ملامح على احتدام المشهد بالمنطقة

معتمر أمين
معتمر أمين

آخر تحديث: الجمعة 3 مارس 2023 - 7:10 م بتوقيت القاهرة

يبدو أن التداخل بين توسع المشروع الإبراهيمى، وتوسع منظمة البريكس يدفع بمنطقة الخليج العربى إلى حالة من الفوضى تستعصى على التهذيب حتى الآن. إذ بينما يرتبط المشروع الإبراهيمى بالمجال السياسى والأمنى، ويتوجه أو يسفر عن بناء جبهة ضد إيران، فإن توسع منظمة البريكس يسير فى الاتجاه المعاكس تماما. حيث يحاول خلق تكتل اقتصادى يوازى مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى، عن طريق ضم اقتصادات كبيرة بالمنطقة مثل السعودية وإيران. وتظهر بعض المشاهد التى تجرى بالمنطقة بأن ترويض هذه الاتجاهات وتحويلها لصالح المنطقة أمر بعيد المنال حتى الآن، ولولا بعض جهود التهدئة التى تقوم بها مصر لتسارع الصدام بين الاتجاهين. وهذه لمحة من بعض المشاهد المحتدمة بالمنطقة والتى يتجمع أغلبها فى الرياض.

• • •

المشهد الأول، بالرغم من تشكيل الحكومة الإسرائيلية من أكثر القيادات اليمينية تطرفا فى تاريخ إسرائيل، يدور الحديث عن ضم السعودية إلى اتفاق السلام الإبراهيمى. ولا يأتى ذلك على خلفية عودة الحقوق العربية وبناء السلام، ولكن على أرضية الصدام مع إيران. فبعدما كان من المستحيل التصالح والتطبيع مع مغتصب الأرض، أصبح من المرجح التعاون مع عدو عدوى لكى تقف إيران عند حدها. ولذلك يسير المشروع الإبراهيمى باتجاه الرياض أملا فى توسيع الجبهة ضد إيران. لكن فى الوقت ذاته، تفكر إيران فى إعادة فتح سفارتها المغلقة بالرياض، والتى أغلقت منذ إعدام رجل الدين الشيعى نمر النمر، وتعتمد إيران على الوساطة العراقية للتقريب بين الدولتين. لكن لم تحسم السعودية موقفها بعد.

المشهد الثانى، توجد إرادة سعودية لإنهاء حرب اليمن ونزيفها، لكن تخشى المملكة من وضع الحوثيين القائم حاليا باليمن. ولذلك قد يكون التقارب مع إيران فرصة للضغط على الحوثيين فى المدى القصير، بهدف وقف الحرب، والوصول إلى توافقات حول المستقبل. وفى ذات السياق، يبدو أن إيران بدورها لديها دوافع إضافية للوصول إلى توافق حول المستقبل يتمثل فى إرضاء الصين. فالأخيرة تأمل فى توسيع منظمة البريكس بالشراكة مع روسيا والهند، وضم القوى الاقتصادية الآسيوية الكبيرة مثل السعودية وإيران. هدف الصين هو خلق قوة اقتصادية توازن مجموعة السبع الصناعية، عبر مجموعة البريكس. ولكن إذا كانت السعودية تريد ضبط الوضع فى اليمن فهل هذا مبرر لوقوفها فى نادى مناوئ لمجموعة السبع الصناعية؟

المشهد الثالث، تصطدم المملكة بحاجز آخر وهو أسعار البترول. فعائداتها ترتفع بسبب حرب أوكرانيا وتعوض الخزانة الخليجية. وساهم تخفيض روسيا إنتاجها بمقدار نصف مليون برميل فى الدفع بسعر البترول إلى مستوى 87 دولارا. ولو خفضت منظمة الأوبك إنتاجها أو حتى أبقته فى اجتماعها القادم، فمن المرجح استمرار ارتفاع أسعار البترول لتقارب 100 دولار للبرميل. ليس بخافٍ على أحد أن الأسعار المرتفعة تضغط على مصالح الدول الصناعية السبعة، وتجعل الرياض تبدو وكأنها طرف منحاز إلى روسيا فى صمودها ضد الغرب وفى حربها ضد أوكرانيا. ومن ثم تبدو الرياض وكأنها أقرب إلى مصالح البريكس أو روسيا تحديدا. وفى هذا السياق، يهدد التصعيد ضد إيران عائدات النفط ويعيد استنزاف الخزانة الخليجية. فإلى متى تستطيع السعودية موازنة عائداتها من النفط مقابل موقفها من مجموعة الدول السبع؟

• • •

المشهد الرابع. يبدو بعد تصريح رئيس وزراء إسرائيل باحتمال قيامه بزيارة إلى أوكرانيا، أن إسرائيل تأخذ موقفا من روسيا فى حرب أوكرانيا. هذا الأمر الذى يبدو بعيدا عن الخليج هو فى الواقع قريب جدا. فإسرائيل تأخذ ذلك الموقف لأن التصنيع العسكرى الإيرانى يمد روسيا بالأسلحة والمسيرات، ويخدم عملية تطوير البنية العسكرية الإيرانية بطريقة تعوض العقوبات الغربية على إيران. ولو أضفنا إلى ذلك ما وجده المفتشون الدوليون من آثار تؤكد تخصيب اليورانيوم عند مستوى 84% مقارنة بمستوى 90% الذى تحتاجه القنبلة النووية، واقتراب إنتاج إيران لها، فإن معادلة القوة تتغير بالخليج. ولذلك لا يبدو أن إسرائيل تستطيع الصبر بأكثر من ذلك. لكن تحركها تجاه أوكرانيا يخلق لها متاعب فى سوريا. فقد تفعّل روسيا منظومة الدفاع الجوى المتطورة وتغلق سماء سوريا أمام المقاتلات الإسرائيلية، مما يتيح طرق إمداد آمنة لنقل الأسلحة إلى حلفاء إيران حول إسرائيل فى لبنان وغزة. ومن ثم توجد مصلحة إسرائيلية فى التصعيد الآن ضد حلفاء إيران. لكن ما علاقة ذلك بالسعودية؟

المشهد الخامس، دأبت الحكومات الإسرائيلية على استفزاز مشاعر الشعوب الإسلامية، فى العشرين سنة الأخيرة، عبر السماح للمتطرفين الصهاينة باقتحام المسجد الأقصى المبارك فى شهر رمضان المعظم. هذه المرة المتطرفون هم الحكومة الإسرائيلية نفسها، وتلاحقهم المحاكم الإسرائيلية ذاتها بالاتهامات. ولذلك يرتفع سقف الدراما المتوقعة فى رمضان المقبل، وقد تصل إلى تهديد سلامة المسجد نفسه. وسيؤدى ذلك إلى إطلاق سباق من المزايدات من قبل إيران والقوى الموالية لها عما تستطيع فعله لدحر الاعتداءات الإسرائيلية على الحرم القدسى الشريف، مقابل ما تقول أنه الخنوع العربى الإبراهيمى المطبع مع إسرائيل. وقد تتجدد المواجهة العسكرية بين إسرائيل وحماس، أو حزب الله، أو على الجبهتين معا. هذه المعادلة المكررة من أول مواجهة كبيرة بين إسرائيل وحزب الله، والمتجددة كل حين منذ يوليو 2006، قد تصل هذه المرة لمرحلة الخسائر الموجعة فى ظل حكومة نتنياهو المتطرفة. فهل تستطيع الرياض الانضمام إلى الاتفاق الإبراهيمى فى ظل الدم العربى المسال؟

المشهد السادس، يتعلق بقضايا مختلفة منها مسار الطيران الإسرائيلى المدنى فوق السعودية، ومسار الكوبرى الواصل بين مصر والسعودية، وكل ذلك يتقاطع مع مسار طريق الحرير فى الجزء الواصل بريا من آسيا إلى أفريقيا. ومنذ نوفمبر الماضى لم يتحرك هذا الملف خطوة للأمام، وهو ما يجعل جزءا من القرار فى مسار التطبيع الإبراهيمى بيد القاهرة. والأخيرة لا تريد حربا فى غزة، ولا مزيدا من الضعف بلبنان. ولكن ماذا لو فعلتها إسرائيل وتحركت بصورة أحادية بدءا من رمضان المقبل؟ وماذا لو تقدمت السعودية فى الاتفاق الإبراهيمى بغض النظر عن المسائل العالقة؟

• • •

تجميع المشاهد السابقة لا ينبئ عن أى استقرار قادم للمنطقة. بل ينذر بأن التناقض بين المشروع الإبراهيمى الذى يحرز تقدما على حساب مسار البريكس قد يدفع المنطقة للدخول فى موجة من المواجهات التى تبدو ظاهريا بين إسرائيل وإيران، وواقعيا بين مجموعة السبع ومجموعة البريكس. وفى كل الأحوال، المتضرر الأكبر سيكون الخليج. فهل تنجح مصر فى فرملة التدهور القادم؟ وإلى متى؟

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved