% من حجم واردات مصر من الدولتين) بسبب ظروف الحرب والعقوبات، كما أن تبريره يقع بسبب ارتباك أسواق القمح العالمية بسبب الحرب أيضًا، ما يجعل الحصول على بديل سريع وبسعر مناسب أمر غير وارد، خاصة وأن الحكومة كانت تعتزم الاستمرار فى الاعتماد على القمح الروسى، إذ إنها شرعت منذ عدة أسابيع لتأسيس شركة مصرية روسية لتداول الحبوب فى مصر، وكذلك إنشاء منطقة حرة لوجيستية بالتعاون مع روسيا لتخزين الأقماح فى مصر.
ثالثا: إن الانخفاض الوارد فى كمية القمح الذى استوردته مصر عام 2021 مقارنة بالعام 2020، ورغم زيادة السكان فى مصر لأكثر من مليون ونصف فى العام 2021، إنما يرجع إلى زيادة المساحة المنزرعة من القمح (3.4 مليون فدان عام 2020)، وترشيد الاستهلاك الحكومى من القمح المدعم، إضافة إلى ارتفاع أسعار القمح العالمية بسبب الجفاف فى الولايات المتحدة، وبسبب فرض ضريبة على التصدير فى روسيا. المهم أن هناك حاجة ماسة إلى المزيد من السياسات التى تقلل الاعتماد على الخارج وتزيد الإنتاج من القمح المحلى.
رابعًا: إن الناظر إلى أسعار توريد القمح المحلى ومقارنته بأسعار الاستيراد من الخارج، يلاحظ مفارقة مهمة طالما تحدث عنها أساتذة الاقتصاد السياسى. فسعر التوريد المحدد من قبل الحكومة بلغ عام 2021 نحو 705 جنيهات للإردب الواحد (155 كجم)، وهو بالطبع سعر شجع الفلاح على زراعة القمح بشكل أكبر من العام 2020، وهو اتجاه على أى حال جيد، رغم أنه ما زال محدودا، إذ بلغ سعر كيلو القمح المستورد عام 2021 من روسيا إلى مصر (تسليم ديسمبر 2021 ظهر المركب) نحو 510 قروش للكيلو، مقارنة بسعر التوريد الذى حددته الحكومة للقمح المصرى وهو 450 قرشا للكيلو، ما يجعلنا نؤكد أن دعم الفلاح المصرى أهم بكثير من دعم الفلاح الأوروبى، ومن ثم ضرورة زيادة أسعار توريد القمح المصرى إذا ما رغبت الحكومة فى تقليل الاعتماد على الخارج، وهو اعتماد ليس باهظ الثمن اقتصاديًا فقط، بل إنه غير مأمون من الناحية السياسية كما أثبتت الأحداث الحالية. جدير بالذكر أن الحكومة رفعت منذ أربعة أشهر أسعار الأسمدة الأزوتية، ورفعت العام الحالى أسعار البنزين أربع مرات، وكلها مواد أولية تستخدم فى الزراعة عامة وفى إنتاج وحصاد ونقل القمح خاصة.
غاية القول أن أحداث الحرب الروسية الأوكرانية أثبتت الحاجة الماسة لوضع سياسات جادة للوصول إلى الاكتفاء الذاتى من القمح.