عواطف

محمود قاسم
محمود قاسم

آخر تحديث: الجمعة 3 مارس 2023 - 7:05 م بتوقيت القاهرة

لا توجد قواعد محددة تتبعها السينمائيون عندما يعجبهم نص ما ويقررون إعادة إخراجه مرة أخرى، خاصة بالنسبة للأفلام المقتبسة عن الأدب العالمى، وكل ما يحدث أن الكاتب أو المخرج يقوم بتسميه الفيلم باسمه كمؤلف وفى المرة الثانية يكون الهدف هو الاستفادة من نجاح الفيلم الأول، ولدينا اليوم فيلمان المسافة بين إنتاجهما اثنا عشر عاما الأول هو «ملاك الرحمة» إخراج وتأليف يوسف وهبى وبطولته مع راقية إبراهيم وأنور وجدى وعدد كبير من الممثلين أما الفيلم الثانى فهو عام 1958 باسم «عواطف» وفيه ذكر أن المؤلف فيه حسن الإمام والسيناريو لنيروز عبدالملك وفيه أيضا عدد كبير من النجوم مثل مديحة يسرى وهند رستم ومحسن سرحان ومحمود المليجى وأحمد علام وغيرهم.

فى المرتين فإن المؤلف هو المخرج ولا أحد يعلم أن الرواية الأصلية فرنسية الأصل تأليف أدولف أونبرى، وهى من الروايات الشعبية التى دأب المخرجان على اقتباسها وإعادة إخراجها أكثر من مرة فى مسيرة كلا منهما، فالنص الأدبى ميلودراما فاقع وفاجع وفيه عزف بالغ القسوة على حياة البشر الذين مستهم الخطيئة ويدفعون الثمن عبر الأجيال: الجدة ــ الابنة ــ الحفيدة، الذين يدفعون ثمن الشرف المفقود، شرف الرجل الذى لا يمحو أبدا جريمة زوجته فى مسألة السقوط الجنسى، وعليه فإن هذا النوع من الروايات تتم تسميته باسم الرواية النهرية أو رواية الأجيال، فالحفيدات تدفعن ثمن خطيئة أمهات وهؤلاء يقمن بالتضحية بكل سمعه على أن يظل الشرف محاطا بالجدة، ويتم هذا وسط محنة المصادفة والاتهام، فالفتى الذى جاء إلى أخته لطلب المال متهما أمها بالدنس سرعان ما نكتشف أنه أخ للمرأة التى هى زوجة لرجل أعمال وأنه مضطر لأخذ مبلغ من المال لسد خسارته كمقامر وينتحر هذا الابن الضال تاركا الأسرار الغامضة تحوط بأخته وأمه كى تنفجر عبوة الشرف داخل الأسرة ويقوم الزوج مجدى بتطليق امرأته ويتزوج من امرأة تحبه وتريده، ولكنها فى نفس الوقت عشيقه لرجل آخر يدبر لها حياتها ويتظاهر أمام الجميع أنه شقيقها.

يعنى بالتمام والكمال هى قصص مأساوية محبوكة بشدة بحيث ينطلى على أبطالها ما يسمى بالحقيقة الزائفة، ورغم قسوة الظروف على البطلات بشكل خاص فإن أغلب النساء هنا طيبات صادقات المشاعر ويتسمن بالتضحية الكبرى وليس لدى أى منهن مبدأ الخيانة وبالتالى فإن كل واحدة منهن تدفع الثمن غاليا ليس فقط الأم والابنة والحفيدة ولكن أيضا مرفت التى تحب مجدى وتسعى بكل ما لديها لكشف الحقيقة وتموت مقتولة، أما الرجال فى هذا الفيلم فهم يصنعون القرارات ويتحكمون فى مصائر النسوة ويدفع الشرير منهم، وأيضا الطيب ثمن المؤامرات، ولابد أنك كمشاهد سوف تكتم أنفاسك وينتابك الشعور بالرغبة فى اقتحام الشاشة لإنهاء مثل هذه المأساة التى تتفاقم وتكبر مثل كرة الثلج المنزلقة، هذا النوع من القصص يؤرق الفنان فيقوم بإخراجه إلى الناس على الأقل مرة كل عقد من الزمن، وهكذا امتلأت السينما المصرية بما يسمى بظاهرة عواطف، نعم هى عواطف التى يتكرر وجودها فى أفلام يوسف وهبى وحسن الإمام وبركات وهى أيضا فى الروايات الشعبية الأوروبية، وقد امتلأت الشاشة بمثل هذه القصص طيلة تاريخ السينما وخاصة أن حسن الإمام دأب فى نهاية السبعينيات على إعادة إخراج هذه الأفلام مثلما فعل مع «غضب الوالدين»، و«حب فى الظلام» و«بائعة الخبز» والأمثلة كثيرة جدا لدرجة الإزعاج، والغريب أنه لم يعد لدينا تهتم بتفاصيل الحكايات بعد أن توقف المخرجون عن إعادة اقتباس هذه الروايات وتاهت التفاصيل لتصبح باردة السذاجة فى الأفلام التى نراها فى العقد الحالى لكنها موجودة على الشاشات اليوتيوب والقنوات الكلاسيكية، فكم نحن فى حاجة إلى قراءة هذه الأفلام وإعادة قراءتها ومشاهدتها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved